غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
تمسك الشابة علا العيسوي (31 عامًا) قطعةً من البلاستيك، وتحرّكها بما يشبه المروحة لتهدئة الحكة التي أصابت جسد طفلها أمير ذو الإعاقة البصرية، الذي أصيب بمرضٍ جلديٍ نتيجة واقع النزوح الصعب.
تعيش الشابة المكنّاة أم سمير، في خيمةٍ صغيرة من القماش المهترئ، قرب مكبٍّ للنفايات شرقي مدينة النصيرات وسط قطاع غزة، إذ لم تجد العائلة مكانًا آخر تنزح إليه، فاضطرت لإقامة خيمتها هناك إلى جانب مئات العائلات النازحة من شمالي القطاع، ما عرّضهم للأمراض الجلدية والتنفسية.
وكان الاحتلال الإسرائيلي أعلن يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي حربًا على قطاع غزة، وأجبر منذ أسبوعها الأول مئات الآلاف من العائلات الفلسطينية شمالي القطاع على النزوح إلى جنوبه، بينما واصل حرب الإبادة وقصف المنازل فوق رؤوس ساكنيها.
تقول أم سمير: "أسكن أصلًا شرقي البريج وسط قطاع غزة، ولمّا تم اجتياح المنطقة، نزحتُ لعدة مناطق حتى وصلت إلى هنا قبل ثلاثة شهور".
لدى علا أربعة أطفال (سمير- جوري-جنّة- أمير)، ويعاني أمير وجوري أمراضًا جلدية، وبقعًا حمراء تشبه الجدري بسبب وجودهم قرب مكبّ النفايات، كما يعاني زوج علا من إصابةٍ خطرة تعرّض لها حين عاد للاطمئنان على بيته في البريج وهو بحاجة لعملية جراحية.
تقول علا التي تعيش حالةً صعبةً من القلق عليهم جميعًا: "وحدي أتابع ظروف أطفالي، نقلتهم للعيادة ولكن لا تتوفر أدوية، نصحوني باللجوء للعلاج الشعبي"، مستدركًة بيأس: "لكنني لست قادرة على فعل شيء من أجلهم. أنا لا أملك المال، حتى الملابس المتوفرة هي شتوية، وقد وفرناها كتبرعات من مواطنين".
ويعاني أطفال علا نفسيًا نتيجة واقع النزوح الذي يعيشونه وغياب والدهم، وتزيد حالة الاختناق الناتجة عن وجودهم قرب المكب حالتهم سوءًا.
السيدة لينا العراقي (28 عامًا) نازحة أخرى من حي الزيتون شرقي مدينة غزة، لجأت لإقامة خيمتها بعد جولة نزوح إلى عدّة مناطق، تخلّلها اعتقال قوات الاحتلال لزوجها الذي تعرّض للتعذيب في سجون الاحتلال، وتم الإفراج عنه في رفح ما اضطرها للنزوح إلى جنوبي القطاع.
"لديّ أربعة أبناء، ثلاثة منهم يعانون من مشاكل صحية، تفاقمت بسبب وجودنا قرب مكبّ النفايات".
تقول: "نزحت إلى هنا منذ ثلاثة شهور، لديّ أربعة أبناء (جود- بيسان – جوان -حسن) ثلاثة منهم يعانون من مشاكل صحية تفاقمت بسبب وجودنا قرب مكبّ النفايات".
تشير إلى طفلها حسن البالغ من العمر 6 أشهر، وتتابع: "وُلد حسن في الحرب وهو يعاني من مشاكل تنفسية تتفاقم بسبب وجود المكب، أما بيان فلديها تضخم في عضلة القلب، وجوان تعاني من تشنجات، وضعهما أصبح أسوأ بسبب الرائحة التي تنتج عن المكب، وتعرضهما لضيق التنفس".
إضافة لذلك يعاني أطفال لينا من البعوض والحشرات، خاصة أن المكان يفتقر للظروف الصحية، إذ لا تتوفر المراحيض، ما دفعهم لوضع دلو داخل الخيمة من أجل قضاء حاجتهم.
