شبكة نوى، فلسطينيات: لم تتوقف الطفلة رزان عرفات عن البكاء وهي تنادي وتسأل: "وين رجلي؟ بدي رجلي". لا يستطيع عمها نسيان أول مرة استيقظت فيها رزان بعدما ذهب مفعول التخدير، ورأت قدمها اليسرى مبتورة "كان مشهدًا من الجحيم" يقول.
دخلت رزان غرفة العمليات بقدمين، ولم تكن تعلم أنها ستخرجُ وتُصعق بواقعٍ مريرٍ سيرغمها على العيش بقية حياتها بقدمٍ واحدة.
بدأت الحكاية عندما نزحت من بيتها برفقة عائلتها في حي الزيتون شرقي مدينة غزة، بسبب القصف الإسرائيلي العنيف، لكن طائرات الاحتلال باغتتهم دون سابق إنذار بقصف البيت المجاور للبيت الذي نزحوا إليه، فاستشهد 16 فردًا من عائلتها بينهم والدها ووالدتها وشقيقها الوحيد وشقيقتين اثنتين، فيما أصيبت هي وباقي شقيقاتها بجروح بالغة الخطورة.
بقيت رزان في عهدة عمها الذي سرد لـ"نوى" حكايتها في ظل الحالة النفسية الصعبة التي تمر بها. يقول: "أصيبت رزان بحروق طفيفة في وجهها وقدمها اليمنى، لكن إصابة قدمها اليسرى كانت بالغة الخطورة. وضع لها الأطباء بلاتين لمدة أسبوع كامل، لكن الدم لم يصل لباقي قدمها، بسبب انفصال العظم عنها".
قرر الأطباء في مستشفى الشفاء بمدينة غزة بتر قدم رزان، كي لا تتطور حالتها وتتعرض لمضاعفات منها غسيل الكلى والغرغرينا، فدخلت غرفة العمليات ومكثت بداخلها أكثر من 3 ساعات "لقد كانت عملية معقدة وصعبة جدًا" يضيف.
دخلت رزان في حالة هلوسة، فكانت تغيب عن الوعي تارةً، ثم تصحو وتعاود السؤال عن ساقها المبتورة تارةً أخرى، وفي مرات غيرها كانت تلتزم الصمت! "لم يكن قلبها الصغير يحتمل فقدان جزء من جسدها بهذه الصورة المرعبة".
يضيف عمها: "بكى جميع الأطباء على حالها وهي تصرخ وتبكي، وبعد أسبوع خفت حدة الأمر عليها، فأصبحت تقارن حالها بطفلة أخرى فقدت قدميها الاثنتين، وتحمد الله أن أبقى لها قدمًا واحدة".
في الفترة التي مكثت بها رزان جريحة في مستشفى الشفاء، تعرضت المستشفى للقصف العنيف والمتواصل، فاضطرت للنزوح رغم وضعها الصعب. يزيد عمها: "خرجت رزان بحالة جنونية من الخوف والهلع، فلم يمر على عمليتها سوى أسبوع واحد، ولم تتمكن من أخذ علاجها".
وفي ظل انعدام سيارات الأجرة آنذاك، اضطر ابن عمها لحملها على كتفه مشيًا على قدميه من المستشفى وصولًا لحي الزيتون، ثم وجد بمحض الصدفة عربة يجرها حمار أوصلته حتى دوار الكويت، وبعد ساعة كاملة من المشي وصل الحاجز الذي أقامه الاحتلال الإسرائيلي على شارع صلاح الدين بمدينة غزة.
يتابع عمها سرد الحكاية فيقول: "كان ابن عمها وابن عمتها يتبادلان أدوار حملها، مكثت رزان ساعة كاملة وهي تنتظر على الحاجز محمولة على كتفي ابن عمها الذي باغته أحد الجنود بالمناداة عليه واعتقاله (أُفرج عنه لاحقًا)، فتابع المهمة ابن عمها الآخر".
بعدما تخطت رزان الحاجز الإسرائيلي، تابع ابن عمها حملها على أكتافه حتى وصل إلى مفترق النصيرات، وهناك مكثت يومًا في بيت أقاربها، ثم تمكنت من الذهاب إلى مستشفى العودة وإزالة الغرز من قدمها التي لم تشفَ منه مضاعفاتها بعد.
لم تكن رزان تعلم أنها ستعيش مرارة الفقد مرةً أخرى خلال رحلات نزوحها، إذ فجعت باستشهاد ثلاثة من شقيقاتها اللواتي تركتهن في مدينة غزة. يقول عمها: "حين فجعت في المرة الأولى لم أكن قادرًا على إخبارها لولا إلحاحها بالسؤال عن أبيها وأمها، أما الآن فالأمر أصعب بكثير. أخبرتها بشكلٍ تدريجي بفقدان 3 من شقيقاتها، لكنني غير قادر اليوم على إخبارها باستشهاد اثنتين غيرهن".
وحين علمت رزان باستشهاد والديها بكت متسائلة: "ليش ما أخدوني معهم؟" أما عن استشهاد شقيقاتها فكان وقع الخبر عليها صادمًا أكثر. يصف عمها المشهد بقوله: "انهارت أعصابها وصرخت وبكت كثيرًا. نفسيتها تعبانة جدًا وحتى الآن تبكي ليلًا حين تتذكرهم".
نزحت رزان إلى مدينة رفح جنوب قطاع غزة. لقد اضطر عمها لنصب خيمة وسط ساحة مدرسة تحولت إلى مركزٍ للإيواء بسبب الازدحام الكبير للنازحين بداخلها، "لكنها تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة المعيشية والصحية".
وعن حلمها تقول رزان: "بحلم أصير طبيبة، لأنه لما كنت في المستشفى، كنت أغير جرحي لحالي وأحط المحلول لنفسي، وبتمنى أسافر وأركِّب طرف صناعي لقدمي، وأعيش باستقرار أنا وخواتي التنتين الي ضلوا إلي".