شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الثلاثاء 10 ديسمبر 2024م00:40 بتوقيت القدس

مواطنون يشتكون..

مساحة الشاطئ المفتوح تآكلت و"الاستراحات ليست للمسحوقين"

بلدية غزة: من حقنا تأجير 50% وتحكمنا اتفاقية
25 سبتمبر 2023 - 13:09

قطاع غزة:

في بيتها القريب من البحر، تنظر زينب إبراهيم من النافذة إلى زرقة الموج وتتحسّر. إن عدد المرات التي زارت فيها الشاطئ خلال أشهر الصيف الأربعة لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، "فهذه النزهة مكلفة نوعًا ما بالنسبة لنا".

تفضل عائلة السيدة الأربعينية الاستمتاع بيومها على البحر كاملًا، بدءًا من شروق الشمس حتى غروبها، "لكن رغم ذلك أتأذّى من الأسعار التي تُفرض كرسوم استئجار في بعض الاستراحات، بخلاف الأمر لو نصب أبنائي خيمةً على الرمال في منطقةٍ ما على الشاطئ" تقول.

وتضيف: "في السنوات الماضية كان الأمر سهلًا، لكن هذا العام المساحات غير كافية. لا نأخذ راحتنا بسبب الاستراحات التي امتدت بصورةٍ جنونية مقابل مبلغ مالي لن يقل عن 50 شيكلًا كرسوم دخول فقط، بالنسبة لعدد أفراد عائلتي".

وتقصد زينب المنطقة التي تقع بجانب ميناء غزة، غربي المدينة، حيث تم استئجار الشاطئ قبل نحو عامين، ويتراوح إيجار الطاولة الواحدة بين 10 و20 شيكلًا بحسب عدد الأشخاص والكراسي اللازمة لهم.

في قطاع غزة، يعدُّ "تأجير الشاطئ" مساحةً مهمّة لحل جزءٍ من مشكلة البطالة في قطاع غزة على صعيد صنّاع القرار، وفرصةً مهمّة للباحثين عن فرص العمل، تحديدًا خلال فصل الصيف الذي يلجأ فيه أكثر من مليوني إنسان للاستجمام هناك، كون لا خيارات أخرى أمامهم تحت الحصار الإسرائيلي الممتد على مدار 17 عامًأ ونيف.

شبكة نوى، فلسطينيات: تتراوح قيمة الإيجار السنوي للاستراحات، ونقاط البيع، والأكشاك على كورنيش غزة وفق ما تحدده البلدية، بين 1500و1700 دولار سنويًا، وفق مساحة المكان المؤجَّر.

وعلى أهمية القصّة، ثمّة امتعاضٍ وشكاوى ربما توصف بـ"المحدودة"، لكنّها على بساطتها، تنهك قدرات عائلات بأكملها، كأن تذهب زينب، الأم لسبعة أبناءٍ وبنات، ومعها هم، وأولادهم إلى الشاطئ، فلا يجدون مكانًا "نظيفًا" على الأقل، يستجمون فيه هاربين من نار الصيف التي تلهب منزلهم المسقوف بالصفيح!

القصّة ذاتها يعاني منها المسن سعد ثابت، الذي اعتاد وزوجته الذهاب بشكل أسبوعي إلى شاطئ البحر. يجلسون على شرشف ويصحبون معهم مستلزمات "الرحلة" كما يسميها "من الموجود" في منزلِهما.

يشكو قائلًا: "في السابق كانت هناك مساحات مؤجّرة، لكنها قليلة وتسمح بالجلوس مرتاحًا وحولك مساحة خصوصية كافية، أما اليوم فلم أعد أعرف كيف أختار المكان! اكتظاظ الناس غير طبيعي بفضل الاستراحات المُستأجرة. وهذا يدفعنا للبحث طويلًا وأيًا كان المبلغ الذي يمكننا توفيره فنحن أولى به من أصحاب الاستراحة".

لا تكمن مشكلة الرجل في البحث عن مساحةٍ -كما يؤكد- بل بإلقاء القمامة، وعدم الاكتراث بالنظافة في غير أماكن الاستراحات، أو بالقرب منها. "لم يعد هناك أماكن نظيفة للجلوس والاستمتاع بمنظر البحر كما السابق (..) في الأساس كل رحلتنا لا تتجاوز الثلاث ساعات، فلماذا أُجبَر على دفع مبلغٍ فوق طاقتي لاستراحة فقط من أجل الجلوس فيها والاستمتاع بمنظر البحر المجاني افتراضًا".

"يا ليتهم لم يؤجروها!" فاجأنا ردّ طفل من الباعة على الشاطئ حين كنا نتحدث مع المُسن سعد، ليتابع كلامه: "نحن أكثر المتضررين هنا".

