شبكة نوى، فلسطينيات: بعد قليلٍ من التفكير لم تستطع لومَه. إنه طفلٌ بالكاد يصل طوله مترًا واحدًا بين عمالقة الصف الثالث الابتدائي الذي يدرس فيه بإحدى مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "انروا". عاد من المدرسة دون أن يكمل كتابة ما كتبَتْه المعلمة على السبورة في درس الرياضيات، وأخبرها: "ما كنتش شايف إشي عن اللوح، الأنطي كانت مقعداني ورا".
يدرس في صف "عبد الحميد" (9 سنوات) بالإضافة إليه 47 طالبًا وطالبة، يجلسون متكدّسين "ثلاثة في كل مقعد"! تقول أمه: "يعود وقميصه يقطر عرقًا. لقد جمعت المعلمة منه ومن زملائه منذ بداية العام مبلغ 2 شيقل لشراء مروحة على عامود، وبالفعل اشترتها لكنها تثبتها ناحيتها طوال الوقت أثناء الشرح كما يقول لي ابني".
ليست أم عبد الرحمن وحدها تشتكي من التكدس الحاد في فصول الطلبة بمدارس قطاع غزة، خاصة في ظل ارتفاع درجات الحرارة، وغياب وسائل التبريد، وعدم نفعها إن وجدت بسبب الانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي، فعشرات الأمهات والآباء قابلتهم "نوى"، أشاروا إلى معاناة أبنائهم وبناتهم في مدارس وكالة الغوث، والمدارس الحكومية أيضًا من ذات المشكلة.
تضيف السيدة: "حتى على مستوى الفهم، كيف يمكن أن تصل المعلومة بوضوح لهذا العدد الكبير من الطلبة؟ إنها مشكلة كل عام، يعود طفلي من المدرسة، فأتولى دور المعلمة من جديد، وأعاود الشرح له في كل المواد. بصراحة لا أعرف كيف يمكن أن تُحل هذه المشكلة".
وتخشى الطالبة سلمى حميد (13 عامًا)، من سكان حي الشجاعية شرقي مدينة غزة، تراجع مستواها الدراسي للعام الجاري، بسبب عدد الطالبات في صفها، كما حدث العام الماضي. تقول: "كان عدد الطالبات كبيرًا جدًا، والمعلمة لا تستطيع موافاتنا جميعًا بالشرح إذا فاتنا شيء. ناهيكم عن الإزعاج والتمتمات الجانبية التي تفقدني التركيز مرارًا خلال الحصة".
ويضم فصل سلمى، نحو 45 طالبة، تضيف: "حتى مساحة الساحة تقلّصت، بسبب بناء غرف صفّية زيادة نتيجة ارتفاع عدد الطلبة المنتسبين إلى المدرسة، وهذا حرمَنا من البحبوحة في فترة الراحة بين الحصص".
ويتحدث والد سلمى، عن المشكلات التي قد تنجم عن اكتظاظ الفصول بالطلبة، وأهمها عدم قدرة المعلمة على التجول بأريحية بين المقاعد، وبالتالي عدم متابعة الطلبة في آخر الصف، ناهيكم عن مشاكل الانضباط، والعراكات بين الطلبة وارتفاع مستوى الضوضاء، الذي ينعكس بالضرورة على نفسية المعلمة، وقدرتها على المتابعة ومواصلة الشرح.
وزاد: "ابنتي قادرة على المواكبة، وما يفوتها في الحصة يمكنها تعويضه بالدراسة البيتية، لكن المشكلة تكون كبيرة بالنسبة للطلبة الذين يعانون أصلًا من صعوبات في التعلم. كيف سيكون مصيرهم في امتحانات نهاية الفترة؟".
بدورها، تتحدث معلمة رفضت ذكر اسمها، عن الواقع الصعب داخل الحصص بسبب عدد الطلبة الكبير، فتقول: "أصل إلى مرحلة أفقد فيها التركيز تمامًأ، بسبب انتباهي للسلوكيات التي تصدر عن الطلبة المتكدسين في المقاعد. هذا ضرب هذا، وذات شتم آخر، وثالث يقول إن زميله أخذ مسطرته".
ترى المعلمة ذلك "إنهاكًا" لقدراتها المهنية والنفسية، وتضيف: "أعاني من بحّة دائمة في صوتي، ناهيكم عن الضغط العصبي الذي أفرغه في بيتي وبين أولادي بسبب كثرة كلامي طوال اليوم. التكدس في الفصل الذي أُدرس فيه الطلبة استنزف طاقتي".
وفي تصريحات صحفية، للمدير العام للعلاقات العامة والتعاون الدولي في وزارة التربية والتعليم، أحمد النجار، قال: "نعاني من مشكلة زيادة الكثافة الطلابية داخل الفصول الدراسية، خصوصًا في منطقة الشجاعية شرقي مدينة غزة".
وأكد أن الوضع الاقتصادي يحول أمام قدرة وزارة التربية والتعليم على حل المشكلة، أو تشييد مدارس جديدة، مبينًا أنها (الوزارة)، تحاول تحديد أعداد الطلبة في الفصل الواحد بما لا يؤثر على جودة التعليم بما معدله 40 إلى 45 طالبًا وطالبة في المناطق المكتظة".
وأشار إلى مواصلة الوزارة، العمل للتغلب على مشكلة الأعداد الكبيرة للطلبة، من خلال افتتاح بعض المدارس الجديدة التي تعمل بنظام الفترتين، وتوسعة بعض المدارس القائمة عبر إضافة فصول دراسية جديدة.
ونبّه الناطق باسم (انروا) عدنان أبو حسنة، في تصريحات صحفية سابقة، إلى أن "انروا" لجأت في كثيرٍ من الأحيان إلى رفض قبول انضمام آلاف الطلبة لمدارسها، بسبب تفاقم مشكلة الاكتظاظ الطلابي، "كما أنها لجأت لاستخدام الغرف الحديدية المتنقلة، واستئجار عدد من المدارس الحكومية؛ لتقليل الاكتظاظ، كحلٍ جزئيٍ ومؤقت".
ومع بدء العام الدراسي الجديد، التحق أكثر من (625) ألف طالب/ــة بمقاعد الدراسة في قطاع غزة، منهم (305) آلاف في مدارس حكومية، ونحو (300) ألف في مدارس "انروا"، و(21) ألفًا آخرون بمدارس خاصة، فيما بلغ عدد المدارس الإجمالي 803 مدرسة، بحسب وزارة التربية والتعليم بغزة.