الضفة الغربية/ شبكة نوى- فلسطينيات:
قرابة الساعة الثالثة فجرًا، في يوم السادس والعشرين من آب/ أغسطس الماضي، سُمع صوت رصاصٍ أطلقه جيش الاحتلال الاسرائيلي في منطقة مسافر يطا جنوبي الخليل، والضحية هذه المرة المواطن إياد النجار (46 عامًا)، الأب لثمانية أبناء.
النجار ضاقت به السبل بعد أن فقد مصدر رزقه في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948م، حاله حال نحو 240 ألف عامل، أصبحوا عاطلين عن العمل، بعد اندلاع الحرب في قطاع غزة، بتاريخ السابع من أكتوبر/تشرين أول الماضي، فما كان به إلا أن حاول التسلق على جدار الفصل العنصري، لعله يحصل على عملٍ يوفر به قوت عائلته، إلا أن رصاص الاحتلال كان إليه أسرع.
سبق النجار بنفس الطريق عشرات الشبان، الذين استُشهدوا على الحواجز وبالقرب من الجدار، وحتى في الداخل المحتل دون تصاريح.
عائلة النجار التي كانت تعرف بوجود ابنها في تلك المنطقة في ذلك الوقت، فزعت إلى هناك لتجده مقتولًا وملقىً على الأرض. النجار "شهيد لقمة العيش"، سبقَه بنفس الطريق عشرات الشبان، الذين استُشهدوا على الحواجز وبالقرب من الجدار، وحتى في الداخل المحتل دون تصاريح.
يقول ابن عم الشهيد، واسمه نضال النجار لـ"نوى": إياد يعمل في أي شيء، وهو منذ بداية الحرب عاطل عن العمل، ولا يوجد أمامه أي بديل ليوفر لقمة أولاده، ومن أجل هذا السبب غامر في الدخول إلى الاراضي المحتلة، فأطلق الاحتلال الرصاص عليه".
ووفقًا لمحمد شواهين، رئيس بلدية يطا، فإن نسبة الأيدي العاملة في الداخل المحتل تزيد على 75% من مجمل الفئة العاملة في المدينة، مبينًا أن "هؤلاء أصبحوا عاطلين عن العمل منذ بدء الحرب على غزة، نتيجة وقف تصاريح العمل، ومنعهم من الوصول إلى الأراضي المحتلة".
وبيّن شواهين أن عدد سكان مدينة يطا، يفوق 120 ألف مواطن، بينهم 30 ألف عامل، وجميعهم عاطلون عن العمل منذ بداية الحرب، ولم تعمل الجهات المسؤولة على أي برامج تشغيلية، لإدماجهم فيها.
وأوضح شواهين أن حالات البطالة والفقر ارتفعت بشكل كبير منذ بداية الحرب حتى اليوم، مبينًا أن التكافل الاجتماعي و"نظام الفزعة"، هما اللذان يخففان أزمة العائلات، ويوفران بعض احتياجاتها، مؤكدًا أن كل الشيكات الراجعة مهما كانت قيمتها، لا يقدمها الناس للجهات المختصة، بسبب تقديرهم لأوضاع الناس المعيشية.
بين شواهين أن البلدية تقدمت إلى الجهات الرسمية بطلبات لتوفير أي بدائل للعاطلين عن العمل في المدينة، ولكن دون جدوى.
وبين شواهين أن البلدية تقدمت إلى الجهات الرسمية بطلبات لتوفير أي بدائل للعاطلين عن العمل في المدينة، ولكن دون جدوى، حيث تتذرع تلك الجهات بأن هذه قضية وطن كامل، لا قضية منطقة جغرافية واحدة.
وأوضح رئيس البلدية أن العمال باتوا يعرضون أنفسهم للخطر حتى يتمكنوا من توفير أساسيات العيش الكريم، "فهناك أطفال، وهناك مرضى وذوي إعاقة ومسنين، وكلهم بحاجة إلى رعاية واهتمام وبحاجة إلى مصاريف كثيرة".