تبدو عليه علامات الإنهاك. ملامحه شاحبة، وبالكاد يفتح عينيه من شده حرارة الشمس، يحمل كرتونة فيها بعض المسليات ويربطها بحبل لتصل عنقه فتخفف قليلًا عن يديه!

ويقول: "أنا في عراكٍ دائم مع أصحاب الاستراحات الذين يمنعونني من التجول على الشاطئ وبيع الناس. أُضطر أحيانًا للدخول إلى البحر كي أسير بمسافةٍ تتجاوز المكان، ثم أكمل طريقي، وما أن ينادي عليَّ أحد الزبائن، حتى يأتي العمال ليصرخوا في وجهي "ممنوع". أخرج بعيدًا عن شاطئنا لتبيع الناس، فهنا الناس لا يرغبون بوجودك".

ويضيف: "أسعى على رزق عائلتي. يفترض أن الشاطئ حقٌ لجميع، لكنه في بلادنا صار للذي يدفع! الأمر مؤذ وأتمنى لو لم يؤجر".

في سياق هذه الشكاوى، تواصلت "نوى" مع بلدية غزة، ليرد الناطق الإعلامي باسمها حسني مهنا بقوله إن "المساحات المؤجرة على شاطئ بحر مدينة غزة، تشكل ما نسبته 20٪ فقط، أو أقل، من المساحة الإجمالية للشاطئ، ما يعني أن (80٪)؜ من المساحة غير مؤجرة، "وهي مساحة "ممتازة" لاستجمام المواطنين بحرية في فصل الصيف" يعلّق.

وبحسب اتفاقية إدارة الشاطئ بين البلدية وسلطة الأراضي، ووفقًا لمهنا، فإنه يحق للبلدية تلزيم (تأجير) 50٪ من مساحة الشاطئ، "لكن البلدية تسعى لتخصيص أكبر مساحة من الشاطئ كمساحات حرة" يستدرك.

ووفق حقوقيين، فإن الاتفاقية التي تحدثت عنها البلدية "غير معلنة"، وقد أبرمت بعد إشكاليةٍ تتعلق بتحصيل الإيرادات وتصنيف أراضي الشاطئ، "حكومية أم تابعة للبلدية أو أراضي وقف"، وعليه تم إبرامها كجزء من الحل وبشكل ودّي، وهذا يدفع للتساؤل حول النسبة التي تحدث عنها مهنا، وقانونيتها، وكيفية تقديرها أصلًا.

وبالعودة إلى مهنا، فقد أشار إلى أن أسعار تأجير الطاولات في الاستراحات، أو رسوم الدخول إليها، تترك البلدية تحديد أسعارها لأصحابها، "إذ يصعب إلزامهم بأسعارٍ معينة"، منبهًا إلى أن الأمر ليس من اختصاص البلدية.

وبحسب اتفاقية إدارة الشاطئ بين البلدية وسلطة الأراضي، ووفقًا لمهنا، فإنه يحق للبلدية تلزيم (تأجير) 50٪ من مساحة الشاطئ، "لكن البلدية تسعى لتخصيص أكبر مساحة من الشاطئ كمساحات حرة" يستدرك.

وتتراوح قيمة الإيجار السنوي للاستراحات، ونقاط البيع، والأكشاك على كورنيش غزة وفق ما تحدده البلدية، بين 1500و1700 دولار سنويًا، وفق مساحة المكان المؤجَّر.

ويتابع: "عملية تأجير المساحات على شاطئ البحر والكورنيش، تتناقص بشكل تدريجي ولا تتزايد وفق المعطيات في السنوات السابقة، لكن هناك العديد من التعدّيات على الشاطئ، تحاول البلدية بشكلٍ دائم إزالتها من أجل تنظيمه، والحفاظ على راحة المواطنين".

من جانبها، أكدت وزارة الحكم المحلي في قطاع غزة، أنها لم تتلق أي شكاوى بالنسبة للمساحات المؤجرة من قبل الناس، "وفي طبيعة الأمر، عادةً تصل الشكاوى من أصحاب الاستراحات نفسها، حول بعض الإشكاليات التي لم يستطيعوا حلها مع البلدية".

وأضافت: "ليس من صلاحيات عملنا مراقبة ما يحدث على شاطئ البحر، بخصوص المساحات المؤجرة، وغير ذلك فيما يتعلق بهذا الموضوع".

