غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
هُجِّرت الحاجة فاطمة شراكة من قرية "بيت نبالا" المحتلة عندما كانت عروسًا، ولم تصطحب معها سوى بعض فساتين زفافها وقمباز زوجها المعروف باللباس التقليدي الفلسطيني، وصيغتها التي كانت ترتديها إبان النكبة الفلسطينية عام 1948م.
وأقامت عائلة فاطمة في مخيم الجلزون برام الله. حينها لم تمتلك العائلة أي مصدر دخل، فقررت فاطمة بيع مصاغِها لفتح "ملحمةٍ" صغيرةٍ اعتاشت عائلتها منها، وبقيت حتى يومنا هذا.
نجح مصاغ فاطمة في حماية عائلتها من الفقر، وبعد فترة أراد زوجها مكافأتها، فاشترى لها زوجًا من "المباريم" كتعويض.
لما كَبُرت فاطمة حكت الحكاية لمجموعة باحثاتٍ يعملن في معهد الرواة للدراسات والبحوث ضمن مشروع "فضة زمان"، الذي يستند على توثيق التاريخ الشفهي الفلسطيني بالداخل والشتات، وهذه المرة تناول "حلي الجدات" التي يهدف المشروع لاستنساخها بالفضة، وكانت "مباريم" فاطمة واحدةً منها.
تحدثت فيحاء عبد الهادي مديرة المعهد لـ"نوى" عن آلية عمل المشروع فقالت: "خضنا سباقًا مع الزمن للعثور على نساءٍ عايشن فترة ما قبل النكبة والفترة الحالية، واستمعنا إلى رواياتهن، وقصصهن مع الحلي الفلسطينية التي تعد جزءًا من الذاكرة الجماعية الفلسطينية".
الأسئلة وفق فيحاء كانت تتركز مع النساء المهجرات، حول رحلة التهجير ذاتها، وفي الثنايا تُذكر الحلي، مثل: "بتذكري أيام البلاد؟ شو جابلك زوجك هدية يوم عرسك؟ شو أخدتي معك لما تهجرتي؟".
ويعتمد مشروع "فضة زمان" على جمع القطع الفضية التقليدية، التي كانت النساء والفتيات الفلسطينيات ترتديها أوائل القرن العشرين، وما قبل النكبة الفلسطينية، وقد استنساخها لعدة نسخ، استنادًا لصور الحلي التي ارتدتها الجدات قديمًا، أو لرواياتهن الشفهية ووصفهن لشكل الخاتم أو السوار أو القلادة.
التصاميم التقليدية ليست مجرد رواية، بل مصدر إلهامٍ لـتصاميم أخرى، حيث تم إنتاج قطعٍ إبداعية جديدة تربط الماضي بالحاضر، وتعكس الهوية والذاكرة التاريخية للبلاد، ولمواجهة كل ما سرقه وما يسرقه الاحتلال الإسرائيلي من التراث الفلسطيني بهدف طمسه.
تضيف فيحاء: "لكل قطعة تقليدية قصة صمود ترتبط بالأرض والوطن والعائلة، فالحلي لم تكن مجرد زينةٍ للجدات قبل النكبة. لقد كانت حياةً للبيت الفلسطيني، وأداةً مهمة من أدوات تعزيز صموده، خاصة أثناء اللجوء".
غالبية النساء عندما تهجّرن لم يحملن معهن سوى حليّهن، وعندما ضاقت بهنّ السبل قررن بيعها والاعتماد على ثمنها لتلبية متطلبات ولوازم أسرهن في الشتات، حيث لا مأوى ولا سكن.
وقد اكتشفت الباحثات أن بعض النساء كُنَّ يبعن جزءً من قطعهن التقليدية، ويحتفظن بجزء آخر كونه يشكل مكانة اجتماعية وذكرى غالية على قلوبهن، خاصةً إذا كانت "هدية" من عائلتها يوم زفافها، أو من زوجها. لذا كان فريق الرواة يجد فردةً من قرطين، أو اسورة واحدة من مجموعة أساور.
تشمل تصاميم "فضة زمان" كل ماله علاقة بالتراث والهوية الفلسطينية، فالحلى المصممة مستوحاة من أقراط، وقلادات، وأساور، وتصاميم على شكل رموز وطنية، مثل سوار "حنظلة" الذي يشير إلى المقاومة والصمود الفلسطيني، المستوحى من رسوم فنان الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي، الذي اغتيل في لندن عام 1987م، وكذلك قلادة "مفتاح العودة" التي كانت ارتدتها "فاطمة" أم شخصية "حنظلة" في رسوماته دائمًا، إضافة لقطع فضية منقوش عليها أسماء قرى ومدن فلسطينية.
ومن بين التصاميم قلادة وقرط (قول يا طير) المصممة من الفضة المطلية بالذهب، وتشير إلى الطائر، وهو رمز تناقل الحكاية الشفهية، والحفاظ على الذاكرة الفلسطينية من جيلٍ لآخر.
بعض المجوهرات كانت تتميز بارتفاع ثمنها مثل عقد 7 أرواح، وكان من أشهر التصاميم المصنوعة بتقنية وحرفية يدوية، وكان يُقدم في جهاز عروس بيت لحم، "يحتوي على 7 سلاسل وقطعة مركزية ثمينة. لم تقم الفتيات بإعادة تصنيعه كله، بل أخذت القطعة فقط وتم تطويرها بشكل يربط بين الماضي والحاضر" وفقًا لفيحاء.
يكتب فريق "الرواة" القطع الفضية التي أعيد إحياؤها أو الاستنساخ عنها بمهارة عالية الاتقان بثلاث لغات، العربية، والإنجليزية، والإسبانية، بحيث لو بُعثت كهدية، يُعرف أن مصدرها فلسطيني، لا سيما إن بيعت أو شاركت في المعارض.
وتباع قطع "فضة زمان" من خلال متجر إلكتروني عبر الإنترنت، وتجد إقبالًا من الفتيات اللواتي يفضلن اقتناء كل ماهو قديم من ريحة البلاد.