شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الاحد 03 ديسمبر 2023م12:36 بتوقيت القدس

في مركز إيواء للنازحين برفح..

من رحم "الموت".. طفلٌ يرسمُ لـ"الحياة" صورة!

19 نوفمبر 2023 - 12:25

شبكة نوى، فلسطينيات: أحلام حماد غزة-نوى/فلسطينيات

لم يترك الطفل مصعب الصوفي نفسه "أسيرًا" للأوضاع القاسية في مركز الإيواء، الذي اضطر وأسرته للنزوح إليه من منزلهم القريب من السياج الأمني الإسرائيلي شرقي مدينة رفح جنوب قطاع غزة.

لا يتجاوز عمر مصعب الثانية عشرة، لكن هذه ليست المرة الأولى التي ينزح بها وعائلته المكونة من 13 فردًا، من منزلهم المتواضع الواقع في محيط منطقة المطار المُدمّر، وهي من المناطق المصنفة "خطرة" في كل العدوانات الإسرائيلية وجولات التصعيد التي تستهدف قطاع غزة منذ نحو 15 عامًا.

كان مصعب طفلًا في الثالثة، عندما نجا وأسرته من مجزرةٍ مروّعة ارتكبتها قوات الاحتلال في مدينته الجنوبية، خلال الحرب الإسرائيلية الثالثة على قطاع غزة في عام 2014م. في ذلك اليوم، انهمرت القنابل والصواريخ على رأس المدينة، جوًا وبرًا وبحرًا، وتكدّس سكانها في نصف المدينة الغربي.

في الحرب الحالية، غدا مصعب أكثر وعيًا بما يدور حوله، لقد مضى في رحلة نزوحٍ جديدة، هذه المرة أكثر اتساعًا، وبرفقة مئات آلاف الفلسطينيين المدنيين، الذين قَدِموا من شرق القطاع وشماله، وقد فاضت بهم المنازل ومراكز الإيواء في مدن وسط القطاع وجنوبه.

منذ اليوم الأول للحرب في السابع من شهر تشرين أول/ أكتوبر الماضي، يقيم هذا الطفل مع أسرته وآخرين من أقاربه داخل غرفةٍ صفيةٍ صغيرة في مدرسةٍ تابعةٍ لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وقد تحولت مثل عشرات المدارس الأخرى على مستوى القطاع إلى مركزٍ للإيواء؛ لاستيعاب الأعداد المهولة من الغزيين، الذين اضطروا على وقع الإرهاب والمجازر المروعة، إلى ترك منازلهم ومناطق سكنهم، خاصةً أولئك القاطنين في نصف القطاع الشمالي بمدينة غزة، وبلدات بيت حانون وبيت لاهيا ومخيم جباليا وقرية أم النصر.

كان منزل مصعب متواضعًا، تعصف به الريحُ من كل جانب، فلا تقوى ألواح الزينكو على مقاومة حر الصيف أو برد الشتاء، غير أن للنزوح الإجباري وقعه الصعب على النفس، حيث لا خصوصية ولا ذكريات في مراكز الإيواء، لكن هذا الطفل قرر صناعة عالمه الخاص، داخل المساحة الصغيرة التي لا يعرف إلى أي حدٍ سيطول المقام فيها، مع استمرار الحرب الشرسة على القطاع، للشهر الثاني على التوالي.

يقضي مصعب في زاوية من زوايا الفصل ساعات، مختليًا بنفسه، مفضلًا رفقة القلم وقصاصات الورق على مرافقة أقرانه من الأطفال ومشاركتهم ألعابهم التقليدية في ساحة المدرسة. إنه يعشق الرسم، ويستغل جل وقته في ممارسة هذه الهواية.

ينحدر مصعب من أسرةٍ متواضعة اقتصاديًا، لا تقوى على تنمية موهبته في مراكز مختصة، أو حتى توفير مستلزمات وأدوات الرسم له، فيأخذ بقلمه والقليل من الألوان المتوفرة، فيرسم ما يقع بين يديه من ورقٍ أو كرتون.

على جدار الفصل الدراسي رسم مصعب رموزًا وطنيةً وعلم فلسطين، وكأنه يقهر بموهبته الاحتلال، ويقول بألوان العلم الأربعة وليس بلسانه، ما قاله الشاعر الراحل محمود درويش: "على هذه الأرض ما يستحق الحياة.

قبيل اندلاع الحرب، كان مصعب يبني برجًا من الخشب، ثم يهدمه باستهدافه بقطعة خشبية كأنها "صاروخ"، ثم يعيد بناءه من جديد، وما بين الهدم والبناء كانت سيارات من الإسعاف صنعها هذا الطفل من الكرتون تجيء وتذهب لنقل السكان المفترضين في هذا البرج إلى المستشفى.

حتى هذا البرج، لم يسلم من شعواء الحرب إذ تحول لـ"وجبةٍ للنيران"، مع اضطرار أسرته إلى استخدام أخشابه لإعداد الطعام، من أجل التغلب على أزمة نفاد غاز الطهي، الذي تمنع دولة الاحتلال دخوله إلى القطاع ضمن أصناف الوقود الأخرى، في سياق حصارٍ مطبقٍ وعقوباتٍ جماعية بحق أكثر من مليوني نسمة في القطاع الساحلي الصغير.

أصاب الحزن مصعب عندما رأى أمه تشعل البرج تحت أرغفة الخبز، لكنه يقول: "تلاشى الحزن بعدما رأيتُ مشاهد القدر والدمار وانهيار المنازل والمباني فوق رؤوس ساكنيها من دون سابق انذار".

يتساءل مصعب ببراءة: "هل ذنبنا أننا فلسطينيون ونريد حياة كريمة وحرة؟". ربما لا يدرك هذا الطفل أن إجابة السؤال موجودة بين أحرف كلماته، وفي ألوان رسوماته، التي يركز بها على فلسطين، رموزها، وأرضها، وعلمها، فأمثال هذا الطفل هم المستهدفون لقتل أحلامهم في المهد، قبل أن تنمو ثورة.

اخبار ذات صلة
كاريكاتـــــير