وتعيش جارتها آية طوطح ظروفًا معيشيةً صعبة، فهي شابة نازحة من حي الزيتون شرقي مدينة غزة، ولديها طفلان، وحامل بطفلها الثالث، وتعاني بشدّة بسبب قرب خيمتها من مكبّ النفايات.
تقول آية: "هذا هو النزوح السادس لي منذ خرجتُ من غزة في أكتوبر/ تشرين الأول 2023م، إلى النصيرات، فالبريج، ثم إلى خانيونس ثم رفح، وعدت مجددًا إلى النصيرات. لم يعد لدينا ما يكفي من مال، فكل عملية نقل تكلف زوجي الكثير من المال، آخرها حين نزحنا من رفح إلى هناك حيث دفع 1500 شيكلًا (أي نحو 430$)".
وتعقب بحسرة: "لدي طفلان، بسبب الفقر تركت أحدهما عند جدته لتتكفل بطعامه وشرابه".
وعن حياتها في الخيمة قرب المكبّ، تروي: "المكبّ يتسبب بوجود البعوض طوال النهار، ويجذب حشرات غريبة، كما أنه مرتع للكلاب والقطط الضالة، التي سبب تواجدها لنا هنا الذعر، ناهيكم عن ما أصابنا من أمراض جلدية، وتنفسية لا سيما حينما يتم إحراق النفايات بشكلٍ دوري هنا".
كل ما تطلبه السيدة اليوم، إزالة المكب، لتنعم على الأقل بنزوحٍ معقول، في ظل الوضع "اللا مفهوم" في قطاع غزة.
ويعاني النازحون في المخيمات التي أنشئت وسط وجنوبي قطاع غزة، من انتشار ظاهرة المكبّات العشوائية، وفي ظل تواصل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، تبدو البلديات غير قادرة على متابعة هذه المشكلات التي أنتجت واقعًا بيئيًا صعبًا.
يقول المهندس علي الهباش رئيس قسم الصحة في بلدية النصيرات: "اكتظاظ السكان في المناطق القريبة من المكبات العشوائية نتج عنه العديد من المشكلات البيئية، منها انبعاث الروائح الكريهة وتكاثر الحشرات والقوارض، وانتشار الأمراض والأوبئة في المناطق القريبة من هذه المكبات".
"بلدية النصيرات عملت على ترحيل العديد من المكبّات إلى المكب الرئيسي في منطقة أرض المصدر.. ما يعادل 5000 طن كانت متجمعة في محيط الخيام"
وأوضح أن بلدية النصيرات عملت على ترحيل العديد من المكبّات إلى المكب الرئيسي في منطقة أرض المصدر، حيث قامت بترحيل نحو 100 نقلة، أي ما يعادل 5000 طن من النفايات التي كانت متجمعة في محيط خيام النازحين، وينبعث منها روائح كريهة بسبب الحرب، وتؤثر صحيًا عليهم.
لكنه عزا عدم قدرة البلدية على المتابعة إلى عدم القدرة على الوصول إلى المكب الرئيس خارج نفوذ بلدية النصيرات، الواقع شرقي مدينة خان يونس، ذلك بسبب استمرار الحرب على القطاع وصعوبة الحصول على السولار، التي تسهّل عمل الآليات، وهذا أدى الى تراكم النفايات في الشوارع والمكبّات العشوائية.
وقال: "تتواصل البلدية بشكلٍ مستمر مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، من أجل تخفيف معاناة الواقع البيئي الذي يعيشه النازحون، لكن النتائج ضعيفة، فلا يوجد سولار في قطاع غزة أصلًا".
وجّه الهباش رسالةً إلى المؤسسات الدولية، للوقوف مع البلديات، وإنقاذ الواقع البيئي المتدهور بسبب تراكم النفايات ومياه الصرف الصحي.
ووجّه الهباش رسالةً إلى المؤسسات الدولية، للوقوف مع البلديات، وإنقاذ الواقع البيئي المتدهور بسبب تراكم النفايات ومياه الصرف الصحي، والحد من انتشار الأوبئة بين خيام النازحين وخاصة في المناطق القريبة من المكبات.