شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الاحد 06 اكتوبر 2024م15:59 بتوقيت القدس

مبادرات فردية وإقبال كبير..

غزة.. "تعليم" تحت النار!

11 مايو 2024 - 17:24

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

داخل خيمة في مدينة رفح قرب الحدود المصرية جنوبي قطاع غزة، تستقبل المعلمة صابرين أبو شعيبة منذ ثلاثة أشهر أطفال النازحين في الخيام المجاورة.

تراجع صابرين مع الأطفال من مختلف الأعمار، دروس الحساب والإنجليزية والعربية، في محاولةٍ لمساعدتهم على استكمال مشوارهم التعليمي، في ظل استمرار حرب الإبادة التي تشنُّها دولة الاحتلال على قطاع غزة منذ السابع من تشرين أول/ أكتوبر من العام 2023م.

تشبه الصور المُلتقطة للمعلمة صابرين وهي تدرّس الأطفال في الخيمة، صورًا كثيرةً في أرشيف النكبة عام 1948م.

بدأت فكرة "الكُتّاب" تكبر في مخيم النازحين الذي تعيش فيه صابرين، عندما حوّلت خيمتها الصغيرة، التي تسكنها وعائلتها إلى صفٍّ لتلقي العلم منذ الصباح حتى ما بعد الظهيرة، وصار لها مكانٌ في قلوب الأهالي الذين صاروا يدفعون أبناءهم للالتحاق بالصفوف التعليمية، خشية ضياع العام الدراسي عليهم، "فالكل يأمل بانتهاء الحرب، واستدراك العام من قبل وزارة التربية والتعليم" تحكي إحدى الأمهات.

تشبه الصور المُلتقطة للمعلمة صابرين وهي تدرّس الأطفال في الخيمة، صورًا كثيرةً يمكن أن يتعثر بها الباحث في أرشيف النكبة عام 1948م، مما يجذّر من جديد لفكرة المقاومة بالعلم والتعلُّم، والصمود على الأرض بصقل وتنمية العقول.

تقول صابرين لـ"نوى": "أحاول التخفيف من توتر الصغار وضغوطهم النفسية، عبر الاجتماع معهم في هذه الخيمة، ومراجعة بعض الدروس. وترك المجال لهم ليبدعوا ويعبروا عن أنفسهم".

تعرضت 408 مدارس للقصف والتخريب منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، في حين استُشهد 6050 طالبًا وطالبة في مختلف مناطق القطاع.

ووفقًا لإحصائيات وزارة التربية والتعليم، فقد تعرضت 408 مدارس للقصف والتخريب والتدمير الكلي والجزئي منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة (بينها281 مدرسة حكومية، و65 مدرسة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "انروا")، في حين استُشهد 6050 طالبًا وطالبة في مختلف مناطق القطاع.

"هيروشيما غزة"

وليست مبادرة "الكتّاب" وحسب، التي أطلقها معلمون/ات فلسطينيون/ات من أجل مساندة الأطفال في المراحل الدراسية المختلفة، ودعم صمودهم التعليمي في وجه حرب الإبادة والتجهيل، فـ"هيروشيما غزة" أيضًا في مدينتَي دير البلح ورفح، كانت مبادرةً ذات صدىً واسع.

ووفقًا لمحمد أبو ربيع، أحد القائمين عليها، فإن الاسم استُوحي من اسم المدينة التي سقطت عليها القنبلة النووية في الحرب العالمية الثانية، لكنها أصبحت من أفضل المدن إنتاجيًا فيما بعد.

ويقول: "غزة سقط عليها أربعة أضعاف القنبلة النووية التي سقطت على مدينة هيروشيما، فكيف ستصبح إذن؟ (..) لقد انطلقنا من إيماننا بأن العلم يبني الأمم، وخلقنا مساحةً آمنةً لتعليم الطلبة بشكل غير رسمي، حتى لا ينقطعوا عن التعليم".

ومن خلال الفصول التوعوية التي تتبناها "هيروشيما غزة"، يُواظب الطلبة على تلقّي التعليم. يقول موسى الأسطل (الذي يفترض أن يكون بالصف السابع): "اشتقت للمدرسة كثيرًا، وأشعر بالحزن الشديد كلما سمعتُ باستهداف مدرسة"، مضيفًا: "استفدتُ كثيرًا من الخيام التعليمية، خصوصًا وأن والدتي تراجع معي كل الدروس، وتجهز لي الامتحانات، وتسمّع لي القصائد والآيات القرآنية، كأنني في المدرسة تمامًا".

ونزحت منذ بداية الحرب، من حي النصر بمدينة غزة إلى النصيرات وسط القطاع، الطالبة حلا البردويل، وكان أول ما حملته معها حقيبتها المدرسية. تقول بنبرة حزن: "لكننا لم نعد حتى اليوم".

