غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
اضطرت الشابة سجى وطفة، وتعمل صحافية حرة، لاستلام آخر حوالةٍ مالية وردت إليها من الجهة التي تعمل معها خارج قطاع غزة، مقابل خصم 16% من المبلغ المرسل.
كان هذا شرط مكتب الصرافة الذي تتعامل معه جنوبي قطاع غزة، "وهو الأقل عمولة" وفق ما تقول، في ظل أزمة استلام الحوالات الخارجية، أو "التكييش" التي يعيشها المواطنون في قطاع غزة، نتيجة ما أسمته بـ"تلاعب مكاتب صرافة بأسعار العمولات النقدية، في ظل غياب الرادع من الجهات المختصة".
اتهمت سجى مكتب الصرافة باستغلال حاجتها للمال، "فقد كان يأخذ قبل الحرب 2% فقط كعمولة"، أما الآن رفعها لـ 16%.
المبلغ الذي ورد لحساب سجى 100 دولار، احتسب قيمته قبل خصم الحوالة بـ 320 شيقلًا، بدلًا من 380 كما هو سعرها في السوق المحلي للعملات، عازيًا ذلك لعدم وجود سيولة نقدية في القطاع، ثم خصم منها 16% وأعطاها الباقي!
تخبرنا سجى: "لا تصل الحوالة المالية إلى حسابي البنكي بشكل مباشر بسبب حظر معظم الدول التعامل مع البنوك بقطاع غزة، ولهذا ترسلها لي جهة العمل من هولندا عبر مكتب صرافة بتركيا، ثم إلى قطاع غزة، وهي الطريقة الأفضل حاليًا".
وتضيف: "أتعرض لخسارة عن كل 100 دولار، لا يوجد خصم ثابت، وأحيانًا يصل الخصم إلى أكثر من 16%. نحن نعيش حالة فوضى حقيقية دون حسيب أو رقيب".
وليست سجى وحدها التي تعاني من ما يمكن أن نطلق عليه اسم "فوضى العمولات النقدية"، فالشاب وليد قمر حالةٌ أخرى.
قابلناه وكان في حالة غضبٍ شديد، بعد استلامه حوالة مالية وصلت إلى حسابه في أحد البنوك الفلسطينية، و"كيّشها" بالعامية (أي حصل عليها نقدًا) من أحد مكاتب الصرافة. يقول: "وصلني من شقيقي المقيم بتركيا عبر حسابي البنكي مبلغ 1200 دولار أمريكي، واستلمته ناقص 350 دولارًا! أي بخصم قيمته 29%".
استلم الشاب 850 دولارًا فقط بعد طول انتظار، ومحاولات للإرسال استمرت ثلاثة أشهر، "فالتحويل الخارجي لغزة يمر بتفاصيل معقدة جدًا، وأنا أحتاج المبلغ بشكل مُلح للغاية في ظل الارتفاع الجنوني لأسعار السلع بغزة، وهذا ما جعلني أرضخ لابتزاز صاحب المال".
ووصف وليد ما تعرض له بـ"الاستغلال"، ويستدرك: "لكنني مجبر على القبول بالعرض في ظل شح الخيارات المتاحة، فالبنوك لا تسمع لعملائها المودعين بسحب أموالهم بالدولار من ماكينات السحب الآلي محدودة العدد، والتي تعمل بشكل جزئي"، متهمًا البنوك بالتواطؤ "مع الأشخاص الذين باتوا معروفين بأنهم من العاملين في السوق السوداء".
وقد أدى استهداف الاحتلال للأنظمة المصرفية والمالية بقطاع غزة، وتدمير عشرات مكاتب الصرافة، وآلات الصرف، وحظر وصول الحوالات المالية للغزين، وغياب الدور الرقابي من قبل الجهات المختصة، إلى انتشار الفوضى وتغول المصارف ومكاتب الصرافة، ورفع نسبة الخصم المالي كعمولات عن المبالغ التي يسعى الفلسطينيون هناك للحصول عليها نقدًا.
