غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
كفراشةٍ تتنقل الطفلة دعاء وسط مجموعةٍ من أقرانها الأطفال، تلعب معهم وتمرح بسعادةٍ أنستها ولو بشكلٍ مؤقت أصوات الرعب المنبعثة من الطائرات والدبابات والزوارق التي تحاصرها جوًا وبرًا وبحرًا، وتنثر الموت منذ نحو 11 شهرًا في كل مكان.
لساعات، يجتمع في "خيام الأمل" بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة، يوميًا، عشرات الأطفال، للمشاركة في أنشطة متنوعة بهدف التفريغ النفسي، وتخفيف وطأة الحرب الإسرائيلية وضغوطها الهائلة عنهم.
وفيما كانت الطفلة دعاء صالحة، تحتضن بين كفيها الصغيرين كرة، قالت مبتسمةً لـ"نوى": "هذه الأنشطة تشعرني بسعادة كبيرة"، وتضيف ببراءة: "احنا اتعبنا من الحرب، وبدنا نرجع لبيوتنا وحياتنا ومدارسنا.. من حقنا نلعب ونتعلم بدون خوف".
وإضافة إلى التفريغ النفسي، تُنظَّم داخل هذه الخيام المقامة في مراكز إيواء النازحين بالمدينة التي تضم حاليًا الكتلة البشرية الأكبر من النازحين، أنشطة أخرى. تخبرنا دعاء (11 عامًا): "تساعدنا على نسيان ما نحن فيه ولو مؤقتًا، نحاول أن نتخطى ويلات النزوح والتشرد في الخيام ومراكز الإيواء، وأن نتجاوز مشاهد القصف والموت والدمار".
وبينما كانت دعاء تتحدث مع "نوى"، خطفت طفلة الكرة من بين يديها، وسط تعالي الصيحات والضحكات في المكان، الذي تشرف على أنشطته الترفيهية والتعليمية متطوعات، يتبعن مؤسسات أهلية شريكة.
وتشمل هذه الخيام الخدماتية عددًا من الزوايا التي تختص بتعليم الأطفال لإبقائهم على تواصل مع العملية التعليمية، بالإضافة إلى الأنشطة الترفيهية والتفاعلية وأنشطة التفريغ النفسي، وتعلم المشغولات اليدوية كالتطريز والرسم على الزجاج، ومنجرة لصناعة الأثاث والمقاعد؛ لجلوس الأطفال خلال مشاركتهم في مختلف الأنشطة.
وبدت دعاء وأقرانها من الأطفال سعداء بهذه الأنشطة الترفيهية والتفاعلية، وبالمشاركة في أنشطة تعليمية تعيدهم ولو جزئيًا للحياة التعليمية المتوقفة منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر/ تشرين أول الماضي.
وبحسب آخر تحديثات صادرة عن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فإن الحرب تسببت باستشهاد أكثر من 500 معلم ومعلمة مدرسة، و110 من العلماء وأساتذة الجامعات، وتدمير 121 مدرسة وجامعة كليًا، و333 جامعة ومدرسة لحق بها الدمار بشكل جزئي.
وتقول منسقة الإعلام والمناصرة في جمعية التنمية الزراعية (الإغاثة الزراعية) نهى الشريف: "تهدف مبادرة خيام الأنشطة الترفيهية والتعليمية إلى تحسين حياة النازحين الذين أُجبروا على ترك منازلهم ومناطق سكنهم، هربًا من ويلات الحرب".
وانطلقت هذه المبادرة استجابة لاحتياجات مراكز الإيواء التي حددتها لجان الحماية المجتمعية، وتتضمن إقامة خيام في مراكز الإيواء؛ لتلبية احتياجات الأنشطة التعليمية، والصحية، والترفيهية، التي من شأنها توفير بيئة داعمة ومريحة للنازحين، بحسب نهى.
ووفقًا لها، فإن هذه المبادرة تسعى إلى تطوير الأنشطة المجتمعية، عبر توفير بيئة تفاعلية داعمة تساهم في تعزيز التكافل الاجتماعي، وتحسين واقع الأسر النازحة.
وتلفت إلى أن الأنشطة داخل الخيام متعددة الأغراض، وتتضمن تقديم الرعاية الصحية الأولية، والأنشطة الترفيهية والنفسية، إلى جانب تحسين الحالة الصحية العامة من خلال تقديم خدمات الرعاية الصحية الأساسية، إضافة إلى توفير التعليم البديل للأطفال، وتعزيز الصحة النفسية لهم ولأسرهم، من خلال خلق بيئة مساندة وآمنة.
وتشارك إيمان سرور، وهي معلمة من فئة الصم، في هذه الخيام، من خلال تدريس الأطفال مادة الرياضيات، بمساعدة متطوعة تقوم بترجمة المعلومات للأطفال من غير ذوي الاعاقة.
وفي حديثها مع "نوى" بلغة الإشارة، تبدي هذه المعلمة التي نزحت برفقة زوجها وأطفالها من مدينة بيت لاهيا شمالي القطاع سعادةً كبيرة، بما تصفه بـ"التفاعل الإيجابي للأطفال مع الدروس التي يتم تقديمها داخل الخيمة التعليمية"، رغم استمرار الحرب، التي تركت آثارها السلبية الخطيرة على صحتهم.
وحسب عبير الوحيدي، المعلمة والاختصاصية الاجتماعية في "جمعية أطفالنا للصم"، فإن الزوايا التعليمية ضمن مبادرة خيام الأمل الخدماتية والتفاعلية تأتي حرصًا على استمرار المسيرة التعليمية للأطفال، وقد وجدت هذه المبادرة صدى إيجابيًا واسعًا لدى أهالي الأطفال والطلبة، الذين يتوقون لعودة أطفالهم لمقاعد الدراسة.
وحول كيفية الجمع بين الأطفال من ذوي الإعاقة السمعية والبصرية والحركية في هذه الخيام التعليمية، توضح عبير أن ذلك تم عبر تقديم المواد التعليمية المتخصصة للمراحل الابتدائية، مع مراعاة النهج الشامل الذي تتم من خلاله عملية الدمج، قائلةً: "وقد سبق تقديم مجموعة من الأنشطة اللامنهجية بهدف تهيئة الدمج وكسر الجمود".
خصص القائمون على المبادرة خيمةً للمشغولات اليدوية، وهي واحدة من الأنشطة الرئيسة التي كانت تميّزُ جمعية "أطفالنا للصم" في مدينة غزة، قبل اندلاع الحرب.
وخصص القائمون على المبادرة خيمةً للمشغولات اليدوية، وهي واحدة من الأنشطة الرئيسة التي كانت تميّزُ جمعية "أطفالنا للصم" في مدينة غزة، قبل اندلاع الحرب وتدمير مقرها الرئيس.
وتقول مدربة التطريز فيه كوكب القدسي لـ"نوى": "كانت الجمعية تضم مجموعة واسعة من الزوايا والأنشطة والمنتجات والمشغولات اليدوية"، مشيرةً إلى صعوبة العمل في ظل الحرب، حيث لا تتوفر العينات والمواد الخام، التي فقدت تحت أنقاض الجمعية، ولعدم توفرها في الأسواق نتيجة الحصار الخانق وإغلاق المعابر.
ورغم كل هذه المعوقات تظهر هذه المدربة ومن معها من مدربين ومتدربين، إصرارًا على تحدي الصعاب، واستخلاص الأمل من وسط الألم، وإظهار القدرة على الحياة، ومدى الارتباط بهذه الأرض عبر صناعة القطع والمشغولات اليدوية التراثية، بأبسط الإمكانات المتوفرة والمتاحة.