شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الاربعاء 15 يناير 2025م04:39 بتوقيت القدس

رحلة شاقّة للبحث عن ملابس وأدوات نظافة

صحافيات غزة.. ليست كل "الحروب" تنقلها الكاميرا!

26 اعسطس 2024 - 13:43

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

"اضطررتُ لارتداء جاكيتة شتوية خاصة بزميلي"، قالتها الصحافية شروق شاهين وضحِكت.

وأضافت: "تركنا بيوتنا في أكتوبر، ولم يكن الشتاء قد حلَّ بعد، وفي السوق كانت الخيارات شحيحة، بل معدومة، ولم أجد أمامي أي خيار عندما فتح لنا الشتاء ذراعيه"، متسائلةً بصيغة استهجان: "ألا تريدونني أن أضحك؟ (..) يا للأسف، هذا ما فرضته علينا حرب الإبادة".

ومثلهن، مثل كافة النساء الفلسطينيات تحت النار، انقطعت السبل أمام الصحافيات اللواتي يغطين تفاصيل المجازر لحظةً بلحظة، إزاء توفير احتياجاتهن الأساسية من ملابس ومستلزمات تنظيف.

شاهين التي تعمل مراسلةً لتلفزيون سوريا، نزحت أكثر من خمس مرات بدءًا من بيتها في مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين شمالي غزة، وليس انتهاءً -كما تتوقع- في خيمةٍ داخل مستشفى شهداء الأقصى بغزة "مع كثرة أوامر الإخلاء، والاجتياحات المفاجئة للمناطق كافة".

تقول: "خرجتُ بملابسي التي علي، ورغم أنني بحثتُ في جميع أسواق منطقة وسط وجنوبي القطاع، كنت في كل مرةٍ أعود بالخيبة والقهر"، مضيفةً: "كل شيء هنا معدوم ومفقود، وعملي كمراسلة يتطلب الظهور أمام الكاميرا بلباس جيد، لكن للأسف منذ أن بدأت الحرب، ظهرت بعدد قليل من الملابس التي بالكاد استطعت توفيرها".

في فترةٍ من الفترات، حاولت بعض المحال التجارية تعويض النقص من الملابس في المناطق الوسطى والجنوبية من القطاع، بخياطة الأقمشة، وعرضها للبيع، وهنا "اضطررت لشراء بعض القطع المخاطة، لكن جودتها سيئة جدًا. تتمزّق فأعيد خياطتها لكن دون جدوى".

أما مستلزمات النظافة فهي معاناة أخرى، تضيف: "الصابون والشامبو وحتى المحارم، كلها غير متوفرة، وإن توفرت فثمنها مضاعف عما كانت عليه قبل الحرب، ناهيكم عن صعوبة تحصيل الكاش بعد تحويل راتبي لأن السيولة معدومة".

تخفي شروق دمعتها وتقول: "انتشرت في وجهي البثور، لا أجد أيًا من أدوات العناية بالجسم. الاحتياجات المفقودة أثرت بشكل كبير على نفسياتنا".

تضطر شاهين بعدما انعدمت تلك المستلزمات، للتقليل من استخدام المتوفر لديها منها، وتتابع: "أصبحت أستخدم الشامبو بكمية قليلة جدًا حتى يبقى لدي مدة أطول، فأخاف أن ينتهي وينقطع ولا أجد مثله في السوق".

العمل الميداني لشاهين يجبرها على العمل لساعات طويلة تحت أشعة الشمس، مما أدى إلى ظهور التصبغات والحبوب في وجهها، وهنا برزت معاناة جديدة، "حيث بحثت في كل الصيدليات والأسواق عن واقي شمس، ولم أجده!" تقول.

وتضيف: "انتشرت في وجهي البثور، لا أجد أيًا من أدوات العناية بالجسم". تخفي شروق دمعتها وتكمل بحسرة: "كل تلك الاحتياجات المفقودة، أثرت بشكل كبير على نفسياتنا نحن الصحافيات بالإضافة إلى تعبنا الجسدي".