الشابة "ياسمين" التي اكتفت بذكر اسمها الأول، أشارت بالتزامن مع تصريحات "الحكم المحلي" بالقول: "ليس من عادة الناس هنا أن يتقدموا بشكاوى. بصريح العبارة، ربما أعداد كبيرة منهم لا يعرفون حتى حقوقهم في هذه البلاد، ولهذا يظنون أن الشاطئ كله يمكن أن يتحول لمشاريع خاصة، بينما هم لا يستطيعون فعل شيء إزاء ذلك".

وتعتب الشابة على المسؤولين الذين يرون ما يحدث من شرخ طبقي في المجتمع ولا يحاولون موازنته، فتتابع: "لم يعد هناك فئة متوسطة في هذا المجتمع. إما طبقة مسحوقة، يمكنها أن تستجم في مناطق مفتوحة مهملة من حيث النظافة والخدمات، ولا تتوفر فيها حتى سلال للقمامة، يمشي أهلها على رمال محشوة بالزجاج المكسور، وقشور بذر البطيخ ودوار الشمس وأوراق الشيبسي والبسكويت، وإما طبقة مخملية، تزور الاستراحات، وتدفع رسم دخولٍ عالٍ مهما بلغ عدد أفراد الأسرة. تشتري من مقاسم موجودة بداخلها ألذ المأكولات، ولا تكترث بالأسعار".

وتتساءل بحنق: "عن أي شكاوى يتحدثون؟ ولو أردنا الحديث عن العدالة، هل يمكن أن نقدم صورة البحر -وفقًا للمقارنة السابقة- كدليل على أن المسؤولين في هذه البلاد عادلون، حتى وإن كنتم تتحدثون عن 20% مؤجرة من مساحة الشاطئ بغزة لا غير".

ووفق قولها: "ليست كل مساحات الشاطئ تهتم البلدية بنظافتها، فقط مناطق الكورنيش، أو الميناء، أو المناطق التي يمكن أن تمر منها الوفود الدولية.. بالمختصر، واجهة البلد".

ويتحدث محمد حلس عن مساحات واسعة للاصطياف المجاني على شاطئ بحر مدينة غزة، بما يؤكد حديث مهنا عن المساحة المؤجرة، مستدركًا: "لكنها بعيدة كل البعد عن البؤر السكانية! في مناطق بعيدة للغاية عن سكان غزة المدينة، أو على حدودها بما يبعدها عن خيارات الناس، لارتفاع ثمن المواصلات إليها".

ويتابع: "أيضًا هناك مشكلة في نظافة تلك المناطق، التي تعد "شعبية" نوعًا ما، حيث لا توجد ثقافة الرمي في سلال مثبتة للقمامة، لعدم وجودها أصلًا، ولا يوجد توعية، كما أن عمال البلدية لا يصلون إليها إلا نادرًا، وهذا يتسبب في مكاره صحية على امتداد الشاطئ، بشكل يجعل هذا الخيار سيئًا للغاية"، مردفًا: "الناس هنا اعتادوا الشكوى لبعضهم البعض. لعلهم فقدوا الأمل في المسؤولين أصلًا، ولهذا يرون أن الشكوى لغير الله مذلة".

وتعقيبًا على قضية نظافة الشاطئ، يرد مهنا على الاتهامات بالتقصير بقوله: "تُنفذ يوميًا حملات نظافة على شاطئ البحر وكورنيش غزة، إما من خلال صناع الجمال أو من خلال المبادرات المجتمعية المنضوية ضمن مبادرة "كورنيش غزة نظيف"، التي أطلقتها البلدية بمشاركة مجتمعية واسعة، "وبإمكان أي شخص زيارة الشاطئ والتأكد من ذلك" يضيف.

أما فيما يتعلق بأن المساحات المفتوحة، غير المؤجرة، على شاطئ بحر غزة بعيدة عن المناطق السكنية، ينفي ذلك ويقول: "غير صحيح، لأن المساحات المفتوحة موزعة على طول الشاطئ، وعلى كورنيش غزة، ولكن قد يكون هناك تعديات من البعض على هذه المساحات، وتقوم فرق بلدية غزة بتنظيم جولات ميدانية لإزالة التعديات لترك مجال للمواطنين المصطافين الاستفادة منها".

وبرغم ما تتحدث عنه بلدية غزة بخصوص مساعيها لتطوير الأماكن المفتوحة، وإنشاء المناطق الخضراء، وملاعب الأطفال، والمماشي المخصصة للدراجات الهوائية والجري، ومناطق الجلوس والاصطياف الموائمة لذوي الإعاقة، تبقى شكاوى الطبقات المسحوقة أحقُّ بحلولٍ فوريةٍ جذرية، في وطنٍ يعاني فيه أهله جميعًا ويلات الحصار، والعدوان، والفقد والتدمير.

كاريكاتـــــير