شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الثلاثاء 10 ديسمبر 2024م00:16 بتوقيت القدس

من بين "شهداء الجوع" شمالًا.. رضيع!

06 فبراير 2024 - 09:40

شبكة نوى، فلسطينيات: غزة/ أحلام حماد

 ليس بقذيفة أو بصاروخ، وإنما قتله الجوع! هكذا كانت رحلة الطفل الرضيع جمال الكفارنة السريعة في هذه الحياة، فقد ولد في أغسطس من العام الماضي، وفاضت روحه إلى خالقها في 18 من الشهر الجاري في بلدة بيت حانون، إحدى مناطق النصف الشمالي من قطاع غزة.

لم يكن قد مضى على مولد جمال سوى شهرين فقط عندما اندلعت الحرب في القطاع بتاريخ السابع من تشرين أول/ أكتوبر من العام الماضي، فاضطرت أسرته إلى النزوح عن بلدة بيت حانون المتاخمة للسياج الأمني، والإقامة في خيمةٍ بساحة مدرسة في بلدة جباليا القريبة.

تمسكت هذه الأسرة بالبقاء في شمال القطاع وعدم النزوح جنوبًا، أسوةً بمئات الآلاف من سكان مدينة غزة وشمالها، الذين أجبرتهم قوات الاحتلال على النزوح، قبل اجتياحها البري لتلك المناطق.

وتوضح سماح الكفارنة، جدة الرضيع جمال، أنهم نزحوا منذ الأيام الأولى للحرب الإسرائيلية على القطاع، قائلةً: "بسبب الجوع لم يجد جمال وأمه الغذاء اللازم. أصاب والدة الرضيع الشهيد الجفاف بسبب قلة الطعام والغذاء، واضطرت لشرب المياه المالحة وانقطع لديها الحليب مع الوقت، وهو ما أثر على قدرتها على إرضاع طفلها تدريجيًا، ما أدى لإصابته بارتخاء وجفاف حادّين، خاصة مع عدم توفر أي بدائل من حليب الأطفال الصناعي بسبب الحصار، إلى أن "توفي جائعاً في أحضان والدته" في 18 من الشهر الجاري".

وتفاديًا للموت جوعًا، أو ربما لتأجيل هذا الموت، اضطر غزيون في شمال القطاع إلى طحن علف الحيوانات وصناعة الخبز منه، وشرب مياه غير معالجة ولا تصلح للاستهلاك الآدمي.

وقال عبد الهادي عوكل، الصحفي في مخيم جباليا شمالي القطاع: "أكلتُ من خبز علف الحيوانات، الذي تسبب في أمراض معوية للكثير من الناس، بسبب منع الاحتلال سبل الحياة والإمدادات الإنسانية للشهر الرابع على التوالي عن مناطق الشمال".

ولا تصل كميات المساعدات المحدودة التي تسمح "إسرائيل" لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، بإيصالها من جنوب القطاع إلى شماله لكل مستحقيها -حسب عوكل- الذي يرجح وقوع مجاعة حقيقية قد تودي بأرواح كثيرين في شمال القطاع خلال أسبوع، إذا لم تصل هذه المساعدات للناس.

وما يحدث في شمال القطاع هو تجربة لتصريحات وزير حرب الاحتلال الذي صرح مع اندلاع الحرب أنه سيمنع عن أكثر من مليوني نسمة في القطاع كل سبل الحياة من الكهرباء والمياه والغذاء والدواء، وقد بدت ملامح هذا التصريح تظهر على شكل ضحايا للجوع.

وتتهم منظمات حقوقية محلية ودولية دولة الاحتلال بممارسة "سياسة التجويع" ضد المدنيين في قطاع غزة، وكان المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان قد تلقى إفادات بشأن وفاة الرضيع براء الحداد (عام ونصف) من سكان مدينة غزة، جراء الجوع والجفاف يوم 30 كانون أول/ ديسمبر الماضي.

وأظهرت إفادات تلقاها المرصد الأورومتوسطي وفاة عدد من المسنين في مناطق متفرقة من قطاع غزة بفعل تداعيات معاناتهم من الجوع والجفاف، منهم سميرة أبو بربر (59 عامًا)، وعصام النجار (63 عامًا)، وجودة زيدان شاكر الآغا (81 عامًا).

وسبق للمرصد الأورومتوسطي أن وثق عدة حالات وفاة بفعل الجوع، من بينها الطفلة جنى ديب قديح (14 عامًا) المريضة بالشلل الدماغي، التي توفيت يوم 8 ديسمبر الماضي في مدرسة طيبة في بلدة عبسان الكبيرة شرقي خانيونس جنوبي قطاع غزة، بفعل الجوع ونقص الأوكسجين اللازم لحالتها.

وفي حديثه لـ "نوى" يُحذر رئيس المرصد الدكتور رامي عبدو من مخاطر تصاعد ضحايا نهج التجويع الإسرائيلي لسكان قطاع غزة، لا سيما في صفوف الأطفال والمسنين، وذلك في إطار جريمة الإبادة الجماعية المتواصلة ضدهم منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر من العام الماضي.

