غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
على باب خيمتها في مخيم "الست أميرة" بدير البلح وسط قطاع غزة، تحاول أم أحمد كلوب بصعوبةٍ إشعال الحطب، وتتمتم: "هذه المهمة هي أصعب من نعيشه في النزوح".
وبرغم دخول الغاز إلى مناطق جنوبي وادي غزة، منذ أكثر من شهرين، إلا أن السيدة (53 عامًا) تشكو عدم إدراج اسمها في كشوفات تعبئة الغاز حتى اللحظة.
وتتساءل بحرقة: "متى سيصلني الدور؟ أنا مسؤولة عن 12 فردًا، بينهم اثنين من مرضى ضمور الدماغ (..) أعاني الأمرّين في جمع الحطب وإشعاله، وإلى الآن أسأل نفسي، من هم المستفيدون إذا لم يكن لحالةٍ تشبه حالتي استحقاق؟".
وتتزايد معاناة النازحين والسكان في قطاع غزة، مع استمرار حرب الإبادة، في ظل شح الغاز الذي يسمح الاحتلال بدخوله إلى جنوبي القطاع فقط، بكميات محدودة، وعلى فترات متباعدة.
وليست السيدة كلوب وحدها التي اشتكت لـ"نوى" تأخر الحصول على حصتها من غاز الطهي، فالـ"عشوائية"، و"الضبابية" التي تشوب طريقة التعاطي بهذا الملف، وفق وصفها عمّق الأزمة الإنسانية التي يعيشها الناس تحت الإبادة، وساهم في ظهور ما يعرف بـ "السوق السوداء"، "التي يُباع فيها الغاز بشكل غير قانوني، وبأسعار خيالية" تضيف.
ويتحدث الشاب صبري المصري، النازح من حي التفاح، عن تسجيله عبر الرابط الإلكتروني الذي نشرته وزارة الاقتصاد منتصف حزيران/ يونيو الماضي، منذ اليوم الأول، مستدركًا: "لكنني حتى اللحظة لم أحصل على نصيبي من الغاز، في الوقت الذي أعرف فيه أشخاصًا استفادوا أكثر من مرتين، وبشكلٍ متتالٍ".
للمصري طفلٌ عمره عام، ويعتمد على الحليب الصناعي في غذائه فقط، "لذلك أضطر لإشعال الحطب على مدار الساعة، من أجل تجهيز طعامه"، ملفتًا إلى سعر الحطب المرتفع، وأضرار الدخان الناجم عن بقائه مشتعلًا على الصحة والجهاز التنفسي.
ويلمح الشاب في حديثه لـ"نوى" إلى أنه يتابع الكشوفات التي ينشرها الموزعون للأسماء بشكل دوري، ويفاجأ "بأسماء في كشوفات دير البلح، والنصيرات، لأشخاص ليسوا في البلاد أصلًا" يقول.
وكتب الصحافي أسامة الكحلوت، عبر صفحته في "فيسبوك"، أن مجموعةً من الغزيين الذين كانوا يعملون في الداخل المحتل قبل اندلاع الحرب، في السابع من أكتوبر/ تشرين أول الماضي، اعتقلوا وأُفرج عنهم عبر معبر كرم أبو سالم، فلم تُسجل لهم عودة إلى القطاع، "وهذا حرمهم من التسجيل للغاز عبر الرابط المخصص، بذريعة التواجد خارج حدود القطاع".
فيما روى المواطن سامي الهسي ما حدث معه، عندما طلب منه أحد الموزعين إحضار اسطوانة الغاز في تمام التاسعة والنصف مساءً، رغم خطر الحركة في ساعات الليل، "وأخبرني أنني إذا لم أسلِّم اسطوانتي في هذا الوقت، سأفقد حقي في الغاز" يقول.
"سلمته الأسطوانة في الموعد المحدد، ولما ذهبت لأخذها، أخبرني الموزّع بأنني فقدتُ أحقيّتي في التعبئة".
ويتابع بنبرة قهر: "سلمته الأسطوانة في الموعد المحدد، ولما ذهبت في اليوم التالي لاستلامها، أخبرني الموزّع بأنني فقدتُ أحقيّتي في التعبئة".
وتبعًا لأحد أقارب موزعي الغاز في مخيم النصيرات -وقد رفض الإفصاح لعن اسمه- فإن الغاز يصل إلى "السوق السوداء"، بطريقةٍ التفافية، عندما يتم تعبئة أسطوانة الغاز للمواطن بوزن 7 ونصف كيلو، بدلًا من ثمانية، "ليتقاسم الموزع، وبعض الأشخاص من الجهات المشرفة على موضوع الغاز، باقي الكمية، والمبلغ الذي تُباع به، الذي يقدر بين 35 و45 شيقلًا عن كل كيلو".