وفي رام الله أيضًا، يخاطر الكثير من العمال بأنفسهم، ويتعرضون للابتزاز من قبل بعض المستغلين لاحتياجهم للعمل، ويدفعون مبالغ باهظة لتسهيل دخولهم إلى الأراضي المحتلة، ولو نجحوا في الدخول، فيضطرون للعيش وسط ظروف لا إنسانية من أجل توفير قوت يومهم، ويبقون هناك أشهر طويلة بعيدًا عن عائلاتهم، خشية العودة، وعدم القدرة على الدخول مرةً ثانية، بل إن بعضهم لم يروا عائلاتهم وأطفالهم منذ بداية الحرب حتى اليوم.
المواطن حسن صالح من قرية عارورة (58 عامًا)، وهو عاطلٌ عن العمل منذ شهر أيلول/سبتمبر المنصرم، وأبٌ لعدة طلبة جامعيين، وفي عنقه عائلة مكونة من 7 أفراد.
شرطة الاحتلال اعتقلت قبل أيام مجموعة من العمال، تم تهريبهم إلى الداخل المحتل عبر شاحنة، حيث اختبأ العمال في صندوق مخصص أسفلها.
لم يستطع صالح العمل يومًا واحدًا منذ بدء الحرب، فلا فرص متوفرة، والحياة باتت صعبة جدًا، وهو اليوم يناشد الجهات المسؤولة وصناع القرار لإيجاد حل للعاملين الذين اقتربت الذكرى السنوية لفقدانهم أعمالهم في الداخل المحتل.
وكانت شرطة الاحتلال اعتقلت قبل أيام مجموعة من العمال، تم تهريبهم إلى الداخل المحتل عبر شاحنة، حيث اختبأ العمال في صندوق مخصص أسفلها، وتم لحام لوح من الحديد فوقهم، وسط خطورة عالية على حياتهم، حيث اعتقلتهم شرطة الاحتلال، وقامت بضربهم والتنكيل بهم.
تواصلنا مع الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، الذي تأسس عام 1954م، ويتقاضى مبلغًا ماليًا شهريًا كمساهمات من العمال في الداخل المحتل منذ سنوات طويلة؛ لمعرفة الدور الذي يقومون به تجاه العمال منذ بداية هذه الأزمة.
عائشة حموضة عضو الأمانة العامة لنقابات عمال فلسطين، عقّبت بقولها: "ليس دور الحركات النقابية أن تقوم بتعويض العمال، فهذا دور منوط بمنظومة الحماية المجتمعية للدولة، التي من ضمن مسؤولياتها توفير الحد الأدنى من احتياجات العمال".
وأوضحت حموضة أن الاتحاد لم يعد يتقاضى ذات المبالغ التي كان يتقاضاها سابقًا، فقد تم تقليص الرسوم بشكل كبير منذ عام 2019م، بعد فضِّ الاحتلال اتفاقه مع الاتحاد، إلى جانب عدم اعترافه بعدد العمال الرسميين.
وبينت أن هناك مبالغ دفعها الاتحاد تقارب 11 مليون شيكل، تعويضات للعمال في فترة جائحة "كورونا"، "وليس باستطاعته تعويض العمال، فالمبالغ المتوفرة قليلة والأعداد كبيرة" تقول.
وأكدت حموضة أن الاتحاد العام دفع مبالغ كبيرة لتوفير الأمن الغذائي بشكلٍ مباشر لعمال غزة، منذ السابع من أكتوبر إلى اليوم، بالإضافة إلى مبالغ أخرى وصلت صناديق اللجان الشعبية في المحافظات "كدعم للعمال".
اتحاد العمال: "دفعنا مبالغ كبيرة لتوفير الأمن الغذائي لعمال غزة"
وبينت حموضة أن نحو 60 ألف عامل عادوا إلى عملهم في الداخل المحتل بتصاريح من دولة الاحتلال، ضمن تشديدات أمنية عالية، والخطورة رغم تواجدها إلا أنها ليست على هذه الفئة من العمال، وإنما على من يدخلون دون تصاريح، بغاية توفير فرص عمل لهم.
