شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الاثنين 28 ابريل 2025م11:08 بتوقيت القدس

عن ورقة حقائق لـ"أمان"..

كمائن الطحين.. "خطة" التجويع والفوضى!

28 مايو 2024 - 17:56

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

حتى كتابة هذا المقال، فلا ضمانات أو أي مساحة أمان لأني يبقى الناجي ناجيًا، أو الجريج على قيد الحياة، ولا مكان آمن في سماء قطاع غزة، لذلك كل ما نقوله مشروط بفعل الزمن وحرب الإبادة المستمرة في غزة، وقد يتغير المشهد ليكون موتًا جماعيًا وقد يكون كامتصاص الدماء من عروق الأحياء.

كم مرةً شهدنا مجازر إسرائيلية على الهواء مباشرة لمواطنين تجمعوا قرب دوار الكويتي في غزة، ضمن محاولاتهم لسد رمقهم والحصول على كيس طحين يقيهم جوعًا يبطش بهم؟ وكم من أب أو أم خرجوا ركضًا للحصول على حفنةٍ من الطحين لينقذوا أطفالهم وأولادهم من تجويعٍ مستمرٍ ومتواصل، بينما غراب الموت يحوم حولهم في كل صوب واتجاه؟ كم مرةً شهدنا الطحين المتناثر على الأرض وقد غطت الدماء بياضه الناصع بالحقيقة؟ وكم من بريءٍ لم يحمه كيس الطحين من الموت بعد أن ذاق فرحة الحصول عليه؟

تساءل الكثيرون في شمال غزة "يا أهل الأرض أفيدونا هل يمكننا أكل القطط؟ أكلنا الشعير وطحنا الذرة، وبدلًا من أن نطعم الدواب أصبحنا نراها وجبة طعام تقينا الموت جوعًا. يا أهل الأرض أفتونا في عيشنا الضنك فقد بتنا نقع أرضًا ولا نقوى على فعل شيء من الهزال والشحوب الذي أصابنا فهل أنتم تسمعون؟ وهل أنتم تفقهون أننا أكلنا حشائش الأرض؟

أصبحت أرض غزة جرداء وكأننا في صحراء لا يوقظنا إلا صوت الانفجارات، ولا يجعلنا نشعر أننا على قيد الحياة إلا انهيار البيت فوق رؤوسنا بفعل الانفجارات المتتالية من الطائرات الحربية الإسرائيلية، لينقذنا الله بطريقةٍ لا نعرفها، ويمنع تناثر دمائنا.

روايات ومشاهد مريرة عاشها أهلنا في غزة وشمال غزة، لكن هناك رواية أخرى للعاملين في قوافل المساعدات الإنسانية الذين ينتمون للعمل الإنساني، ويرغبون في إنقاذ حياة من يتضورون جوعًا، فقد قُتل منهم الكثيرون إذ ارتقى منهم 55 شهيدًا وأكثر من 312 مصابًا من العاملين والعاملات بالدفاع المدني والهلال الأحمر والطواقم الشرطية أثناء قيامهم بتوزيع وتنظيم وتأمين المساعدات الإغاثية.

مع ذلك لا يمكن معرفة العدد الحقيقي لضحايا الهجمات على العاملين والعاملات الذين أصيبوا أو قتلوا، لأنّ العديد منهم كانوا متطوعين مجتمعيّين بعد أن تخلت العديد من المؤسسات الدولية عن واجبها الإنساني في تأمين وصول المساعدات الإغاثية، نتيجة خضوعها لتهديدات الاحتلال.

