شبكة نوى، فلسطينيات: تفكر الطبيبة أ.ق وهي تجلس على مكتبها بعد عمل شاق استغرق أكثر من 10 ساعات متواصلة، في الفطور الذي تجد صعوبةً كبيرة في الحصول عليه في شهر رمضان.
أحيانًا كثيرة تتمكن الطبيبة التي تعمل في قسم النساء والتوليد بمستشفى الكويت التخصصي من الإفطار بعد صلاة العشاء؛ لكثرة الحالات المرضية التي تصل إليها من محافظات الوسطى والجنوب في قطاع غزة، وتقول: "إفطاري من تكيات أهل الخير، أحيانًا يكون مذاقه سيء، فأستبدله بالمعلبات، وفي حين عدم توفرها أقتصر على تناول 3 حبات من التمر وكوب ماء حتى أتمكن من مواصلة عملي".
ويخوض أطباء غزة في المستشفيات المتبقية بعد خروج معظمها عن الخدمة، معركة إنقاذ الأرواح وعلاج المرضى ببطون خاوية، دون أن يجدوا ما يسد جوعهم خلال شهر رمضان.
تضيف: "قضيت ليالٍ لم أتسحر بها رغم عملي المتواصل لـ24 ساعة، وفي حال توفر مع إحدى الزميلات علبة جبن، يتقاسمها 10 داخل القسم".
أما الماء فهو معاناة أخرى، "فالمعقمة والصالحة للشرب غير موجودة. نعتمد على تعبئة المياه من حنفيات المستشفى، وشربه حتى لا نشعر بالعطش طوال يوم الصيام".
وقعت الطبيبة أ.ق فريسةً للالتهابات والأمراض، لكثرة تناولها المعلبات والمياه شديدة الملوحة. تخبرنا: "أصابتني الأكزيما والإسهال المزمن، وارتفعت درجة حرارتي وتقيأت مرارًا كل ما في بطني، ولم أعد قادرة على تناول الطعام، ولطالما اكتفيت بتناول البسكويت".
رغم ذلك، يبقى وضع الطبيبة أ.ق أفضل إلى حد ما من وضع الحكيم عادل الجمل، الذي يعمل متطوعًا داخل قسم الطوارئ، إذ دفعه سوء التغذية لتلقي إبرًا ومحاليل كي يستطيع أن يواصل عمله.
يقول: "أثناء عملي أصابني الدوار، وتعبتُ كثيرًا، وعانيتُ من التهابات في الحنجرة والرئتين، واضطررت لأخذ مكملات التغذية، غير أنني خسرت أكثر من 10 كيلوجرامات من وزني".
يعتمد الحكيم الجمل في غذاءه على المعلبات بشكل أساسي، وأحيانًا يتناول وجبة الأرز فقط. يعقب: "هذا الطعام لا يسد جوعنا وغير كافٍ لنواصل عملنا لمدة 24 ساعة".
ويكمل: "عملي يتطلب مني التركيز في ظل وصول أعداد هائلة من الجرحى، وأبذل جهدًا كبيرًا لإنقاذ أرواح العشرات يوميًا، ولا مجال للتفكير في الإفطار، فأنا جائع كبقية الناس، لكن يبقى حلمي أن أتناول غذاء صحيًا بعيدًا عن المعلبات".
أما الطبيب عماد الهمص، فيضطر في كثيرٍ من الأحيان لتأخير افطاره وتناوله بعد صلاة العشاء، بسبب أعداد كبيرة الشهداء والجرحى الكبيرة التي تصل قسم الطوارئ الذي يعمل فيه، "وحينها يكون طعام التكية قد انتهى ولا أجد ما أتناوله، فأضطر لتناول 3 حبات من التمر".
قضى الطبيب الهمص ليلتين بدون سحور، لأنه لم يجد شيئًا يمكن أن يأكله آنذاك، "وهنا أصاب بالتعب والإرهاق الشديدين. لقد فقدتُ وزني بشكلٍ كبير، ولم أتمكن من خدمة المرضى في الوقت الذي يحتاجونني فيه فلجأت إلى محاليل التغذية كي أستطيع مواصلة عملي" يقول.
فرق كبير يعيشه الطبيب الهمص داخل المستشفى بين رمضان العام الماضي وهذا العام، إذ كان يجتمع وزملائه حول مائدة الإفطار وهي مزينة بأشهى المأكولات، "أما الآن فقد اقتصرت المائدة على علبة واحدة من الفول أو الجبنة حسب ما يتوفر" يزيد.
ويتابع: "أصبح حلمي الأكبر تناول طبيخ الملوخية، لكن ثمنها مرتفع جدًا مقارنة بثمنها قبل الحرب، ولا يوجد لدينا وقت كافٍ لنعود لبيوتنا ونتناول شيئًا أفضل من الموجود".
ويقول مدير مستشفى الكويت التخصصي صهيب الهمص لـ"نوى": "إن وزارة الصحة عاجزة تمامًا عن تقديم وجبات الفطور والسحور للطواقم الطبية، إلا أن هناك بعض الجمعيات الخيرية تقدم أحيانًا وجبات الأرز فقط للإفطار، أما السحور فغير متوفر، وهذا يضطر الأطباء غالبًا للاكتفاء بالتمر".
وأكد الهمص أن هناك 30 طبيبًا داخل المستشفى يعانون من قلة وسوء التغذية، مردفًا: "أصيب معظم الأطباء بالأنيميا وفقدوا أوزانهم وضعفت بنية أجسادهم".
وتابع: "رسالتنا الطبية أكبر من تأمين وجبة طعام، وسنواصل عملنا في الليل والنهار دون كلل أو ملل، حتى وإن اكتفينا بالتمر والماء".