شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الاربعاء 15 يناير 2025م04:36 بتوقيت القدس

حقائب مكتظة بـ"أحلام العُمر" جاهزة لـ"النزوح" برفح!

15 ابريل 2024 - 15:58

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

تعيش اعتدال محسن حاليًا خوفًا دائمًا من احتمالية بدء جيش الاحتلال الإسرائيلي هجومًا عسكريًا على مدينة رفح جنوبي قطاع غزة.

اعتدال، الأم لستة أطفال، جمعت كل الأوراق الرسمية، وبعض الملابس في حقيبة تجهّزًا لأي سيناريو، ووضعت في كيسٍ بالقرب منها بعض الإسعافات الأولية، خشية الإصابة أثناء رحلة النزوح المجهولة.

وكما اعتدال، جهّز معظم سكان مدينة رفح، وحتى النازحين إليها حقائبهم من جديد، بعد التلويح المستمر بعمليةٍ برية قريبة في المدينة الجنوبية، التي باتت تستوعب اليوم أكثر من مليون ونصف فلسطيني/ـة، تركوا بيوتهم في مدينة غزة وشرقها وغربها، وفي مدن شمال القطاع، ونزحوا نحو الجنوب الذي روّج الاحتلال أنه سيكون آمنًا للواصلين إليه "وهذا لم يحدث بالطبع" تعقب السيدة الخمسينية.

تقول: "أفكر كثيرًا: كيف سأترك بيتي؟ أعود إلى الوراء بضع خطوات وأقرر أنني لن أغادر رفح، ولن أترك بيتي لا نحو الجنوب ولا نحو الشمال"، مستدركةً: "لكن سرعان ما أشاهد الأخبار المرعبة حول ما فعله الجنود فيمن تبقوا داخل بيوتهم شمالًا؛ الإعدامات الميدانية، والاعتقالات، والتجويع، فتجدني أعود للتأهب نفسيًا لحمل حقيبتي والنزوح نجاةً بأطفالي الصغار".

وتكمل بعد تنهيدةٍ تملؤها الغصة: "أعاني الخوف من الفقد. أرتعب من مجرد التفكير في هذه النقطة، كلنا في هذه البقعة ننتظر مصيرنا المجهول في ظل انعدام مقومات الحياة الأساسية، وهمّ الجميع توفير الأمان لأطفالهم، والتخفيف من تفاصيل الرعب التي يعيشونها في كل لحظة مع القصف المستمر للمباني والسيارات والأشخاص".

تتنهّد بغصة، وتشير بيدها إلى جدران منزلها الذي تعدّه حكاية نسجتها السنوات بينها وبين زوجها وأطفالها، وترى فيه أحلام وخطط المستقبل الخالي من الفقد والدمار والخراب.

في صدره تجتمع حقائب النزوح تجهزًا للهرب في أية لحظة، ومعها الكثير من المخاوف، "فلعلها تكون النظرة الأخيرة إليه، أو لعلنا نعود فلا نجد له أثرًا" تزيد.

تعيش المخاوف نفسها نداء الزهار، التي تصف وضعها اليوم بأنها "كمن يعيش بين كر وفر في أحياء المدينة".

وتقول: "أحمل على كتفي حقيبة نزوحي أينما ذهبت، وبين ذراعي طفلي الرضيع. من يدري لعلي أكون خارج البيت فأعود ولا أجده، وتضيع معه أغراضي المهمة".

لقد صارت الحقيبة جزءًا من جسدها، فهي تحملها معها أينما ذهبت، وتضعها بالقرب منها وقت النوم خشية أن تتدهور الأوضاع فجأة فتضطر لحمل طفلها في حلكة الليل، وتنسى الحقيبة جرّاء الخوف والهلع، تمامًا كما حدث معها أكثر من مرةٍ نزحت فيها حتى وصلت إلى رفح.

ووصفت الزهار حقيبة النزوح، بالخزانة التي تُخزّن بين جيوبها الكثير من الذكريات التي استطاعت جلبها قبل أن تباغتهم طائرات الاحتلال بقصف منزلهم "شقاء العمر وتعب السنين". وتتساءل: "ماذا بعد كل هذا؟"، مضيفةً: "رفح التي كان يفترض أنها آمنة لمليون ونصف مليون مواطن/ـة، أصبح سكانها يتجهزون للنزوح والهرب من آلة الحرب التي ستلاحقهم بالقتل والإبادة الجماعية".

وتكمل بقهر: "في هذه الحرب، لم يكن هناك أي مكانٍ آمن. القصف يلاحقنا أينما حللنا، ورائحة الدم تفوح في كل الطرقات. أشلاء النساء والأطفال ما زالت تُنتشل من تحت الأنقاض، والكثير من شبابنا وبناتنا معتقلون لا نعرف عنهم شيئًا. هذا كلها جعلنا بلا وعي نتجهز على الدوام لأسوأ السيناريوهات، حتى لو كانت: النزوح إلى خارج قطاع غزة".

وتتابع بصوت شاحب وأنفاس متقطعة: "لم أعد قادرة على التفكير بشيء، سوى سلامة طفلي الذي رأى النور في أيام الحرب، وغامر معي في كثير من رحلات النزوح".

اليوم، تتجه أنظار السيدة نحو نزوحٍ جديدٍ مجهول إلى خارج المدينة، "إلى أين؟ لا نعرف أبدًا. كل ما نعرفه أن التبليغ بالإخلاء سيكون وبالًا على عددٍ كبير من النازحين والمواطنين الذين لم يعد لهم مكانٌ يذهبون أو يعودون إليه أبدًا" تختم.

كاريكاتـــــير