غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
لا تصدق "غدير" التي اكتفت بذكر اسمها الأول، أنها وبعد تسعة أشهرٍ من الحرب، والنزوح الصعب من مخيمٍ إلى آخر، ستعيش أيامًا أخف وطأة، بعد افتتاح مخيم "بسمة أمل" المخصص لإيواء الأشخاص ذوي الإعاقة.
تقول لـ"نوى": "الفكرة نفسها مختلفة. هذا الشعب جبل المحامل، الناس فيه لا يدخرون جهدًا للتفكير بالحلول التي يمكنهم معها الاستمرار في حياةٍ ظلمتهم كثيرًا".
نزحت غدير من مخيم جباليا، شمالي قطاع غزة، في الثالث عشر من أكتوبر الماضي، بعد تهديدات الاحتلال المباشرة، ومطالبته أهالي مدينة غزة وشمال القطاع بالمغادرة إلى جنوب الوادي. على كرسيها المتحرك، كان الانتقال صعبًا للغاية، وسط أسرةٍ يعاني فيها شقيقين آخرين ضمور العضلات، والتأخر الذهني.
"كان المطر ينهمر فوق رأسي وأنا نائمة، ولطالما حاولت إصلاح عجلات الكرسي الذي أتلفه المشي في الوحل بين خيام النازحين"
تضيف: "نزحنا بدايةً نحو رفح، وفي خيمةٍ صغيرة، صنعها أبي من النايلون والقماش عشتُ الأمرّين. كان مطر الشتاء ينهمر فوق رأسي وأنا نائمة، فلا أستطيع الحراك من مكاني لأنني مقعدة، ولطالما حاولت إصلاح عجلات الكرسي الذي كان من الصعب جدًا أن يمشي بسلاسةٍ في وحل الشتاء القارس".
حتى بعدما عاد الصيف، رمل المخيم لا يساعد على المشي أصلًا، ناهيكم عن انعدام المتابعة الصحية، والغذائية التي عانت منها الفتاة (20 عامًا) كثيرًا، طوال أيام وأشهر النزوح.
وحتى عن الوضع النفسي، فقد كانت الشابة تتابع وضعها النفسي الذي لم يكن مستقرًا لدى طبيبٍ نفسي مختص، في إحدى عيادات "انروا" قبيل الحرب. تزيد: "كان وضعي يتحسن، ففي ظل إعاقتي، كان يراودني شعور بالعجز، وبدأت أدخل في حالة اكتئاب شديدة، لكن مع المتابعة تحسنت، وصار عندي دافع للبدء بمشروع منزلي صغير"، مستدركةً بحسرة: "لكن جاءت الحرب وأتلفت كل شيء. حتى الرعاية النفسية لم تعد موجودة".
ويشكو محمد، وهو من ذوي الإعاقة الحركية، ويعاني أيضًا ضعفًا شديدًا في النظر، عدم موائمة مخيمات النزوح، للأشخاص ذوي الإعاقة.
يقول: "آمل أن يغير مخيم بسمة أمل، ويجوّد حياتنا التي نعيشها نحن ذوي الإعاقة في الخيام ومراكز النزوح".
تسببت حياة الخيام لمحمد (النازح من مدينة غزة) بمشكلات متفاقمة في الجلد، والتقرحات الشديدة في المقعدة، ناهيكم عن الحشرات التي تلدغه وتمشي على قدميه بينما هو لا يستطيع رؤيتها، أو تحديد ماهيتها، أضف إلى ذلك أزمة طابور الحمام، التي حين تم حلها، صارت عبارة عن حفر في خيام مفصولة!
يستدرك: "حتى الكرسي المتحرك، يمشي بصعوبة فوق الرمل الجاف، ومن يساعدني في دفعه يتكبد عناءً كبيرًا، فالعجلات من الصعب أن تمشي على الأرض الرملية الجافة، الساخنة جدًا تحت شمس الصيف".
"حياة الخيام تسببت لي بتقرحات شديدة في المقعدة، ناهيكم عن الحشرات والكلاب الضالة، والاحتياجات المختلفة لرجل مقعد وشبه ضرير"
يروي موقفًا حدث معه مرة في خيمته بمنطقة المغازي، حيث استيقظ يومًا، وعندما حرك يده نحو أحد الجوانب، شعر بجسدٍ ساخنٍ لحيوانٍ ينام قربه، لكنه لم يستطع رؤيته، فإذا به كلبٌ ضال، وجد في خيمته مأمنًا.
يعقب: "كان الوضع مرعبًا، أنا أصلًا أخشى الكلاب، ولما نبح في وجهي كاد قلبي يتوقف خوفًا، فأنا لا أستطيع الحركة، ولولا أن استيقظ أخي وأخرجه، لا أدري ماذا كان سيحصل منه، فأنا لا أستطيع تحديد حركة الكائنات أمامي بسبب ضعف نظري الشديد. أراها أشباحًا فقط". ويأمل محمد أن يساعد افتتاح المخيم للأشخاص ذوي الإعاقة على تجويد حياتهم في ظل المأساة التي يعيشها الشعب في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي.
وافتتحت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، مخيم "بسمة أمل" للأشخاص ذوي الإعاقة، في محافظة دير البلح، وسط قطاع غزة، بالتعاون مع كلٍ من جمعية الإغاثة الزراعية، ومؤسسة "أطفالنا" للصم.
وشارك في الافتتاح، عدد من مدراء الدوائر التابعة للجمعية، وعلى رأسهم الدكتور حيدر القدرة، المدير التنفيذي للجمعية في المحافظات الجنوبية.
وقال القدرة بعد جولةٍ قام بها في المخيم، استمع خلالها عن كثب لعدد من العائلات هناك: "هذا المخيم سيحتضن 100 عائلة من ذوي/ات الإعاقات المختلفة، وسيوفر كافة الاحتياجات المتعلقة بنوعية الإعاقة للمقيمين فيه".
ووفقًا للقدرة، سيشرف فريقٌ متخصص تابع للجمعية على تقديم برامج الإغاثة، والرعاية الصحية، والتأهيل، والدعم النفسي لجميع العائلات في المخيم.
وتجدر الإشارة إلى أن تنظيم مخيم الإيواء هذا، وهو الأول من نوعه المخصص لذوي الإعاقة، يأتي في إطار التعاون والتنسيق المشترك للجمعية، مع الهيئات المختلفة، لتقديم يد العون للأشخاص ذوو الهمم، وتعزيز صمودهم، والتخفيف من معاناتهم، لا سيما في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.