شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الاثنين 28 ابريل 2025م12:55 بتوقيت القدس

تدميرٌ واقتحامات لتصفية حق "العودة"..

مخيمات شمالي الضفة.. أوتاد "الخيمة الأخيرة"!

10 يونيو 2024 - 16:14

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

"40 عامًا ونحنُ نعمِّر في هذا البيت. هذا شقاءُ عمرِنا، هُدِم بلمحِ البَصَر"، قالَتْها أم يوسف شحادة وأجهشت بالبكاء.

هدم الاحتلال بيت "أم يوسف" في السابع عشر من كانون الثاني/ يناير، للعام الجاري، خلال اقتحام مخيم نور شمس داخل مدينة طولكرم شمالي الضفة الغربية، بعد محاولاتٍ عديدة لتخريب محتوياته بإطلاق الرصاص والقنابل عليه وعلى مَن فيه، حتى حان وقت هدمه تمامًا بالجرافة.

شوارع مخيم "نور شمس" الضيقة كانت عصيةً على دخول معدّات الاحتلال الثقيلة، خلال اقتحاماته المتكررة، فقرر هدم منزل "أم يوسف" و5 منازل أخرى، حتى يستطيع اقتحام المخيم وحاراته دون "عوائق".

منزل "أم يوسف" المكوّن من 3 طوابق هُدم دون سابق إنذار، ولحسن "حظ "سكانه أنهم لم يكونوا وقتها فيه، لكنهم لم يتمكنوا من إنقاذ أغراضهم، وحتى ذكرياتهم من البيت الذي أضحى ركامًا.

استأجرت "أم يوسف" وعائلتها بيتًا لمدة 3 أشهر خارج المخيم على أمل العودة القريبة، وإعادة إعمار البيت، لكن لا أفق للإعمار بعد، وتقول: "انقضت ثلاثة أشهر، ولم نعرف بعد إلى أين نذهب؟ ومتى سنرجِع؟".

يتخذ الاحتلال جمعية "نور شمس" لتأهيل ذوي الإعاقة نقطة عسكرية لتمركزه مع كل اقتحام للمخيم.

"كل مكانٍ بمخيم طولكرم هو هدفٌ للاحتلال، بما في ذلك جمعية "نور شمس" لتأهيل ذوي الإعاقة، التي تقول رئيستها نهاية الجندي لـ"نوى": "إن جيش الاحتلال يتخذها مع كل اقتحام، نقطةً عسكريةً لتمركزه وإطلاق الرصاص والقنابل على المنازل ومن فيها".

وبرغم أن الجمعية تقع على مدخل المخيم، إلا أن "نهاية" ترجّحُ أن الهدف هو ضرب المؤسسات في المخيم، أكثر من كون الموقع استراتيجيًا بالنسبة للجيش.

تعرضت جمعية "نور شمس" لأضرارٍ مع كل اقتحامٍ للمخيم، وفي كل مرة كانت نهاية تعود وتصلح ما عاث به الاحتلال فسادًا، لكن المرات الأخيرة شهدت تخريبًا كليًا لكافة الممتلكات، بما في ذلك غرفة الألعاب الحسية للأطفال ذوي الإعاقة، وغرف العلاج الطبيعي، والأجهزة المساعِدة، والأبواب، والنوافذ، حتى أنها اضطُرت لإغلاق الأبواب بالأسلاك حتى إعداد هذا التقرير.

تقدم الجمعية خدماتها التأهيلية والمجتمعية لسكان المخيم، وكل القرى والبلدات المحيطة والقريبة، وتقدم خدمة يومية لأكثر من 35 طفلًا، لكنها اليوم لن تستطيع تقديم هذه الخدمات.

وتُقدر المصادر المحلية في المخيم، أن الاحتلال دمر 72 منزلًا بشكلٍ كلي، ونحو 1000 منزل تضرر بشكل جزئي، عددٌ منها غير صالح للسكن، وقد تم إخلاء سكانها، أما البنى التحتية والفوقية للمخيم، فهي مدمرة تمامًا، لا سيما فيما يتعلق بشبكات الصرف الصحي والمياه والشوارع، ولعلَّ أبرز مآسي السكان في المنطقة تتعلق بالشارع الرئيس، الذي يربط طولكرم بقراها وبلداتها، ويمر عبر المخيم الذي حفره الاحتلال، حتى أصبحت السيارات لا ترى بعضها من الغبار، وهو ما يؤثر بشكل أساسي على سكان المخيم وعلى صحتهم تحديدًا.

ودمّر الاحتلال العديد من المؤسسات الصحية والمجتمعية في المخيم، ومنها روضة الأطفال الوحيدة التي تقدم خدماتها بالمجان.

"الوضع الأمني غير واضح، لذلك لا خطة لإعادة إعمار المخيم"، كان هذا رد الجهات الرسمية والحكومية، مضافًا إليها رد "اونروا" على مطالب المواطنين واستفساراتهم، حول موعد عودتهم لبيوتهم المدمرة بحسب ما أكدته نهاية الجندي.