على مدار ثمانية أشهر كانت حلا تراجع دروسها بين الفينة والأخرى على أمل انتهاء الحرب، والخضوع لامتحانات الثانوية العامة "التوجيهي" أسوةً بزملائها في الضفة الغربية، "إلا أن ذلك لم يحدث، ولا نعرف متى ستنتهي الحرب، وإذا انتهت، كيف سيكون واقع التعليم في غزة؟" تتساءل.

وفي الوقت الذي كانت فيه مدينة الزهراء وسط القطاع شبه محاصرة مع بداية الحرب، كونها قرب الخط الفاصل بين الشمال والجنوب، قرر الأطفال هناك أن يؤسسوا مدرسة! "بحيث يعلم فيها من هم بالمرحلتين الإعدادية والثانوية إخوتهم في صفوف الابتدائي الدرس الأساسية عبر جدولٍ دراسي" تقول بانة البرديني.

كانت بانة تدرس في مدرسة "الراهبات الوردية" قبل الحرب، "لكنها دمرت، وكُتب على ما تبقى بها من جدران عبارات بالعبرية، وحُرق فيها الصليب" تستدرك.

إنقاذ المسيرة التعليمية

ويعاني طلبة الجامعات أيضًا من تعطيل دراستهم الجامعية، لا سيما من هم في السنة الأخيرة من الدراسة.

وبعد مناشدات كثيرة، أعلنت جامعة الأزهر بغزة أنه "انسجامًا مع رؤية وزارة التعليم العالي بشأن استئناف العملية التعليمية في مؤسسات التعليم العالي في المحافظات الجنوبية (قطاع غزة)، يمكن لطلبة الجامعات الفلسطينية في قطاع غزة، ممن تتوفر لديهم الوسائل اللازمة، الالتحاق بنظرائهم في جامعات الضفة الغربية (كطلبة زائرين) لحين انتهاء الحرب".

وفي وقتٍ سابق تحدث مدير مديرية التعليم في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، أحمد لافي، عن مستقبل العملية التعليمية، ووصف الصورة بـ"القاتمة" و"غير الواضحة" إلى حين انتهاء الحرب.

وقال: "لا يمكن تصور ما سيكون عليه التعليم وجميع المدارس يشغلها النازحون، ناهيكم عن التي تعرضت للتدمير الكلي أو الجزئي جرّاء الاستهداف الإسرائيلي"، مضيفًا: "الخطر الأكبر يحيق بطلبة الثانوية العامة الذين لم يجلسوا على مقاعد الدراسة سوى شهر واحد فقط، في حين لا يمكن الحديث عن تعليم إلكتروني في ظل الدمار الهائل في شبكات الكهرباء وخدمات الاتصالات والإنترنت".

وكان بيان مشترك، أصدرته "اونروا" ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم (اليونسكو)، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) بمناسبة اليوم العالمي للتعليم، أشار إلى أن أكثر من 625 ألف طالب حُرموا من التعليم منذ بدء الحرب على غزة، في حين فقد 22 ألف مدرس وظائفهم في هذا القطاع.

ووفق "المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان" فقد طال الاستهداف الإسرائيلي 90% من الأبنية المدرسية الحكومية التي تعرضت لأضرار مباشرة وغير مباشرة، فيما تُستخدم 133 مدرسة حكومية كمراكز إيواء.

ووثق "المرصد" استشهاد 94 من أساتذة الجامعات، ومئات المعلمين وآلاف الطلبة في إطار "جريمة الإبادة الجماعية الشاملة" التي يرتكبها الاحتلال في غزة.

ويبرز من بين قائمة الشهداء الأكاديميين، 17 شخصية تحمل درجة "بروفيسور"، و59 تحمل درجة "دكتوراه"، و18 تحمل درجة "ماجستير".

ووفق رئيس المرصد رامي عبده، فإن هذه الحصيلة غير نهائية، إذ تشير التقديرات إلى وجود أعداد أخرى من الأكاديميين المستهدفين، ومن حملة الشهادات العليا لم يتم حصرهم نتيجة صعوبات التوثيق الناجمة عن تعذر الحركة بحرية وانقطاع الاتصالات والإنترنت ووجود آلاف المفقودين.

تبعًا لصندوق النقد الدولي، فإن خسائر قطاع التعليم -بسبب الهدم والتدمير- تفوق 720 مليون دولار، جراء تضرر 70% من المدارس والجامعات.

وتبعًا لصندوق النقد الدولي، فإن خسائر قطاع التعليم -بسبب الهدم والتدمير- تفوق 720 مليون دولار، جراء تضرر 70% من المدارس والجامعات.

ويبدو اليوم مصير العملية التعليمية في غزة مجهولًا أمام عظم الدمار في البنية التحتية، والمدارس التي نزح إليها مئات الآلاف من الفلسطينيين، عدا عن عدم وجود نظام تكنولوجي يمكن الطلبة من الاعتماد عليه، بعد فشل التجربة التي جرت خلال جائحة "كورونا" بسبب الإنترنت.

كاريكاتـــــير