غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
تحمل دينا النعيزي بين ذراعيها رضيعين، أحدهما أنجبته تحت النار، ويتعلق أطفالها الآخرون بطرف عباءتها، بينما هي تجر ساقيها جرًا هربًا بهم من مكان إلى آخر في رحلة نزوحٍ قسرية بدأت في يوم إعلان "إسرائيل" الحرب على غزة، السابع من أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، ولم تنته فصولها المؤلمة بعد.
هذه الأم العشرينية أجبرت مع أسرتها وأطفالها على النزوح من منزلها في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة، "وكانت حاملًا آنذاك" نحو مدرسة تابعة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في حي النصر شمال غربي مدينة غزة، لكن بقاءها هناك لم يدم طويلًا، حيث أُجبرت بعد حصارها على النزوح نحو جنوب وادي غزة، حتى وصلت إلى مدينة دير البلح وسط القطاع سيرًا على الأقدام بأطفالها وجنينها، وسط مشاهد مرعبة من الموت والجثث والقصف والدمار.
في خيمة داخل ملعب الدرة بمدينة دير البلح تقيم دينا مع أطفالها، وسط ظروف بالغة القسوة بالنسبة لأم تعيل أطفالًا بينهم رضيعان، وقد عانت في شهور حمل الصغير بينهما من سوء التغذية، فأنجبته بوزنٍ لا يزيد على كيلوجرامين، هزيلًا ضعيفًا، "وحتى الملابس التي غطيتُ بها جسده الغض بعد مولده، كانت تبرعًا من غرباء في مستشفى العودة بمخيم النصيرات وسط القطاع" تقول لـ"نوى".
وتضيف: "نزحت من بيتي بدون شيء، وقد طالت الحرب أكثر مما توقعت (..) لي ثلاثة أطفال، وعندي طفلة أصيبت بالتبول اللا إرادي خلال الحرب، بعد أن كانت لا تعاني من أي شيء، وقد تجاوزت هذه المرحلة بكثير"، متابعةً: "الآن رضيعين، وطفلة كبيرة بحاجة لحفاضات، وهذا يزيد آثار الحرب الثقيلة على قلبي".
تتابع دينا صحيًا مع أصغر أطفالها في مستشفى البعثة الدولية المعروف باسم (المستشفى الأمريكي)؛ لعلاجه من سوء التغذية الذي يعاني منه، جراء شهور الحمل القاسية التي مرّت بها خلال الحرب، وظروف ولادته المعقدة.
وفي محطة نزوحها الحالية تفتقد هذه الأم لكل شيء تحتاجه لرعاية أطفالها، حيث لا مال لتوفير الحليب والحفاضات ومواد النظافة الشخصية، تعقب: "حتى المياه الساخنة لتعقيم الرضعات الصناعية تحتاج إلى جهدٍ كبير، يبدأ بالبحث عن الحطب، ولا ينتهي بإشعال النار".
لا تتمنى هذه الأم شيئاً سوى النجاة بأطفالها من هذه الحرب، وبالنسبة لها فإنها لا تخشى الموت بالصاروخ فقط، وإنما تخشى الأمراض التي أصابت أطفالها في "فروة الرأس" والجلد، نتيجة تدني مستوى النظافة، وانتشار الحشرات والديدان في المكان.
ولانتصار الصعيدي (29 عامًا) حكاية وجع مشابهة، حيث تقيم في خيمةٍ مجاورة لخيمة دينا، وقد ولدت أصغر أطفالها خلال الحرب بعد نزوحها من مدينة غزة إلى مدينة دير البلح. تقول: "أُعيل وزوجي أسرة مكونة من (7 أفراد)، ونعيش حياة قاسية لا تتوفر فيها أدنى المقومات وأبسط الاحتياجات اليومية".
يسير أطفال انتصار حفاة نتيجة اهتراء أحذيتهم في ظل النزوح المتكرر، ودمار الشوارع، وانقطاع البدائل، وقد أصيبوا بأمراض عدة جراء ارتفاع درجات الحرارة وعدم توفر مواد النظافة الشخصية. تقول لـ "نوى": "أستخدم لأطفالي قطعًا بالية من القماش بدلاً عن الحفاضات، بسبب ارتفاع ثمنها ووضع أسرتي المعيشي الصعب".
ورغم الحر الشديد، يرتدي أطفال انتصار حتى اليوم ملابس خريفية، لحماية أجسادهم من حرارة الشمس، حيث تحكي: "أصيبوا بتسلخات والتهابات في الجلد، ولم أتمكن من توفير العلاج اللازم لهم، وأخشى حاليًا على طفلي الرضيع من المرض لعدم قدرتي على تعقيم "عبوة الرضعة الصناعية" الخاصة به، حيث لا مياه نظيفة، ولا يوجد غاز أو حتى حطب لإشعال النار وتسخين المياه للتعقيم".
"اضطررت إلى حلق شعر طفليَّ (ولد وبنت) بشكل كامل، لحمايتهما من القمل والصئبان والأمراض الجلدية الناجمة عن قلة النظافة".
وفي مساحة أكثر سوءًا من ملعب الدرة، تجاور خيمة حنين الصعيدي وأسرتها الحمامات، إذ تعاني من روائح كريهة وتدنٍ "رهيب" في مستوى النظافة، وتقول: "أنا حامل وأعاني من سوء التغذية، إضافة إلى عدم توفر مواد النظافة الشخصية لطفليَّ (ولد وبنت)، وقد اضطررت إلى حلق شعر رأسيهما، لحمايتهما من الحشرات التي تصيب فروس الرأس نتيجة قلة النظافة".
ونزحت هذه الأم العشرينية من شمالي القطاع إلى مدينة خان يونس، ومنها إلى مدينة رفح، قبل أن تنزح للمرة الثالثة إلى مدينة دير البلح، وتختم: "أحاول قدر الإمكان منع احتكاك أطفالي بالأطفال الغرباء خشية إصابتهم بأمراض جلدية معدية، لكن مهما حاولت، يبقون أطفالًا، ويريدون اللعب، وتفريغ الكبت والخوف الذي يعيشونه تحت القصف وفي حر الخيام".