الحال لا يفرق كثيرًا في مخيم طولكرم وسط المدينة، وهو ثاني أكبر مخيم بالضفة الغربية، حتى أن أحد سكانه وصف الوضع بقوله "هو النموذج المصغر لحرب الإبادة في قطاع غزة".

فلم يكتفِ الاحتلال بقتل الشهيد سامر الشافعي في مايو/ أيار لعام 2023م فحسب، بل لا يزال يلاحق والدته ابتسام الشيخ علي في منزلها حتى اضطرها لمغادرته مرغمة، فالاحتلال قتل نجلها الوحيد من الذكور، وبناتها متزوجات، وهي لا تقوى على مواجهة الاقتحامات المتكررة لمنزلها وحدها، ولا التخريب الذي يطاله كل مرة تحت تهديد السلاح "لدرجة أنه كان يخلط أصناف الطعام ببعضها حتى تصبح غير صالحة للأكل".

وفي حكايةٍ أخرى للمواطنة سماح شحادة من مخيم طولكرم، التي ربّت ابنها لوحدها بعد أَسر والده مدة 15 عامًا، فقد انتظرته حتى تحرر، وبنيا سويًا منزلًا صغيرًا يؤويهما وابنيهما، فدمره الاحتلال بالكامل، قبل أن يقتل ابنها جهاد في تشرين الثاني من عام 2023م.

لم يكتفِ الاحتلال بذلك، بل عاد وأحرق ما تبقى من حطام منزلها بعد استشهاد جهاد، فمنحتهم وكالة "أونروا" مبلغًا يغطي إيجار منزلٍ مدة 3 أشهر فقط، ومنحها الأمن الوطني مبلغ 400 شيقل. تتساءل: "هذا المبلغ تعويض عن ماذا؟!".

وبحسب المصادر المحلية، فقد سوّى الاحتلال 62 منزلًا بالأرض في مخيم طولكرم، وهدم 240 منزلًا بشكلٍ جزئي، أما الشوارع فقد قُلبت رأسًا على عقب، والبنية التحتية دُمرت بشكلٍ كلي.

لكن السكان بالمخيم يدركون أن ما يفعله الاحتلال هو سعيٌ "لإلغاء الحاضنة الشعبية للمقاومة في المخيم"، وفي هذا السياق يقول حسن الشيخ علي أحد الناشطين بالمخيم: "لا أحد يتقبل هدم منزله، لكن الصبر هو الحل كما هو الحال في قطاع غزة".

ويؤكد الشيخ علي أن الاحتلال يتعمد هدم وتدمير المؤسسات في المخيم، فقد دمر جمعية وادي الحوارث الخيرية -التي يترأسها- بشكلٍ كلي، رغم تقديمها خدمات مجتمعية للمواطنين، كما دمر مبنى مكونًا من ٣ طوابق لنادي شباب مخيم طولكرم، والعديد من المؤسسات.

يحاول الاحتلال دومًا أن يجعل من المخيم بيئةً طاردة للسكان، وسواء قبلنا أو لم نقبل فإن هذه المحاولات قد تنجح في بعض الأحيان، بل إنها بدأت فعليًا بتهجير سكان المخيم إلى الخارج.

وفي هذا السياق يقول الباحث المقدسي في العلوم الاجتماعية خالد عودة الله: "يتبع الاحتلال استراتيجية حسم مَواطِن الصراع الكبرى التي أبرزها عودة اللاجئين، واستهداف المخيم هو استهدافٌ لفكرة العودة، وما يقوم به في هذه الفترة هو إجراءات عملية لتحقيق ذلك"، مضيفًا: "هو بذلك يتجاوز ردة الفعل على أعمال المقاومة، سواءً بالضفة الغربية وقطاع غزة، ضمن استراتيجية معلنة بتصفية المخيمات، وتحويلها لمكانٍ لا يمكن العيش فيه".

وحذر عودة الله من غياب الوعي -ليس على المستوى الرسمي فحسب- وإنما على مستوى المجتمعي، بأبعاد الاستهداف الحربي العسكري بأعلى درجاته للمخيمات في شمالي الضفة الغربية تحديدًا، وتحويل عمليات القتل والاقتحام إلى عمليات روتينية، عبر القصف الجوي، واستهدافه بآليات عسكرية ثقيلة؛ لمحاولة محو المخيم.

ويشدد عودة الله على أهمية الجهد الإعلامي في تسمية الأمور بمسمياتها، وضرورة تسليط الضوء على أنه مقابل هذا الصمود لسكان المخيم، فإن مواطنين يضطرون للنزوح والهجرة خارج المخيم نتيجة ارتفاع مستوى انتهاكات الاحتلال، داعيًا لضرورة تحويل القضية للرأي العام، والعمل على بناء شبكات دعمٍ وإسنادٍ شعبيٍ للمخيمات، ولكل المناطق التي تتعرض لمستوى غير مسبوق من انتهاكات الاحتلال، وتشكيل حاضنة شعبية لها من خارج المخيمات.

كاريكاتـــــير