شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الاحد 03 ديسمبر 2023م12:29 بتوقيت القدس

مفقود في "درنة" برفقة زوجته وطفليه

"سلامي للجميع".. قالها "محمد" ثم جرفه "السيل"!

24 سبتمبر 2023 - 12:57

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

"كأنها القيامة".. بهاتين الكلمتين، وكثيرٍ من الدموع والأسى، وصفت نادية أبو جبل الأهوال التي حملها إعصار "دانيال" لمدينة درنة الليبية، فخطف أرواح آلاف الناس، وشتتهم بين قتيلٍ وجريحٍ ومفقود. كان بينهم نصف أسرة شقيقها محمد، الذي فُقد مع زوجته وطفليه، فيما نجا من أبنائه ثلاثة "بأعجوبة".

نادية من مواليد درنة، وعاشت فيها لنحو 45 عامًا، ثم غادرتها برفقة "البعض" من أفراد أسرتها إلى غزة في العام 2015م لأسباب عديدة. تقول لـ"نوى": "تفاصيل حياتي هناك كلها راحت في الفيضان والإعصار. شقيقي وأسرته، وصديقاتي، وجيراني، وأساتذتي، وطالباتي.. الدمار شمل كل شيء، درنة كلها ماتت، والسيول جعلتها مثل كف اليد، جرفت البشر والحجر والشجر".

منذ وقوع الإعصار قبل نحو أسبوعين ونادية لا تعرف من النوم إلا قليله، وتتلقى الصدمة تلو الصدمة، وهي تتشوق إلى خبرٍ يُطمئِن قلبها على شقيقها وأسرته، وأحبابها في درنة، التي وصفتها بأنها "جنة حولها الإعصار إلى مدينة أشباح"، غير أن الأخبار تتوالى عليها كالصاعقة، فعائلاتٌ بأكملها من جيرانها وأصدقائها ابتلعتها السيول، ولم يعد لها أثر.

وتشير الصور المؤلمة الواردة من درنة، التي تعرضت لهذه الكارثة على مدار يومي العاشر والحادي عشر من الشهر الجاري، إلى أن الإعصار نشر الموت في كل زاوية من هذه المدينة الساحلية شرقي ليبيا، ودمر في طريقه سدّين، ومسح أجزاءً واسعة منها عن الخارطة، وألقى بآلاف الجثث في البحر، حيث لا تزال فرق الإنقاذ تواجه صعوبات شديدة في انتشال جثث الضحايا، وتتقلص فرص العثور على ناجين أحياء.

"استيقظت في اليوم التالي على خبر وفاة أسرة شقيقي بالكامل. أخذت في متابعة الأخبار لحظة بلحظة، حتى تأكدت من نجاة 3 من أبناء أخي".

قبل وقوع هذه الكارثة بوقتٍ بسيط، كان أسامة أبو جبل على تواصل مع شقيقه محمد، وفجأةً انقطع الاتصال بينهما. يقول أسامة لـ "نوى": "استيقظت في اليوم التالي على خبر وفاة أسرة شقيقي بالكامل. غادرتُ عملي إلى المنزل وأخذت في متابعة الأخبار لحظة بلحظة، حتى تأكدت من نجاة 3 من أبناء أخي".

ولا يزال أسامة يتابع الأخبار الحزينة المتلاحقة من درنة، ويتواصل مع أصدقاء وجيران من الناجين لمعرفة مصير شقيقه وباقي أفراد أسرته، وهم من بين عشرات الأسر الفلسطينية التي لا تزال في عداد المفقودين.

وبحسب وزارة الخارجية والمغتربين، فقد أُحصي 23 فلسطينيًا من بين ضحايا الإعصار، "ونواجه صعوبةً بالغةً في تحديد أعداد دقيقة".

حكاية أسرة أبو جبل هي صورة من صور كثيرة لا تزال تتكشف عن الكارثة التي حلت بهذه المدينة. يحدث أسامة "نوى" بأن شقيقه محمد، وزوجته وأطفالهما، كانوا يحاولون الصعود إلى سطح البناية التي يقطنون بها هربًا من السيول المرعبة التي داهمت المدينة على ارتفاعاتٍ شاهقة، وبسرعة مخيفة.

كلما كانت المياة تغمر طابقًا من البناية، تسارع الأسرة للهرب بالصعود إلى الطابق الذي يليه، حتى دفعتهم السيول إلى السطح، الذي انهار بهم، ثم جرفتهم السيول.

كلما كانت المياة تغمر طابقًا من البناية، تسارع هذه الأسرة للهرب بالصعود إلى الطابق الذي يليه، حتى دفعتهم السيول إلى السطح، الذي انهار بهم، ثم جرفتهم السيول، "لكن القدرة الإلهية أنقذت 3 من الأبناء، الذين يبدو أنهم ارتطموا بحاجز ما، حال دون انجرافهم مع السيول" يقول.

وينقل أسامة عن شاهد عيان في درنة كيف دهمت السيول البناية، ووكيف انهارت بالأب محمد وهو مدير في شركة الأشغال العامة، وزوجته هنادي معلمة الرياضيات، ولا يزالا مفقودَين برفقة طفليهما إيمان وإسلام، فيما نجا ثلاثة وهم: هاشم وتسنيم وأحمد، ويقيمون حاليًا في بيت أحد الجيران.

وبحسب هذا الشاهد وآخرون، فإن البحر تحوّل إلى "مقبرةٍ جماعية"، وقد ابتلع بنايات سكنية بساكنيها، فيما تحولت سيارات إلى توابيت لأصحابها الذين كانوا يحاولون الهرب بأنفسهم لحظة وقوع الكارثة، غير أنهم وجدوا أنفسهم محاصرين داخلها وحولهم أمواج من مياه السيل التي جرفتهم إلى أعماق البحر.

ومع مرور الوقت، ورغم تلاشي الفرص شيئًأ فشيئًا بالعثور على ناجين، إلا أن أسرة أبو جبل في غزة لا تزال متمسكةً بأمل العثور على المفقودين من بين الناجين من هذه الكارثة.

وتطالب إيمان، شقيقة محمد أبو جبل، بتأمين وصول الناجين الثلاثة من أسرة شقيقها إلى غزة لاحتضانهم وتربيتهم.

تطالب إيمان، شقيقة محمد أبو جبل، بتأمين وصول الناجين الثلاثة من أسرة شقيقها إلى غزة لاحتضانهم وتربيتهم.

قبل نحو ساعتين من وقوع الإعصار، وعند الساعة 12 ليلاً، كانت إيمان على اتصال مع شقيقها محمد. تركَّزَ الحديث بينهما عن الأخبار المتداولة عن الإعصار، والأمطار الغزيرة التي سبقته، وأجبرت أهالي درنة على ملازمة منازلهم، حينها كان آخر حديثه لها: "سلامي للجميع، وما تقلقوا احنا بخير".

تضيف: "عند الساعة 2:30 فقدنا الاتصال به تمامًا، وما زلنا بانتظار اتصال يُطمئِنُ قلوبنا على المفقودين والناجين". وتصف حالها وحال أسرتها في غزة بالقول: "كالغريق المتعلق بقشة"، يتلهفون لأي خبر يردهم من درنة يحمل معه بشرى خير عن شقيقها وأسرته.

وبحسب تقديرات رسمية لوزارة الخارجية الفلسطينية فإن نحو 50 ألف فلسطيني يعيشون في ليبيا، الثلث منهم على الأقل يقيمون في المناطق الشرقية، الأكثر دمارًا جراء الإعصار والسيول.

كاريكاتـــــير