لا يختلف الحال كثيرًا عند الصحافية دعاء روقة، التي تعمل أيضًا مراسلةً لتلفزيون المسيرة. تقول: "في بداية الحرب جهّزت نفسي بمخزونٍ معين من مستلزمات النظافة، لكن عندما انتهت، بحثتُ في كل الأسواق، وبصعوبة بالغة أجد الصابون والشامبو".

اضطرت روقة للتغيب عن عملها في بعض الأحيان، لتتمكن من البحث لساعات طويلة عن أي نوعٍ من الصابون أو الشامبو، وحتى عن المناديل بأنواعها.

تخبرنا: "اضطررتُ لغسل شعري بسائلٍ غير مخصص للشعر أكثر من مرة. أصبح شعري متقصفًا، وملمسه خشن"، مردفةً بالقول: "أعاني حتى اللحظة من عدم توفر الشامبو. تعبت نفسيتي كثيرًا من هذا الأمر".

عمل روقة المتواصل لمدة 24 ساعة، أثر عليها نفسيًا فأصبح التعب يظهر على هيئة حبوب في وجهها، فماذا فعلت؟

تزيد: "ذهبت للطبيب كي أعالج بشرتي لكن دون جدوى، فلا يوجد أدوية ولا واقي شمس، وكل ما يلزم العناية بالبشرة معدوم".

"ذهبت للطبيب كي أعالج بشرتي لكن دون جدوى، فلا يوجد أدوية ولا واقي شمس، وكل ما يلزم العناية بالبشرة معدوم".

إغلاق الاحتلال الإسرائيلي لمعبري رفح وكرم أبو سالم، أعدم الخيارات على كافة الصعد، بدءًا من الملابس، وليس انتهاءً بمستلزمات النظافة، وهذا ما دفع الناس للجوء إلى سوق البالة (الملابس المستعملة)، ومن بينهم الصحافيات.

روقة واحدة منهن. تقول: "خرجتُ من بيتي ولم أستطع أخذ شيءٍ معي. لم أتوقع أن تطول الحرب، وأن أنزح مرات عدة ولا أجد ما أرتديه".

تكمل: "اضطررت لشراء ملابسي من البالة بأي ثمن، ناهيكم عن ارتدائي قمصان شبابية لعدم توفر ملابس مخصصة للنساء".

وتتابع: "أكثر من 300 يوم ونحن تحت النار. لم أجد أحذية أرتديها، فاضطررت أيضًا لشرائها بثمنٍ مرتفع من البالة".

أما الصحفية نور السويركي، فعبّرت عن غضبها من انعدام مستلزمات النظافة، والارتفاع الفاحش لأسعار المتوفرة منها، بالقول: "أسعار فلكية، مش منطقي الي بصير فينا".

يقيد الاحتلال الإسرائيلي دخول المستلزمات الصحية والطبية، مما أدى إلى انتشار الأمراض بين صفوف النازحين والمواطنين. وتروي السويركي: "أصبحت أجسادنا أكثر عرضة للمرض من ذي قبل، وذلك لعدم تواجد مستلزمات التنظيف، والأدوية، وإن تواجدت، فلا نملك المال الكافي لشرائها".

تضيف: "حين أمرض لا أستطيع مواصلة عملي، خاصةً وأنني أعمل مراسلةً في قناة الشرق، وذلك يتطلب مني المتابعة أول بأول".

على وجه السويركي يظهر التعب جليًا. تقول بصوت مملوءٍ بالحزن: "فوق الأذى النفسي الذي نعيشه، تأتينا الأمراض نتيجة قلة مستلزمات النظافة، لنعيش أذىً جسديًا مضاعفًا".

وتتساءل بحرقة: "المال الذي أجنيه من عملي لا يكفي لشراء ما نأكله لارتفاع أسعار الخضراوات والفواكه، فكيف سأشتري مستلزمات التنظيف بهذه الأسعار الفلكية؟".

ووصل سعر عبوة سائل غسيل الشعر والجسم إلى 90 شيقلًا، أي ما يعادل 30 دولارًا، هذا للمستورد، في حين بلغ سعر المحلي 15 دولارًا ضمن آخر تحديث للأسعار في أسواق وسط قطاع غزة.

كاريكاتـــــير