يقول أحد المنسقين الميدانيين في غزة ممن يسيرون ضمن قوافل المساعدات الإنسانية في شهادته: "بعد أن يقوم الاحتلال بتفتيش الشاحنات، يأمرنا دون سابق إنذار بالمرور عبر شارع الرشيد أو شارع صلاح الدين، ولأنّ الاحتلال يدمر كل يوم هذه الشوارع بالجرافات أو من خلال بناء السواتر الرملية، أو بإلقاء القذائف والقنابل الكبيرة، لا نستطيع العبور إلا بضعة أمتار عند دوار النابلسي أو دوار الكويت. أيضًا يستهدف الاحتلال أي محاولةٍ لإصلاحها، ويطلب منا أثناء العبور بالتوقف إما عند دوار النابلسي أو دوار الـ 17 أو دوار الكويت".

ويكمل: "لا توجد أي جهة تنسيق لاستلام تلك المساعدات، والشيء الخطير في الموضوع أنّ الطائرات بدون طيار (كواد كابتر) والدبابات التابعة للاحتلال تتقدم أثناء عبورنا لتلك المناطق، وتقوم بإطلاق النار على الناس المتجمعين لاستلام المساعدات، وغالبًا ما يسقط العشرات من الشهداء والجرحى".

في إحدى المرات، هدد الاحتلال ثلاثة سائقين، وأجبرهم على العبور من شارع الرشيد بسرعة كبيرة وعدم التوقف، وهو ما أدى لدهس من لم يتمكن من الابتعاد.

ويضيف: "في إحدى المرات، قام الاحتلال بتهديد ثلاثة من الزملاء السائقين، وإجبارهم على العبور من شارع الرشيد بسرعة كبيرة وعدم التوقف وإلا سيتم قصف الشاحنات، وهو ما أدى لدهس بعض الناس الذين لم يتمكّنوا من الابتعاد عن طريق الشاحنات. علمًا أنه ليس لدينا أي جهة نتوجه إليها لتسليم مواد الإغاثة، بل على العكس، تم استهداف كل الجهات التي حاولت التنسيق معنا لاستلام المساعدات، سواءً من الشرطة، أو من متطوعي جمعيات الهلال الأحمر أو الهيئات المدنية".

ويشير سائق ومنسق عبور شاحنات المساعدات الإغاثية القادمة من معبر رفح إلى محافظتي غزة والشمال، إلى عمليات الاستهداف الممنهج والمتعمد لقوافل المساعدات الإغاثية، حيث يؤكد أنه من بين كل 10 قوافل إغاثية يتم استهداف 7 على الأقل.

ويقول: "نحن نعمل في وضعٍ خطيرٍ للغاية. العديد من زملائنا استشهدوا أو أُصيبوا أثناء عبور القوافل، حيث تقوم طائرات بدون طيار (الكواد كابتر) بإطلاق النار بالقرب منا، وأحيانًا تقصف الدبابات أو الطائرات الحربية الشاحنات بشكلٍ مباشر كما حدث في دير البلح وسط قطاع غزة في الثاني من شباط/ فبراير الماضي، أو بقصف تجمعات الناس بالقرب من الشاحنات"، متابعًا: "كما أننا نتعرض للإصابة أو للقتل كما حدث في مرات عديدة، فبعد أن ننتظر لساعات طويلة عند حاجز البيدر في شارع الرشيد، وعند عبورنا الحاجز، يطلق الاحتلال النار على الناس الذين ينتظرون المساعدات الإغاثية، حيث نصبح جميعنا في مرمى إطلاق النار".

سائق آخر يقول: "الشاحنات التي تنقل المساعدات تخضع لتفتيشٍ دقيق وعراقيل وقيود وفرض سيطرة قبل وأثناء سيرها في الطريق المخصص لها، كذلك يتعمّد الاحتلال استهدافها"، مضيفًا: "لقد عانيت من الهستيريا والقلق الشديد لأيامٍ طويلة إثر الأحداث الصادمة بعد ليلة ١٧/١/٢٠٢٤م، حيث تم استهدافنا أثناء نقل وتفريغ المواد الغذائية والطحين إلى شمال القطاع".