يضيف المصدر لـ"نوى": "كل موزع له حصة أسبوعية لتعبئة 100 أسطوانة، فيحصل الموزع والمشرف على قرابة 50 كيلو من الغاز، فيبيعونها في "السوق السوداء".
يؤكد المواطن (م.ح) من مخيم النصيرات، المعلومات السابقة، ويقول: "استلمتُ أسطوانة الغاز الخاصة بي، ولما وزنتها كانت 7 كيلوات ونصف، وعندما راجعت المشرف على التعبئة، فسر ذلك بنقل الغاز من أسطوانة كبيرة إلى أسطوانة المواطن، وهذا قد يحتمل عدم الدقة في الوزن"، مشيرًا إلى وجود موزعين يعملون على تعبئة الغاز بالوزن الكامل (8 كيلوات)، والتأكد من دقة التعبئة بعد الانتهاء أيضًا.
حاولت معدة التقرير التواصل مع وزارة الاقتصاد، وهيئة البترول، للسؤال حول الآلية المتبعة في التوزيع، والإجراءات المتخذة بحق المخالفين، وخطة الرقابة لضمان آلية توزيع عادلة للمواطن، إلا أن هاتف أحد من مسؤولي تلك الجهات لم تكن متاحة "مغلقة"، وبالتالي، كان لا بد من مقابلة أحد موزعي الغاز.
مسؤول ملف الغاز في أحد مخيمات النزوح بمدينة دير البلح، وسط قطاع غزة، أبو عمر الرواغ، قال لـ"نوى": "طلبت الجهات المختصة في وزارة الاقتصاد في البداية أسماء النازحين داخل المخيم للاستفادة من الغاز، فسلمناها لهم، واتفقنا على أن تكون هناك حصة شهرية للمخيم، بحيث تحصل كل عائلة على 8 كيلوات من الغاز، بشكل متسلسل".
وتابع: "حصلنا على حصتنا أول مرة، بما يكفي لـ 100 اسم من أصل 200 اسم أرسلناها، ثم طلبوا منا أن نخبر النازحين بالتسجيل عبر الرابط الذي أصدرته الوزارة".
ويتحدث أدهم السلقاوي (موزع غاز)، عن الآلية المتبعة لتعبئة الغاز، فيقول: "نحصل بشكل أسبوعي على كشف من الجهات المختصة (وزارة الاقتصاد وهيئة البترول)، بالاسم الرباعي، ورقم الجوال، ورقم الهوية لكل مواطن، ونحن بدورنا نتصل به ونبلغه بالحضور، وننشر الكشوفات عبر الإنترنت".
يستلم السلقاوي الأسطوانات من الأسماء المنشورة، ويرسلها للمحطة التي تشرف عليها هيئة البترول، التي تقوم بتعبئة اسطوانة الغاز بدورها بوزن 8 كيلو، مقابل مبلغ مالي مقداره 55 شيكلًا"، مؤكدًا أن موزعي الغاز لا علاقة لهم بأي تلاعب بالأسماء، أو تقديم أسماء على أخرى، أو تكرارها لأكثر من مرة".
في السياق، يقول وائل بعلوشة مدير المكتب الإقليمي للائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة "أمان" في قطاع غزة لـ"نوى": "غاز الطهي مسألة في غاية الأهمية في الوقت الراهن، نظرًا للواقع الاستثنائي الذي يمر به القطاع، ونظرًا لندرة الغاز يجب التعامل مع هذا الملف وتوزيعه بطريقة نزيهة وشفافة، خاضعة لرقابة جهات الاختصاص".
واتهم بعلوشة "الهيئة العامة للبترول"، و"الإدارة العامة لحماية المستهلك" التابعة لوزارة الاقتصاد الوطني، بالمسؤولية عن ظهور "السوق السوداء"، "إذ لا بد من أن تشرف جهات الاختصاص بشكل مباشر على الجهات التي تقوم بعملية التوزيع، ومحاسبة كل من يتلاعب بالأسماء أبو بكمية الغاز المستحقة" يقول.
ويضيف: "على الجهات المختصة، الأخذ بعين الاعتبار ضرورة تحديث بيانات المواطنين المستفيدين بشكل مستمر، وتنظيم حملات تفتيش ومتابعة لضمان وصول حصص الغاز لمستحقيها، وإفساح المجال للمواطنين لتقديم الشكاوى، وإيجاد طريقة ناجحة لاستقبالها ومعالجتها".