غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
على غير هدىً، وجدت الأربعينية صفية أبو ندى نفسها في مواجهة شبح النزوح مرةً أخرى! تقول: "اتصل فينا ضابط إسرائيلي، وطلب منا إخلاء المنطقة. وأنا هيني في الشارع مش عارفة وين أروح".
تجارب نزوحٍ كثيرةٍ "مُرّة" خاضتها طوال أشهر الحرب التسعة الماضية، حتى وصلت أخيرًا إلى جورة اللوت شرقي خان يونس، ثم غادرتها على إثر اتصالات من جيش الاحتلال لسكان المنطقة تطلب منهم الإخلاء فورًا.
تضيف بحسرة: "في كل نجد أنفسنا وقد تركنا المكان الذي بدأنا نستقر فيه. نمضي إلى مكانٍ آخر مجهول، لكننا في هذه المرة بالفعل لا نعرف إلى أين نذهب".
في أحد الشوارع الجانبية بمواصي المدينة، أمضت صفية وعائلتها الليلة الأولى، "وهذه ليست المرة الأولى" تقول.
في أحد الشوارع الجانبية بمواصي المدينة، أمضت صفية وعائلتها الليلة الأولى، "وهذه ليست المرة الأولى، ففي مرات سابقة أمضينا أيضًا أوقات كثيرة في الشارع، إلى أن يقضي الله بالفرج" تقول.
وتكمل: "زوجي مسنٌ ومريض، وقد ضاقت بنا الأرض بما رحبت، أكاد لا أذكر شكل منزلي في أبراج الفيروز بمدينة غزة، الذي أصبح بكل ما فيه من تفاصيل مجرد ذكرى، تاهت ملامحها داخلنا في حرب التيه التي لا يبدو أن نهاية قريبة لها".
نزحت صفية وزوجها وأولادهما إلى مدينة حمد في خان يونس مطلع تشرين ثاني/ نوفمبر، ثم نزحوا بعد اجتياح المدينة بريًا إلى رفح، ومع إعلان دخول رفح عادت إلى خان يونس رغم ما حل فيها من دمار، لكن هذه المرة، غدوا حائرين، "أين يمكن أن يكون المستقر هذه المرة؟ أين يمكن أن ننصب لنا خيمة ولا نرحل من جديد؟".
وقد اكتظت شوارع الأحياء الشرقية في محافظة خانيونس بعشرات العربات والشاحنات التي تقل نازحين نحو وسط وغربي المدينة، وسط مخاوف من ضربات جديدة للمناطق والأحياء التي تم تحذيرها والمطالبة بإخلائها تمهيدًا لعملية جديدة فيها.
وتوقعت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين اضطرار 250 ألف فلسطيني إلى النزوح مجددًا من مدينة خانيونس، رغم عدم وجود مكان آمن في قطاع غزة المحاصر من الجهات كافة.
لم تتوقف محاولات الاتصال بصديقات ومعارف، من قبل الشابة سهام أبو عنزة، التي حاولت العثور على مكانٍ لها ولعائلتها بعد إعلان منطقة سكناها من المناطق الخطرة، المعرضة للاجتياح في أية لحظة، وفقًا لبيانات جيش الاحتلال الذي طالب سكان المناطق الشرقية في خانيونس بالنزوح غربًا.
تقول سهام: "بالكاد بدأنا نرتب أمور حياتنا بعد أن عدنا قبل ما يقارب شهر لمنزلنا رغم تعرضه لأضرار جزئية، بعد شهور قضيناها نازحين لدى أحد المعارف في محافظة رفح. كان الأمر مرهقًا بكل تفاصيله، واليوم لا نعرف أين يمكننا أن نذهب؟! حتى أننا لا نملك المال الذي تطلبه عربات النقل لتقلنا من بلدة عبسان إلى أي مكان آخر غربي شارع صلاح الدين".
وتتابع بعصبية: "من أين لنا بـ 1500 شيكل، ندفعها فقط لننتقل من شرق صلاح الدين إلى غربه؟".
قررت عائلة سهام الانتظار والبقاء في المنزل، فلا مجال لتوفير المال، ولا مكان يمكن أن تأوي إليه، بعد أن اكتظت كل الشوارع والطرقات بالنازحين من أحياء شرقي خانيونس، في محاولةٍ للنجاة مما هو قادم.
وتتضاعف معاناة المرضى وذوي الإعاقة مع التعرض للنزوح، فهم الأكثر عرضة للمخاطر الناجمة عن الظروف القاسية المصاحبة لحركة النزوح والبيئات غير الصحية وغير الموائمة في أماكن النزوح، إن وُجِدت.
تقول نعيمة محمد: "لا أعرف كيف يمكنني الخروج من بني سهيلا وأنا لا أملك خيمة ولا مال لشراء واحدة، كنا قد نزحنا سابقًا إلى رفح، حيث تقيم شقيقتي، لكن اليوم لا مكان يمكنني النزوح إليه".
وتزيد: "إذا ما فكرت في النجاة وحسب، فأنا لا أستطيع أن أوفر المال اللازم لانتقالي إلى مواصي خان يونس فأي شاحنة أو عربة كاروا تطلب مبالغ خيالية ما يجعل خروجنا شبه مستحيل".
لدة نعيمة ابنة ذات إعاقة حركية، "ولا يمكن إن فكرت بالنزوح مشيًا على الأقدام، أن أتححمل عبء حملها، أو جرها بالكرسي المتحرك المهترئ الذي تملكه" تعقب.
يجر النازحون أذيال الخيبة والألم مع ما أمكنهم اصطحابه من أثاث وأمتعة، بعد أن خرجوا قسرًا من منازلهم وقد ودعوا ذكريات، وأحلام وتفاصيل صغيرة، مكرهين نحو مجهولٍ لا يعرف غالبيتهم له وجهةً أو نهاية!
وكان الاحتلال الإسرائيلي أعلن يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي حربًا على قطاع غزة، وأجبر منذ أسبوعها الأول مئات الآلاف من العائلات الفلسطينية في مدينة غزة وشمالي القطاع على النزوح إلى جنوبه، بينما واصل حرب الإبادة وقصف المنازل فوق رؤوس ساكنيها.