وأكد تنامي خطر المجاعة بين الغزيين بالتزامن مع تدهور شديد الخطورة في الصحة والتغذية والأمن الغذائي، وتزايد حالات الوفيات بفعل تفشّي الأمراض المعدية، والنقص الشديد في خدمات الصحة والمياه والصرف الصحي والنظافة.

وبرأي هذا الناشط الحقوقي فإن "إسرائيل" أفرغت قرار مجلس الأمن الدولي رقم (2720) بشأن توسيع المساعدات الإنسانية إلى غزة من مضمونه، وما تزال تستخدم التجويع سلاحًا ضد المدنيين الفلسطينيين.

وقد حولت "إسرائيل" القرار إلى مجرد حبر على ورق، كبقية التزاماتها بموجب قواعد القانون الدولي، فيما لا يزال تجويع المدنيين في غزة يبلغ مستويات غير مسبوقة، ويهدد باتساع رقعة انتشار الأمراض بفعل انعدام الأمن الغذائي.

وكان مجلس الأمن تبنى في 22 ديسمبر الماضي، قرارًا بتأييد 13 عضوًا وامتناع الولايات المتحدة وروسيا عن التصويت حول غزة و"إسرائيل"، يدعو إلى "اتخاذ خطوات عاجلة للسماح فورًا بإيصال المساعدات الإنسانية بشكل موسَّع وآمن، ودون عوائق، ولتهيئة الظروف اللازمة لوقف مستدام للأعمال القتالية.

ويشير رئيس المرصد الأورومتوسطي إلى استمرار القيود الإسرائيلية الواسعة على إدخال الإمدادات الإنسانية إلى مناطق واسعة في القطاع، لا سيما مدينة غزة وشمالها، وحصر توزيعها تقريبًا على مدينة رفح أقصى جنوبي القطاع، في وقت تدفع فيه لنزوح إضافي لعشرات آلاف الفلسطينيين إلى المدينة.

وشدد عبدو على أن "إسرائيل" ماضية في استخدام التجويع كأداة حرب في قطاع غزة، بالإضاقة بارتكاب الجرائم بأنواعها ضد المدنيين، على الرغم من قرار محكمة العدل الدولية، الذي يفرض عليها اتخاذ تدابير سريعة من شأنها حماية المدنيين، وضمان وصول المساعدات الإنسانية الكافية لهم.

وكان المرصد الأورومتوسطي نشر في التاسع عشر من الشهر الماضي نتائج دراسة تحليلية شملت عينة مكونة من 1200 شخص في غزة أجراها للوقوف على آثار الأزمة الإنسانية التي يعانيها سكان القطاع في خضم حرب الإبادة الإسرائيلية، أظهرت نتائجها أن أكثر من 71% من عينة الدراسة أفادوا بأنهم يعانون من مستويات حادة من الجوع، وأن 98%؜ منهم قالوا إنهم يعانون من عدم كفاية استهلاك الغذاء، بينما أفاد نحو 64% منهم؜ بأنهم يتناولون الحشائش والثمار والطعام غير الناضج والمواد منتهية الصلاحية لسد الجوع.

وبدوره، يتفق رئيس "الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني" المحامي صلاح عبد العاطي مع عبدو، حول أن "إسرائيل" لا تزال تمارس الإبادة الجماعية، باستخدام وسائل متنوعة تتضمن "سلاح التجويع"، رغم قرار محكمة العدل الدولية.

ويقول لـ "نوى": "تزداد مؤشرات المجاعة والكارثة الإنسانية لدى سكان شمال غزة الذين يتعرضون للقصف والقتل والهلاك في ظل إعاقة ومنع وصول المساعدات لهم، وانهيار القطاع الصحي".

ويؤكد عبد العاطي أن استمرار "إسرائيل" في هذه الجرائم، وإصرارها عليها، يجعل من "قطاع غزة منطقة منكوبة وغير صالحة للحياة تنعدم فيه الخدمات الصحية والإنسانية، ويعيش سكانه كارثة غير مسبوقة وسط انتشار المجاعة والعطش والأمراض والأوبئة، وفقدان الدخل، ونقص الأدوية والمساعدات، وانهيار منظومة الخدمات، ما تسبب لسكان القطاع وخاصة النساء والأطفال وكبار السن والمرضي في معاناةٍ إنسانية، وفظائع وأهوال لا تحتمل، أثرت على حياة ومستقبل سكان غزة.

ووسط هذا الواقع المتردي جاء قرار الولايات المتحدة ودول غربية أخرى بقطع تمويل "أونروا"، الأمر الذي يعدّه عبد العاطي "مساهمة من هذه الدول في جريمة العقاب الجماعي، ويجعلها شريكة في حرب التجويع المعلنة.

وبرأيه فإن قطع تمويل "أونروا" يمس بقدرتها على القيام بدورها في إغاثة سكان غزة، الذين يعيشون في خضم أهوال الجوع والعطش والأمراض ومحدودية المساعدات، ويعتمدون بدرجة أساسية على المساعدات المقدمة من هذه الوكالة الأممية.

اخبار ذات صلة
كاريكاتـــــير