شبكة نوى، فلسطينيات: "ليس أقسى على المرء من أن يترك شقيقه ميتًا دون تشييع. يسير الموت بيننا في قطارٍ سريع، فيدوس على أرواحنا ببطولةٍ إسرائيلية، لا هدف محدد أمامه، ربّما بمزاج "الجندي" الذي يسوق الموت! نعم، فالموت يُساق هنا. الموت الكثير المنتشر، ولن أشبع من التفوّه بكلمة "الموت" لشيوعها العظيم هكذا" يقول كاظم عبد الرحمن.
كاظم هو شابٌ وسيم، أنيق المظهر، استشهد شقيقه الوحيد علي في قصفٍ إسرائيلي. قتلته صواريخ الاحتلال أمام عينيه بعدما هم للخروج في محاولةٍ لتأمين المياه لأسرتهما المحاصرة في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة.
ويرتبط اسم "الشجاعية" عادةً بمجازر كبيرة ارتكبت بحق أبناء المكان وبناته في كل جولات التصعيد والحروب، بدءًا من الاجتياحات البرية في التسعينيات، التي كانت تُفزِع الأهالي من أصوات الآليات تطحن كل ما يمرّ في طريقها بحماية من طائرات الأباتشي، وصولًا إلى أثقل "حرب" دمرت القطاع تدميرًا كاملًا.
بالعودة إلى كاظم وعلي وأمهما فتحية وأبيهما إسماعيل، الذي فارق الحياةَ إثر مرض وبائي أصيب به، حين بلغا من العمر ثلاث وأربع سنوات. يخبرنا: "ككل الناس دعونا أن نموت جميعًا ولا نفقد أحدنا. أنا وأمي وعلي. لكن الموت اختاره وحده، ضل طريقه عنا حتى اللحظة لنشرب من كأس المرّ مجددًا".
يسير مع أمه، يركضان من مكان إلى آخر في مدينة غزة بحثًا عن الأمان. لم يستطيعا دفن علي. بل دفعت بهما القذائف العشوائية إلى الهرع نحو ترك المنطقة إلى شارع اليرموك. قُصف اليرموك فنزحا إلى مدرسة الجلاء، فأطلقت طائرات "الكواد كابتر" الإسرائيلية نيرانها صوبهم، هجّرتهم من جديد نحو منزلٍ لم يعرفا لمن هو. كان خاليًا باردًا. تكسّرت نوافذه من شدة القصف، وتعفّن الخبز على المائدة التي يبدو أن أصحابها هربوا من هول الضربات أيضًا.
راح علي. يبكيانه معًا. يبكيان منزلهما المدمّر. يبكيان الشجاعية وكل غزة التي تحوّلت لمرتع للضربات الإسرائيلية وبحر من الدماء.
"يا ليتنا استطعنا أخذ صورنا معًا من المنزل، يا ليتنا متنا معًا. يا ليتنا حيينا معًا، كان أهون علينا من النار التي تحرق قلوبنا وقلوب كل الفاقدين هنا، على مرأى العالم كله وبشرعية دولية!" يختم.