ومنذ أن أعلنت دولة الاحتلال الإسرائيلية الحرب على قطاع غزة، في السابع من أكتوبر/ تشرين أول الماضي، تعرض عدد كبير من أصحاب الحوالات لخسارات كبيرة، رغم حاجتهم الماسة إليها في ظل الظروف المأساوية التي خلفها طول أمد الحرب، وارتفاع الأسعار الجنوني، وشح المواد اللازمة لاستمرار الحياة.
توجهت معدت التقرير بدايةً لدائرة حماية المستهلك، التابعة لوزارة الاقتصاد، التي اعتذرت بشكلٍ واضحٍ عن أي تعقيبٍ يخص القضية.
حاولنا الحصول على ردٍ من أصحاب عدد من مكاتب الصرافة، ومسؤولي المصارف العاملة، إلا أن أحدًا لم يتجاوب معنا، ما عدا أحد العاملين في مكتب صرافة "رفض الإفصاح عن اسمه"، برر سبب الأزمة "بعدم وجود السيولة النقدية بغزة، وصعوبة تحويل الأموال إلى القطاع منذ بداية الحرب".
أما بالنسبة لسلطة النقد، فقد اكتفت بإصدار بيان بتاريخ 24 مارس /آذار أكدت خلاله تعرض عدد من فروع المصارف ومقراتها للتدمير الإسرائيلي، مما تسبب بتعذّر فتح ما تبقى من فروع، للقيام بعمليات السحب والإيداع في محافظات القطاع كافة.
ووفق البيان، فقد نجم عن ذلك أزمةً غير مسبوقة في وفرة السيولة النقدية بين أيدي المواطنين وفي الأسواق، "وقد تفاقمت الأزمة مع خروج معظم أجهزة الصراف الآلي عن الخدمة، ولهذا تتابع السلطة شكاوى مواطنين تعرضوا للابتزاز والاستغلال مقابل حصولهم على تحويلات مالية خارجية"، مشددة على رفضها علميات الابتزاز واستغلال المواطنين في ظروفهم القاسية.
وتعقيبًا على البيان، انتقد المحلل الاقتصادي أحمد أبو قمر ما وصفه بـ"شكلية البيان"، في ظل عدم تنفيذ أي إجراء فعلي على أرض الواقع؛ لمنع قرصنة الحوالات المالية الداخلية والخارجية بغزة، من قبل بنوك ومكاتب صرافة.
واتهم سلطة النقد بالتواطؤ مع الجهات المذكورة، "كونها لم تسهم بحل المشكلة منذ 6 أشهر، ولم تقم بالمهام الموكلة إليها، وأهمها تعزيز السيولة في الأسواق"، مشيرًا إلى أن قلة السيولة تزيد نسبة العمولة لأكثر من 20% "لدى تجار الحروب، الذين يستغلون أوضاع الناس المأساوية".
وقال: "إن أي إرباك في العملية المصرفية له تداعيات خطيرة على الحالة الاقتصادية في أي بلد، ومن الممكن إذا استمرت قرصنة الحوالات المالية بغزة، أن نشهد حالة فوضى وبلطجة، قد تؤدي لعمليات سطو على البنوك ومكاتب الصرافة، وتكرار سيناريو الأزمة اللبنانية"، محذرًا من إمكانية انهيار القطاع المصرفي، وإعلان البنوك إفلاسها في قطاع غزة.
وحسب أبو قمر، فإن الحل في هذه المعضلة، يكمن في تعزيز السيولة النقدية بالأسواق من قبل سلطة النقد، عبر تخفيف الأموال التي تخرج من غزة، وإيجاد احتياطي لدى البنوك لضخ الأموال في الأسواق، والضغط على الاحتلال الإسرائيلي للعمل ضمن بروتوكول اتفاقية باريس الاقتصادية، التي تسمح بدخول الأموال النقدية لغزة، وردع الاستغلال من أي جهةٍ كانت بشكل جدي.
ونبه إلى أن تفعيل الدور الرقابي من قبل وزارة الاقتصاد بغزة، والعمل تحت بند الطوارئ، وتكوين فريق لمراقبة عمل مكاتب الصرافة والبنوك المصرفية، من أهم الخطوات لإنهاء الفوضى، ومساندة المواطن، الذي استنزف في كل شيء، "استقراره النفسي، والاجتماعي، والاقتصادي والمالي أيضًا".