غزة:
صفق الجمهور بحرارة عندما أُسدل الستار على آخر مشاهد فيلم "من بين الركام"، الذي عُرض خلال فعاليات مهرجان "بيدي" للأفلام القصيرة الذي تنفذه كلية الإعلام التابعة لجامعة الأقصى بمدينة غزة للعام الثالث على التوالي!
الفيلم وهو من إخراج الطالب "يامن عويضة"؛ حاز المركز الأول بين 42 فيلمًا طلابيًا خاضوا السباق لترشيح الفائزين العشرة، الذين تم تكريمهم في ختام المهرجان بحضور لفيفٍ من أساتذة الجامعات، وممثلين عن وسائل إعلام محلية ودولية.
ويحكي الفيلم الفائز، معاناة عائلة "نبهان" التي تقطن شمالي قطاع غزة، وأغلب أفرادها من ذوي الإعاقة، إذ استهدف الاحتلال منزلهم بالقصف خلال عدوانه في مايو/أيار 2023م، وشرّدهم إلى حيث أصبحوا بلا مأوى.
على وقع أهازيج الدبكة الشعبية التي قدمّتها الفرقة الوطنية، وأغنيات وألحان فرقة "السنونو"، استمتع الجمهور بالصوت الفلسطيني الأصيل المفعم بالأغاني التراثية، التي أعقبها فقرة إعلان أسماء أفلام الفائزين العشرة، الذين حددتهم لجنة تحكيم مشكّلة من ثلاثة مخرجين ذوي خبرةٍ وباع.
يامن عويضة الذي تلقّى تكريم الفوز برفقة والدته، قال لـ"نوى": "منذ بدأت العمل على الفيلم وعيني على المركز الأول. صوّرتُ العديد من القصص في فترة التحضير للمهرجان، لكن وقع اختياري في النهاية على هذه القصة، لأنها كانت أكثر واحدة أثرّت في نفسيتي، وودت أن أوثق ما حلّ بأصحابها".
سبق وحصد يامن (22 عامًا) المركز الثاني ضمن مسابقةٍ لطلبة الجامعات عقدتها "سلطة جودة البيئة" حول البيئة في فلسطين، وبترشيحٍ من الجامعة، لهذا كان شغفه هذه المرة المركز الأول.
ويطمح الشاب الذي خاض تجربة العمل التلفزيوني منذ كان في سن 18 عامًا، إلى المشاركة في مهرجانات خارج فلسطين بهدف المساهمة في نقل الرواية الفلسطينية للخارج.
وتسلط الأفلام الفائزة الضوء على ضحايا العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وخاصة من ذوي الإعاقة.
يقول المخرج، وعضو لجنة التحكيم، مصطفى النبيه لـ"نوى": "الأفلام التي تم عرضها تتناول أحوال قطاع غزة، وضمن 42 فيلمًا طُرحت العديد من القصص الإنسانية التي ركّز عدد منها على ذوي وذوات الإعاقة، وهذه لفتة مسؤولة وواعية من قبل الطلبة"، مردفًا: "غزة مليئة بالأفكار، والمشاركون التقطوا أفكارًا مهمة".
وتابع: "عند التحكيم تكون معاييرنا واضحة، بدءًا من الفكرة والسيناريو وتقنية الإنتاج والتصوير. هناك تطوّر كبير في قدرات الطلبة ومهاراتهم وهذا كان ملفتًا بالنسبة لنا".
وشدد النبيه على أهمية هذه المهرجانات، ودورها في تشجيع الطلبة للانخراط في بيئة العمل، وتوعية المواطنين أكثر بهموم الوطن، مضيفًا: "هذه الأفلام هي وسيلة لنقل الرسالة الفلسطينية للخارج في حال شاركت في مهرجانات دولية أيضًا".
"إلى النور" هو عنوان الفيلم الحاصل على المرتبة الثالثة، للطالبة سيرين أبو عمشة، ويحكي قصة فتىً من ذوي الإعاقة البصرية، فقد بصره جزئيًا عندما كان في سن 6 سنوات. حاولت عائلته علاجه عبثًا فعاش على نصف نظر، لكن عندما حدث الهجوم على حي الشجاعية عام 2014م، ونتيجة للغازات السامة التي أطلقتها القوات الإسرائيلية على المدنيين العزل، فقَدَ ما تبقى من بصره، وأصبح كفيفًا تمامًا.
تروي الطالبة سيرين لـ"نوى": "سمعتُ بقصته خلال حديثٍ دار بيني وبين وزميلاتي، سألتُ مشرفي إن كانت القصة مناسبة فأخبرني بضرورة الاجتهاد للوصول إليه والتواصل معه. بالفعل الأمر استغرق مني بعض الوقت، لكن الحمدلله تحقق المراد".
تشعر سيرين بالرضا إزاء حصول الفيلم على المركز الثالث، عادةً ذلك انتصارًا لقصة الفتى الذي واجه تبعات فقدان البصر، ورغم ذلك يسجل اليوم حضورًا اجتماعيًا مهمًا بصوته الجميل كمؤذن، كما يشارك في حلقات المديح النبوي.
في افتتاح المهرجان على خشبة مسرح المركز الثقافي الاجتماعي الأرثوذكسي، أشار رئيس الجامعة أ.د.أيمن صبح، إلى أن المهرجان الذي عقد بنسخته الثانية العام الماضي، كان محوره المخيم، لكنه في نسخته الثالثة اليوم، يحمل محور غزة، "ليعرض أفضل ما أنتجه طلبة الإعلام على مدار أربعة أشهر من العمل".
وأكد صبح أنه تم تقديم كل الإمكانيات اللوجتسية والتقنية للطلبة من أجل إنجاز أفلامهم، "فهو عمل طلابي، أُنتج في استوديوهات الكلية، وتحت إشراف طاقمها الأكاديمي، لينتقل الطلبة فعليًا من النظرية إلى التطبيق" يعقب.
بدوره، قال عميد كلية الإعلام د.غسان حرب: "هذا المهرجان هو وفاء بالوعد الذي قطعناه العام الماضي عقب مهرجان "المخيم"، وهو توثيق لإبداعات طلبة كلية الإعلام، إذ يسلط الضوء على قضايا يعاني منها المجتمع فعليًا".
وأضاف: "هدف هذا الإنتاج هو وضع الطلبة في صورة طبيعة بيئة العمل في المؤسسات الإعلامية. لقد أرادت كلية الإعلام من ذلك، العمل على إيجاد جيل إعلامي قادر على حمل الرسالة".
أما رئيس قسم الإذاعة والتلفزيون ورئيس المهرجان، د.محمد أبو زايد، فقال "إن طبيعة النسخ الثلاث ركزت على محاور تلامس المجتمع الفلسطيني وهمومه، وهذا العام يهدف المهرجان لتسليط الضوء على قضايا إنسانية واجتماعية ووطنية في قطاع غزة".
وتابع: "عملية الإنتاج تتم باختيار الفكرة ثم الموافقة عليها من قبل المشرفين، وكتابة السيناريو، وبدء عملية التصوير، وكلها بيد الطلبة، في محاولةٍ لخلق جيلٍ شبابيٍ قادرٍ على مواجهة الحصار وتبعات المرحلة، والمشاركة في مهرجانات خارجية مثلما حدث حين شارك فيلم "حلم مبتور" للطالب عامر أبو عمرو، الذي حصل مؤخرًا على جائزة دولية".
تكريم عامر أبو عمرو الذي حصل فيلمه "حلم مبتور" على جائزة دولية
تكريم الطلبة الحاصلين على المراكز العشر الأولى