شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 03 مايو 2024م13:38 بتوقيت القدس

غزة.. أطفالٌ أعادتهم الحرب لعمر "الحفاضات"!

22 يناير 2024 - 16:38

شبكة نوى، فلسطينيات: رفح:

صُدمت الشابة منال أحمد (33 عامًا) عندما وجدت فراش طفلها البالغ من العمر ثماني سنوات مبللًا صبيحة أحد أيام الحرب. تقول: "هذا لم يحدث مطلقًا منذ اعتاد الذهاب إلى المرحاض عندما صار ابن ثلاث سنوات!".

نزحت منال من مدينة غزة إلى رفح جنوبي القطاع في الثالث عشر من أكتوبر الماضي، وتعيش الآن مع زوجها وأطفالها الثلاثة، وعائلة زوجها معهم في منزل أقارب لهم، مع نازحين آخرين من نفس العائلة، تضيف: "كان موقفًا محرجًا له. عندما استيقظ ووجد فراشه مبلولًا، بدا كمن صفعه على وجهه".

وتخبرنا بينما تهدهد لطفلتها الرضيعة كي تنام: "تعرّض ابني خلال وجودنا في غزة لتجربةٍ صعبة. كنا قريبين للغاية من مناطق طالها القصف أكثر من مرة في اليوم الواحد، فكان يصرخ من شدة الرعب، وكثيرًا ما كان ينهار خوفًا"، مردفةً بقهر: "كل محاولاتي في تهدئته كانت تبوء بالفشل، حتى عندما نزحنا إلى رفح ظننتُ أن الوضع سيكون أفضل ولكن الوضع لم يختلف كثيرًا، ولم يتركنا القصف والخوف حتى ونحن هناك".

وكانت حكومة الاحتلال الإسرائيلية أعلنت بدء حربها على قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023م، بالقصف العشوائي والأحزمة النارية، التي تسببت حتى الآن في استشهاد أكثر من 23 ألفًا، بينهم أكثر من 7000 طفل.

لم يعاني ابن منال مسبقًا من مشكلة التبوّل اللا إرادي، لكن المشكلة بدأت وتفاقمت معه قبل نحو شهرين ونصف، ومنذ ذلك الحين لم تجد الأم بدًا من السهر إلى جانبه معظم الليل كي توقظه وترافقه إلى المرحاض، ليبقى أكثر ما يشغل بالها الآن، الحالة النفسية المتدهورة للطفل، الذي كلما وجد فراشه مبلولًا تساءل ودموعه تسبق: "لماذا يحدث هذا معي؟"، في حين لا تجد أمه ما تجيبه به، في وقتٍ تناضل فيه كي لا ينتبه أحد لما يجري مع طفلها.

قصة أخرى، للشابة فاتن (30 عامًا)، الذي يعاني طفلها أيضًا مشكلة التبول اللا إرادي منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

تقول لـ"نوى": "ظهرت المشكلة معه بعد أيامٍ من بدء الحرب، ورغم محاولاتي للسيطرة على الأمر إلا أن المشكلة بقيت مستمرة. أسهر معه معظم الوقت، وأوقظه ليلًا للذهاب إلى المرحاض عدّة مرات، ومع ذلك، وبمجرد أن أسهو أو أغط في نومٍ عميق، أجده وقد تبول على نفسه فجأة".

المشكلة التي تعانيها فاتن كنازحة في بيت أقارب زوجها، هي حالة الحرج الشديد التي يتسبب بها هذا الموقف أمام أفراد العائلة، والمؤلم أكثر فقدان طفلها لثقته بنفسه، خاصةً وأنه بات يقارن نفسه بأطفالٍ آخرين لا تحدث معهم المشكلة، ناهيك عن حالة الغضب الدائم والعصبية الشديدة التي يعيشها، ورغبته في ترك المكان والعودة إلى بيته على الفور، الأمر الذي يشكل عبئًا نفسيًا كبيرًا على كاهل أمه.

تكمل: "ليس هناك كهرباء كي يرى طفلي ما يحدث في قطاع غزة بشكل كامل، ولكنه يلعب أحيانًا على الجوال، وقد يشاهد مشاهد مؤلمة. في النهاية نحن نعيش في ظل أجواء حربٍ لا يمكن عزل الأطفال عن ظروفها وأحداثها، وبالتأكيد هو يشاهد صور الأطفال الشهداء، ويشاهد القصف في محيط المنطقة التي نزحنا إليها".

هي حرب أخرى يخوضها الصغار في هذه البقعة من العالم، "وكل ما يجري في قطاع غزة يؤثر على الواقع النفسي والسلوكي للأطفال" وفقًا للأخصائية الاجتماعية د.ختام أبو عودة.

وتوضح أبو عودة أن أطفال غزة، في ظل هذه الحرب الصعبة، هم الفئة الهشّة، التي تعايش ظروفًا ليست على قدر احتمالها، ما بين القصف الليلي والمتسارع، والاجتياحات، والاعتقالات، ومشاهد الدم والدمار والقتل والجثث المتناثرة. "وهذا يعني أنه من الطبيعي أن تنعكس هذه الظروف على سلوكيات الأطفال في قطاع غزة" تضيف.

وتتابع: "مشكلة التبول اللا إرادي لدى الأطفال الذين انتهوا من التدرب على التحكم في التبول ظهرت بنسبة عالية هذه الحرب، وبشكلٍ لافت، رغم أنها موجودة من قبل بسبب الحروب المتلاحقة وتأثر الأطفال بشكل كبير فيها منذ سنوات طوال"، مردفةً: "الكثير من الأمهات اضطررن لاستخدام الحفاضات لأطفالٍ كبار، وهذا له أثره الأسوأ على هؤلاء الأطفال، لا سيما لو عرف أقرانه بالأمر".

وبكل الأحوال -والحديث لأبو عودة- فإن أمهات الأطفال اللواتي تعرض أطفالهن لأزمة شبيهة، بتن يواجهن مشكلة ثقة الطفل بنفسه، وتزيد: "هناك ضرورة ماسة للاستماع إلى ما يعانيه الطفل، وتركه يتحدث عن مشاعره بحرية، والتعبير عما يجول بخاطره".

تظهر المشكلة أيضًا في مراكز الإيواء التي يكتظ الناس فيها كما تؤكد أبو عودة، فوجود العشرات داخل غرفة فصلٍ واحدة، وانتظار طابور من أجل دخول المرحاض يسبب حرجًا للأطفال، ويجعلهم لا يطلبون ذلك. وحتى حين لجأت بعض الأمهات لوضع "دلو" داخل الغرفة ليستخدمه الطفل، لم يكن حلًا فقد سبّب حرجًا إضافيًا للطفل أمام الموجودين.

وتختم: "ينبغي مراعاة مشاعر الخوف لدى الأطفال وتفهمها، واحتضان الأطفال قدر الإمكان لمحاولة الحد من مخاوفهم. يفاجئني لجوء بعض الأمهات لعقاب أبنائهن، أو لتوبيخهم، فهذه الحرب لم تمر على من سبقنا ولا أظنها ستمر على أحد".

اخبار ذات صلة
كاريكاتـــــير