بيت لاهيا:
مشاهد الأراضي الزراعية المجرّفة والبيوت المهدّمة والمجاعة التي اجتاحت شمال قطاع غزة، كلها كانت عوامل دفعت المهندس الزرعي الشاب يوسف أبو ربيع (24 عامًا) للتفكير في حلول لعائلته وللمواطنين المحاصرين هناك، فكانت فكرة مبادرة نزرعها بعون الله!
"ليس أمامنا بديل سوى استثمار الأراضي الزراعية وزراعتها كي يعيش على خيرها الناس الذين يموتون جوعًا شمال قطاع غزة، لذا كانت مبادرة نزرعها بعون الله، يقول المهندس الشاب يوسف أبو ربيع لنوى.
في التفاصيل، فقد بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي يوم 7 أكتوبر 2023 حربًا شاملة على قطاع غزة، أجبر منذ أسبوعها الأول مئات آلاف المواطنين من سكان شمال القطاع على النزوح جنوبًا بدعوى إن الشمال بات منطقة عسكرية مغلقة.
وبينما نزح بالفعل مئات الآلاف تحت وطأة القصف والدمار الذي لحق بمناطقهم السكنية، أصر مئات الآلاف غيرهم على البقاء في الشمال رفضًا لفكرة التهجير، فتعرضوا للعقاب الجماعي الذي كان تجريف الأراضي الزراعية والمباني والتجويع أسلحة رئيسية للاحتلال خلاله.
يقول أبو ربيع :"أسكن منطقة بيت لاهيا شمال القطاع، وأنا من عائلة مزارعين، اندلعت الحرب في بداية موسم الفراولة الذي لم يكتمل، نزحت وعائلتي إلى مدرسة مع آلاف المواطنين، وعانينا كلنا شح المواد الغذائية، كنت كما غيري أبحث لعائلتي عن نبات الخبيزة الذي استهلكه الناس بكثرة لعدم وجود غيره ولكن بدأ بالنفاد فكان عليّ البحث في حلول أخرى".
بعد انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من منطقة بيت لاهيا تكشّف حجم الدمار والخراب فيها، بينما تتفاقم المجاعة، وهنا قرر أبو ربيع استثمار الأراضي الزراعية التي تم تجريفها وإعادة زراعتها وتوفير الغذاء للمحاصرين إضافة إلى تشجيع الناس على استثمار أي مساحة ممكنة للزراعة ولو كانت أسطح المنازل.
يقول: "برفقة 10 مزارعين ممن أعرفهم ومعي شقيقي وهو أيضًا مهندس زراعي، نعمل على توفير الأشتال والبذور من أجل إعادة زراعتها لدينا مساحة 150 دونمًا من الأراضي المجرفة، تعود لهؤلاء المزارعين إذا نجحنا في زراعتها لن نكون بحاجة أحد".
منذ شهر والشاب يقلب الفكرة برأسه، التحديات ليست سهلة في ظل المخاطر المحيطة بأراضي المنطقة الشمالية لقطاع غزة والمحاذية لمدينة عسقلان، إذ سبق وتعرضوا لإطلاق نار ولكن واصلوا العمل.
"نعمل بالأيدي لعدم توفر أي إمكانيات، نحاول البحث عن أي أشتال يمكن استثمارها، ليس أمامنا بديل سوى البحث عن مقومات صمود في ظل انعدام الإمكانيات حيث تم تدمير ألواح الطاقة الشمسية والآبار ونفد الوقود اللازم لعملية الزراعة، ولم يكن ممكنًا سوى تحدّي هذا الواقع"، يقول أبو ربيع الذي يدرك جيدًا التحديات التي تواجه تنفيذ مبادرته لكنه يصر عليها.
تقوم الفكرة على البحث عن أي أشتال وبذور متوفرة وزيادتها وتوفيرها للمزارعين والناس في مراكز الإيواء وحتى للمواطنين في بيوتهم، كي يستثمروا أي مساحات ولو كانت صغيرة لتوفير طعام بيوتهم.
"نعمل من أجلنا ومن أجل الناس" يقول المهندس الشاب، فليس من المعقول انتظار انتهاء الحرب لتي لا نعرف متى تتوقف، ولا انتظار المساعدات التي تصل شحيحة وتكلفنا الكثير من الضحايا وتمس بكرامة الناس.
يتابع :""بدأت الفكرة في بيتي منذ شهر وبالفعل وفرت كميات من الملوخية، وأسعى لتوفير بذور لنبات الملوخية، الكوسا، الفلفل، الباذنجان، القرع، بقدونس، فجل، وغيرها، واتفقت مع المزارعين على ضرورة منع الاحتكار ورفع الأسعار فليس من المعقول أن يصل سعر كيلو الملوخية الواحد إلى مبلغ يزيد عن 30 شيكلًا جنوب القطاع ويصل إلى 100 في شماله".
لاقت فكرة المهندس الشاب ترحيبًا لدى الكثير من الأوساط حيث تواصلت معه جمعية لرعاية مبادرته، فكل ما يحتاجه هو توفير كميات من السولار تساعده على توفير البذور والأشتال وهو بدوره بمساعدة شقيقه يتوليان مهمة المتابعة مع المزارعين والمواطنين الراغبين في المشاركة بالمبادرة سواء داخل مراكز الإيواء أو في بيوتهم أو أراضيهم الزراعية.
يعقب :"ليس أما منا سوى إنتاج غذاءنا بأنفسنا، لا يوجد بيت في منطقة بيت لاهيا ليس فيه حوش صغير، أو عدة أمتار يستثمرها بالزراعة، وحتى أسطح البيوت أو الأماكن الفارغة في مراكز الإيواء كلها يجب أن نستمرها في التشجير وتوفير قوت عائلاتنا".
ويأمل أبو ربيع أن تتمكن بالفعل الجهات التي تواصلت معه من توفير الدعم المطلوب كي يكفي الشعب الفلسطيني عناء الجري خلف مساعدات تسقط عليهم بالمظلات ويذهب غالبيتها إلى البحر.
يشار إلى أن قطاع غزة بأكمله يشهد وضعًا كارثيًا بسبب نقص الغذاء وخاصة شمال القطاع الذي يتعرض لمجاعة حقيقية.