ويصف المشهد بالقول: "يجبرنا جيش الاحتلال على الدوران حول مشارف وسط قطاع غزة بالقرب من منطقة (جحر الديك) وصولًا إلى دوار الكويت بالقرب من مدينة غزة، لمسافة طويلة تصل الى ٣٢ كيلو مترًا، ما يؤخر عملية إيصالنا لتلك المساعدات في ضوء شح الوقود، وهذا يُعرّض تلك الشاحنات لعمليات النهب من خلال مجموعاتٍ محليةٍ مسلحة".

نشر الفوضى "المتعمد"

أكثر من نصف عامٍ مضت على حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة، وما زال جحيم الموت يخيّم على السكان. وما زال الاحتلال الإسرائيلي يسعى إلى خلق واقعٍ اجتماعيٍ مُنفلتٍ يخدمه في تمرير مخططاته السياسية، ذلك عبر استهداف الأطر الرسمية والشعبية التي تؤدي أدوارًا ذات أهميةٍ كبرى في إغاثة المواطنين، وإدارة وتنظيم عمليات ايصال المساعدات وتوزيعها، وتحقيق النزاهة والعدالة والكفاءة في إدارة هذه الملفات، الأمر الذي من شأنه أن يُعزّز صمود الناس على الأرض، ويحبط محاولات الاحتلال الرامية لتدفيع المواطنين ثمنًا باهظًا على صمودهم وصبرهم.

من خلال الاستهداف المتكرر والمنهجي، فإن الاحتلال يسعى إلى صناعة الفوضى، والتشكيك بقدرات اللجان والهيئات والأجهزة على السيطرة وإدارة المساعدات.

ومن خلال الاستهداف المتكرر والمنهجي، فإن الاحتلال يسعى إلى صناعة الفوضى، والتشكيك بقدرات تلك اللجان والهيئات أو الأجهزة، على السيطرة وإدارة المساعدات، وتقديم استجابة إنسانية لاحتياجات الأهالي تحديدًا في شمال القطاع.

انتهاكات ومخالفات جسيمة

ويستمر الاحتلال الإسرائيلي في جرائمه المروعة، والإبادة الجماعية، وتجويع السكان، وتدمير مقومات الحياة في غزة، بل ويمعن بارتكاب مخالفاتٍ جسيمةٍ للقانون الدولي الإنساني، الذي يعدُّ حماية العاملين الإداريين والشرطة المدنية المكلّفة بحفظ النظام والأمن، وتوصيل الإمدادات الأساسية، مسألةً أساسية، ويخالف المبادئ التي نصّت على احترام وحماية العاملين المدنيين والعاملين في مجال الغوث الإنساني بمن فيهم الشرطة المدنية، التي لا يشارك أفرادها في القتال ويقومون بأعمال مدنية وإغاثية.

وينتهك الاحتلال اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949م، والبروتوكولين الإضافيين لعام 1977م، اللذان يحددان حقوق المدنيين أثناء النزاع المسلّح، بما في ذلك العاملين الإداريين ورجال الشرطة المدنية، التي تنص على حمايتهم واتباع مبدأ الاستهداف التمييزي في الهجمات المباشرة وغير المباشرة، وتمكينهم من القيام بمهامهم بأمان ودون تعريضهم للخطر.

وقد خالف الاحتلال المادة 51 (2) من البروتوكول الأول الإضافي لمعاهدات جنيف "بقيامه بأفعال تهدف لإرهاب المواطنين المدنيين"، حيث نَشَرَ الرعب عن طرق القصف المستمر، وتدمير واستهداف أركان حماية النظام والقانون، مما أدى لانهيار النظام المدني، وانتشار الرعب والفوضى وسط السكان. [1]

_____________________________________________________________________________________________

[1] عن ورقة حقائق أعدها الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان) بالتعاون مع مركز بيسان للبحوث والإنماء بتاريخ 8 أبريل 2024

 https://www.aman-palestine.org/activities/24414.html

كاريكاتـــــير