غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
يقولون "الحاجة أم الاختراع"، فكيف لو كانت في ظل حرب؟ "سيكون أي حل مهما كان بسيطًا سيد الاختراعات" يقول عبد الله سلمي (35 عامًا) لـ"نوى".
عبد الله، هو شاب من قطاع غزة، كان يعمل في مركزٍ للأطراف الصناعية، قبل أن تندلع الحرب في السابع من تشرين أول/ أكتوبر الماضي، وينزح مع مئات الآلاف من الفلسطينيين سكان مدينة غزة وشمالي القطاع إلى جنوبي الوادي.
عندما طال أمد الحرب، ووجد عبد الله نفسه تحت أمرٍ واقعٍ من القصف والموت والدمار والإصابات، قرر أن ينطلق بمبادرةٍ يصفها هو بـ"البسيطة"، لكنها عظيمة للغاية في نظر أصحاب الحاجة. لقد بدأ بتجهيز أطراف صناعية بدائية، للمبتورة أطرافهم، من المواد الخام المتوفرة: المواسير البلاستيكية، وقطع الخشب والقطن فقط.
يخبرنا: "كان هدفي مساعدة الجرحى مبتوري الأطراف، وفي كل مرةٍ أرى فيها فرحة الجريح بالطرف الذي أقدمه له، أشعر بأن الله سخر نزوحي لأفعل شيئًا، وأكون سببًا في خدمة هؤلاء الناس".
بالتعاون مع شقيقه صلاح، بدأ عبد الله مبادرته. يذهب برفقته إلى الأسواق، فيبحثان عن المواسير والأخشاب، التي يجدانها بصعوبة كما يحكيان. يضيف عبد الله: "صناعة الطرف تحتاج إلى عدة أيام حسب نوعية الحالة وطبيعة البتر، فالمبتورة قدمه من تحت الركبة يحتاج يومًا إلى يومين من أجهل تجهيز الطرف الخاص به، بينما الإصابة من فوق الركبة، فتحتاج إلى عدة أيام. الموضوع معقد بعض الشيء".
صلاح (36 عامًا)، ويعمل في الأصل معالجًا وظيفيًا، هو رب أسرة لخمسة أطفال، وقد اعتقل أثناء نزوحه لمدة 46 يومًا، بقي خلالها مكبل اليدين والقدمين. "وهذا جعلني أشعر بالعجز اللا محدود. هنا سألت نفسي: كيف بمبتوري الأطراف؟" يعقب.
حين طرح عليه شقيقه الفكرة، لم يتأخر لحظة، وقرر المضي قدمًا دونما تفكير حتى، وبدأ الاثنان في تركيب النموذج الأول، بماسورة بلاستيكية، وجداها قابلة للطي والتعديل.
من هنا انطلقا، فالظروف لا تحتمل التأخير، إذ لا مركز للأطراف الصناعية جنوبي القطاع، ولا مستشفيات قادرة على استيعاب العدد الكبير من مبتوري الأطراف، الذين تنتهي علاقتها بهم بعملية البتر والمتابعة بعدها وحسب.
يحكي صلاح: "بعد بدء المبادرة بفترة بسيطة، بدأت المواسير البلاستيكية تتلاشى من الأسواق، وبصعوبةٍ نجد ضالتنا، بعد جولات مضنية في الأسواق، وعند أشخاص ذوي علاقة ببيع هذه المواد".
وأصيب الشاب محمد الدكروري، النازح من مدينة النصيرات، والأب لـ 5 أطفال، بقصف إحدى المنازل، الأمر الذي أدى إلى بتر قدمه لما فوق الركبة. يقول: "مررتُ بظروف صعبة للغاية بسبب هذه التجربة المريرة، وبدأت مشاعر العجز تتسلل إلى قلبي، نتيجة عدم قدرتي على المشي، وعدم توفر أي أدوات مساعدة، حتى أخبرني أحد أصدقائي بالمبادرة، وكانت جديدة. ذهبت إليهما، وبالفعل حصلت على طرف".
عن ذلك يتابع: "هذه محاولة عظيمة في ظل شح الموارد، الأطراف بدائية الصنع، لكنها تفي بالغرض تحت القصف والإغلاق. عبد الله وصلاح بدآ المبادرة بمصروف شخصي، وبدون دعم من أحد، وهذا بحد ذاته إنجاز".
يعتمد الدكروري على الطرف الذي صنعه الشابان له بشكل كلي، في ارتداء ملابسه، والارتكاز عليه، وإنجاز أمور حياته الشخصية، مستدركًا: "لكنني بالتأكيد أطالب بفتح المعابر، والسماح بإدخال الأطراف الصناعية الطبية لآلاف مبتوري الأطراف، الذين أخذت الحرب قوتهم، وجعلتهم بحاجة للمساندة، لا سيما في رحلات النزوح الطويلة".
يطمح الأخوين سلمي إلى تطوير المشروع، لتصبح فكرتهما مدعومة، ومنتشرة بشكل أكبر، "ويستفيد منها أغلبية مبتوري الأطراف".
يوافقه الرأي في النقطة الأخيرة، أحمد أبو شرخ (24 عامًا) النازح من منطقة السوادنية شمالي قطاع غزة، إلى مدينة دير البلح وسط القطاع، الذي أصيب قبل النزوح أمام باب بيته في قصفٍ مباغت طال مربعًا سكنيًا.
يقول: "بعد معرفتي بمبادرة الأخوين سلمي، تواصلت معهما، وبالفعل حصلت على طرف صناعي، يؤدي الغرض في ظل واقع الحرب المرير"، مطالبًا بتسهيل سفره من أجل تركيب طرفٍ بديل، لأن هذا الطرف مؤقت ولا يساعده إلا بالحركة فقط.
يطمح الأخوين سلمي إلى تطوير المشروع، لتصبح فكرتهما مدعومة، ومنتشرة بشكل أكبر، "ويستفيد منها أغلبية مبتوري الأطراف" يختمان حديثهما مع "نوى".