غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
ظهرت سندريلا، فتعالت الصيحات! بدا الأمر أشبه بفرحٍ يزور بيت أيتامٍ بعد الفقد لأول مرة. أطفالٌ ورجالٌ ونساءٌ احتشدوا لمشاهدة فيلمٍ كرتونيٍ عُرض على ظهر إحدى خيام النازحين في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة.
هي مبادرةٌ أطلقها محمد الخضري قبل عدة أسابيع، وأطلق عليها اسم "سينما المخيم"، ينتقل من خلالها بين مخيمات النازحين في رفح؛ ليعرض أفلام الكرتون بوساطة جهازٍ صغيرٍ يمتلكه، بغرض إدخال الفرحة والسرور على قلوب الأطفال، ورسم الابتسامة على وجوههم.
ويوظف الخضري (36 عامًا) جهاز العرض المرئي الذي نزح به من مدينة غزة في شهر يناير/كانون ثاني الماضي، لتجسيد فكرته البسيطة التي تعتمد على عرض أفلامٍ من الرسوم المتحركة على جدران الخيام ومراكز الإيواء في مدينة رفح، التي تؤوي أكثر من مليون نسمة يمثلون نصف التعداد الكلي لسكان قطاع غزة، ويتمنى لو يتمكن من توسيع المبادرة لتشمل بقية مناطق النزوح جنوبي القطاع.
وبالنسبة للخضري فإن ضحكات الأطفال وصيحات فرحهم وهم يتابعون رسومهم المفضلة، تطغى على أصوات الصواريخ والقذائف من حوله، وتشعره بسعادة لا توصف، ويقول هذا الشاب المبادر لـ "نوى": "وجعنا كبير وخاصة الأطفال بسبب هذه الحرب المجنونة. كلنا بحاجة لمن يخفف عنا".
ويزداد شعور الخضري بالفرحة عندما يرى الكبار إلى جانب الأطفال، يتفاعلون مع الأفلام الكرتونية، في محاولة للتفريغ النفسي والهروب من الواقع المؤلم. يضيف: "إن حجم الضغوط هائل بسبب الحرب الدائرة منذ 7 شهور، وقد تضرر الجميع منها، سواء بفقد الأهل والأحبة، أو بدمار المنازل والممتلكات. هذه الضغوط ستترك آثارها السلبية على نفوس الغزيين لفترات طويلة، ويجب علينا أن نساعد بعضنا البعض للتخلص منها".
وتساهم الفنون بأنواعها، والمبادرات المجانية مثل "سينما المخيم"، في تخفيف الضغوط والتفريغ النفسي، حسبما يؤمن الخضري، الذي يرى أن كل من يمتلك علمًا أو موهبة، يجب ألا يتردد في تسخير ذلك لخدمة المجتمع، الذي يحتاج إلى تضافر الجهود للنهوض من جديد.
"جئت مع أطفالي لإسعادهم، لكنني أيضًا حظيتُ بلحظات من الفرح والسعادة، بعد أشهر من مشاهد الدم والتدمير".
ورافقت صفية معروف طفليها منة (عامان) ونبيل (3 أعوام) لحضور عرض "سينما المخيم". كان المعروض فيلم "سندريلا" الشهير. تخبرنا: "جئت مع أطفالي لإسعادهم، ولم أكن أعلم أنني أيضًا سأحظى بلحظات من الفرح والسعادة، بعد هذه الشهور الطويلة من مشاهد الدم والتدمير".
وتقيم صفية (40 عامًا) مع أسرتها في خيمة ضمن "مخيم القدس" الذي يؤوي نازحين من بلدة بيت حانون شمالي القطاع، حيث استقر بها الحال هنا بعد محطات نزوح متكررة، حيث كانت في كل مرة تهرب بأسرتها من الموت المحقق إلى مكانٍ تظنه طوق النجاة فيثبُت فيه العكس.
منذ نزوحها لأول مرة عن منزلها، لم تشاهد صفية التليفزيون، أسوةً بغالبية سكان القطاع، الذين يواجهون حربًا دموية ومدمرة، مصحوبة بحصار خانق، وقد قطعت عنهم دولة الاحتلال الإسرائيلي كل سبل ومقومات الحياة، ومنها الكهرباء، وأعادتهم عقودًا نحو الوراء.
في خيمة النزوح عادت عجلة الحياة بصفية إلى زمن ما قبل الحداثة، حيث لا كهرباء أو مياه. تقول: "أعاني يوميًا من أجل توفير احتياجات أسرتي الأساسية، وعندما سمعت بمبادرة "سينما المخيم" وجدت بها بارقة أمل بعودة قريبة للحياة الطبيعية"، مضيفةً: "أرهقتنا الحرب، وحرقت أعمارنا، ونحن بحاجة إلى لحظات سعادة وإن كانت عابرة".
وفي أحد مشاهد الفيلم قالت سندريلا: "أريد العودة إلى المنزل"، لتؤمن صفية على كلامها: "كلنا نريد العودة إلى منازلنا"، واستدركت متسائلة: "لكن هل تبقت لنا منازل في بيت حانون؟"، فهذه البلدة الواقعة في أقصى شمالي القطاع هي واحدة من أكثر المناطق تعرضًا للتدمير الشامل، الذي طال منازلها وأراضيها ومنشآتها.
وعلى مقربة من صفية وطفليها، كانت تجلس الطفلة زينة الزقزوق (9 أعوام) النازحة مع أسرتها من مدينة غزة، وقد أبدت سعادة كبيرة وتفاعلًا مع العرض. تقول لـ "نوى": "من زمان ما شفنا تلفزيون، والله فرحت كثير بسندريلا والصور المتحركة".
ولا تقل سعادة الطفل النازح مع أسرته محمد مصلح (11 عامًا) عن زينة، إذ قال لـ"نوى": "هذه أول مرة منذ 7 شهور نشاهد فيها أفلامًا متحركة، وكان نفسي أشوف سباق السيارات"، ليتدخل الخضري هنا ويعده بأن يحضر مرة ثانية ليعرضها له.
وتتمنى زينة ومحمد أن تتوقف الحرب، وأن يعودا إلى مدرستيهما وبيتيهما في مدينتي غزة وبيت حانون، وسط أجواء من الترقب تسيطر على النازحين في رفح، انتظارًا لنتائج المباحثات غير المباشرة حول وقف إطلاق النار.
ويقول مدير مخيم القدس للنازحين تفكير حمد: "أطفالنا بحاجة إلى لحظات فرح ولو عابرة تنسيهم ويلات الحرب"، معبرًا عن إيمانه بأن مثل هذه المبادرات يمكنها التربيت على قلوب الأطفال الذين شردتهم الحرب مع ذويهم في الخيام ومراكز الإيواء، واغتالت كل حقوقهم، وقد ابتعدوا عن التعليم بعدما دُمرت غالبية مدارسهم، وحرمتهم حتى الحق في اللعب، الأمر الذي ترك آثارًا سلبية جسيمة على صحتهم النفسية.