غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
محاطة بالمراجعين في قسم الاستقبال والطوارئ بمجمع ناصر الطبي بمدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، تجلس طبيبة الطوارئ الدكتورة ياسمين سويدان وأمامها "قصاصات من الورق المستخدم".
تقول لـ "نوى" بينما كانت تكتب الوصفة الطبية لمريض على الجهة البيضاء من ورقة مستخدمة: "نعاني أزمات في كل شيء، تبدأ من الورق ويمكنكم القياس على ذلك حتى الوصول للأدوية والأجهزة الطبية والوقود".
نزحت هذه الطبيبة من مدينة رفح إلى مدينة خان يونس، وعادت لمجمع ناصر مع استئناف العمل به، عشية الاجتياح البري الإسرائيلي لمدينة رفح في 6 مايو/أيار الماضي، وتخبرنا: "إن عدم توفر الورق خاصةً للروشتات الخارجية، والتحاليل الطبية، وأوراق الدخول، يمثل أزمة شديدة وعقبة أمام عمل الأطباء والطواقم الصحية في المجمع".
وللتغلب على هذه الأزمة تضطر الدكتورة ياسمين وكافة الطواقم العاملة في المجمع، إلى استخدام ورق الدفاتر الدراسية، أو ما يتوفر من أوراق مستخدمة كورق تخطيط القلب، من أجل تسيير العمل اليومي.
وتعقب: "ربما يقيم البعض المشكلة بأنها صغيرة، لكن توفر الورق في المرافق الصحية والمستشفيات، يمثل أزمة شديدة بالنسبة لأطباء الطوارئ، الذين يتعاملون بشكل يومي مع مئات أو ربما آلاف المرضى، ويحتاجون إلى توفر الورق بأنواعه لتأدية المهام الطبية اليومية".
ومن أزمة الورق حتى نفاد الوقود، يترنح مجمع ناصر الطبي، المستشفى الأكبر جنوبي القطاع، وتخشى إدارته من انهيارٍ وشيك، الأمر الذي من شأنه أن يعصف بحياة أكثر من مليون و200 ألف فلسطيني من السكان والنازحين في آنٍ معًا، لا سيما في ظل ارتفاع أعداد الشهداء والمصابين في الغارات الإسرائيلية التي لا تتوقف في مناطق جنوب القطاع.
وبعدما خرج مستشفى غزة الأوروبي عن الخدمة مطلع الشهر الجاري، نتيجة إنذارات إسرائيلية بإخلاء المناطق والبلدات الشرقية من مدينة خان يونس، وسبقته جميع مستشفيات مدينة رفح التي تتعرض لعملية إسرائيلية عسكرية برية مستمرة للشهر الثالث على التوالي، بات "ناصر" المجمع الوحيد، الذي يواجه التحديات الكبرى نتيجة تداعيات الحرب اليومية، التي لا تقوى المستشفيات الميدانية الصغيرة على مجاراتها.
وكانت قوات الاحتلال اقتحمت مجمع ناصر واحتلته لنحو أسبوعين، وعاثت فيه فسادًا وخرابًا إبان اجتياحها لمدينة خان يونس مطلع ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، واستمر لأربعة شهور، غير أن إدارة المجمع نجحت بجهود مضنية في إعادة تشغيله من جديد.
ويقول مدير المجمع الدكتور عاطف الحوت لـ "نوى": "نعمل وسط ضغوط شديدة وفي ظل ظروف معقدة، وأي انهيار للمجمع، يعني تهديد حياة آلاف الجرحى والمرضى بالخطر".
ويحتوي المجمع على 3 مستشفيات متخصصة هي: "الباطنة" و"الجراحة" و"النساء والأطفال"، ويضيف الحوت: "مجمع ناصر هو الوحيد حاليًا جنوبي القطاع، الذي يقدم خدمات غسيل الكلى والحضانة، بعد انهيار هذه الخدمات في مدينة رفح بإخلاء مستشفيَي أبو يوسف النجار والهلال الإماراتي المتخصص بالنساء والولادة".
وإضافة لذلك، فإن قسم الاستقبال والطوارئ يستقبل يوميًا زهاء 1500 حالة من الجرحى والمرضى، ويقدر الحوت نسبة إشغال المجمع حالياً بـ 100%.
وفي ظل هذا الواقع، يواجه المجمع معوقات حادة تعصف به وتهدد بانهيار خدماته الطبية، تبدأ من أزمة صغيرة مثل عدم توفر الورق الخاص بالمعاملات الطبية اليومية، مرورًا بالأدوية والمستلهكات الطبية، وصولًا لأزمة شح الوقود.
ويتهم الحوت المنظمات الدولية بأنها تنتهج "سياسة التقطير" في إمداد المجمع بالوقود اللازم لتشغيله، بحيث لا تكفي الكمية التي تقدمها سوى ليومين أو ثلاثة، ثم تبرز الأزمة من جديد.
وفي حين تضطر الدكتورة ياسمين وزملائها إلى استخدام أوراق مستعملة من أجل الحفاظ على استمرارية العمل، فإن إدارة المجمع وبحسب الدكتور الحوت تنتهج سياسة تقشفية قاسية فيما يخص الوقود، وتستخدم المولدات للإنارة وتشغيل الأجهزة الطبية الضرورية، وبدلًا من تشغيل 3 محطات توليد أكسجين، يتم تشغيل محطة واحدة فقط.
وتعمقت الأزمات الحياتية بكل قطاعاتها، لا سيما القطاع الصحي، إثر إعادة احتلال معبر رفح البري مع مصر، وإحراقه وإغلاقه كليًا منذ بدء العملية البرية في رفح، إضافة إلى القيود المشددة التي يفرضها الاحتلال على معبر كرم أبو سالم التجاري الوحيد.
ومن شأن نفاد الوقود أن يؤدي إلى انخفاض نسبة تشغيل مجمع ناصر إلى 30% فقط، ويحذر الحوت من أن ذلك قد يُفقد آلاف الجرحى والمرضى أرواحهم.
"من بين 1500 موظف في مختلف التخصصات داخل المجمع، يداوم حاليًا نحو ألف فقط، فيما البقية إما سافر خارج القطاع، أو معتقل لدى قوات الاحتلال".
ويعاني المجمع من نقصٍ في الطاقم الطبي، ووفقًا للحوت فإنه من بين 1500 موظف في مختلف التخصصات داخل المجمع، يداوم حاليًا نحو ألف فقط، فيما البقية إما سافر خارج القطاع، أو معتقل لدى قوات الاحتلال.
ولا تتوفر أرقام دقيقة عن أعداد المعتقلين من الطاقم الطبي بالمجمع، حيث اعتقل الاحتلال عددًا غير معلوم منهم على الحواجز العسكرية، فيما يقدر الحوت المعتقلين من داخل المجمع بـ 51 موظفًا، أبرزهم نائبه ومدير مستشفى الجراحة بالمجمع، الدكتور ناهض أبو طعيمة، إضافة إلى أطباء في تخصصات تفتقدها مستشفى العظام بالمجمع حاليًا.
وبرأي الحوت فإن سياسة الاستهداف الإسرائيلية بحق المستشفيات تندرج في سياقٍ مخطط وممنهج يتبعه الاحتلال، وهدفه تدمير مقومات القطاع وجعله منطقة غير قابلة للحياة ودفع سكانه للهجرة، قائلًا: "لا أمان من أن يعاود الاحتلال استهداف المجمع واقتحامه على غرار ما فعل في مجمع الشفاء بمدينة غزة".