وقالت: "الحركة النقابية اشتغلت بهذا الجانب مع الاتحاد الدولي لنقابات العمال، بالشراكة مع وزارة العمل ومجلس الوزراء، كما عملت على رفع دعوى من الاتحاد الدولي ومنظمة العمل الدولية ضمن اتفاقية "الأجر 129".
وأشارت حموضة إلى أن الولايات المتحدة الامريكية، قدمت دعمًا لـ"إسرائيل" من أجل تعويض العمال، ولكن دولة الاحتلال عوضت العمال الإسرائيليين والمهاجرين، ولم تعوض الفلسطينيين عن تعطلهم منذ 7 أكتوبر.
وكان أحد أهم الأمور التي تطرقت لها حموضة في لقائها، أن جهاز الإحصاء الفلسطيني أصدر بيانًا قال فيه: "إن نسبة العائلات التي ترأسها نساء، ارتفعت منذ بداية الحرب على غزة من 11% إلى 14% من الشعب الفلسطيني".
وأشارت إلى أن هناك توقعات بأن تصل النسبة إلى 17% حتى نهاية الحرب، قائلةً: "هذا رقم كبير، وفي أبعاده سنرى استغلالًا للنساء في أماكن العمل، وتعرضهن للعمل في بيئة غير لائقة".
وأكدت أن هذا سيساهم في ارتفاع نسبة الفقر في العائلات التي تعيلها هذه النساء، كما أنه يهدد السلم الأهلي؛ لأنه مرتبط بالأمن الغذائي، معقبةً بقولها: "المؤشر الخطير أيضًا، يكمن في عدم دفع الرواتب في القطاع العام، نتيجة تحكم الاحتلال بأموال المقاصة، وبالتالي فإن دولة الاحتلال متحكمة بالاقتصاد الفلسطيني من جانبين، وقضية شل الاقتصاد بيدها".
وأكدت أن الاتحاد يعمل على توثيق كل الجرائم التي يرتكبها الاحتلال بحق العمال الفلسطينيين، بدءًا من القتل، ووصولًا إلى الضرب والاعتقال، مبينة أن هناك اعتداءات كبيرة جدًا على حقوق الإنسان، تم توثيقها ورفعها للاتحاد الدولي للعمال، الذي اتخذ قرارًا لرفع قضية لمنظمة العمل الدولية، بخصوص الانتهاكات بحق عمال الداخل المحتل، وقال إنه "في حال لم يتحرك باتجاهها، سيتم التوجه لمجلس الأمن".
25 ألف عاملة فلسطينية في المستوطنات وسط خطورة عالية
وأشارت عائشة إلى أنه وسط هذه الخطورة العالية جدًا، هناك نحو 25 ألف عاملة فلسطينية مستمرات في العمل في القطاع الزراعي داخل المستوطنات، وهن اللواتي يذهبن إلى عملهن بسرية عالية نتيجة ثقافة المجتمع، وموقفه من العمل في المستوطنات "التي لولا الحاجة والفقر، وعدم توفر البدائل، لما فكرن في العمل بداخلها أبدًا".
وأكدت أن وزارة العمل لا تتابع قضية العاملات في المستوطنات ولا تتحدث عنهن أبدًا، "لأن مجرد متابعتهم للقضية، تعني بالنسبة لهم أنهم منحوا المستوطنات شرعية الوجود".
حاولنا على مدار أسبوع، الحصول على تعقيب وزارة العمل لفهم دورها في متابعة ملف العمال، الذين فقدوا أعمالهم في الداخل المحتل منذ بدء الحرب على غزة، لكننا واجهنا مماطلةً كبيرة، ورفضًا من قبل مسؤولين للتحدث حول هذا الموضوع.