شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الاحد 06 اكتوبر 2024م16:12 بتوقيت القدس

مجدي عرعراوي (90.4%)

"امتياز" لشهيد جنين.. وقبرٌ لـ"الفرح" في قلب أمه!

20 يوليو 2023 - 14:57
والدة الشهيد مجدي تستقبل نتيجته عند قبره (وكالات)
والدة الشهيد مجدي تستقبل نتيجته عند قبره (وكالات)

غزة- جنين/ شبكة نوى- فلسطينيات:

على حافة قبره تسند قلبها. هنا يمكث الحبيب الذي تركها قبل أن يكتمل حلمه! "مجدي" المتفوق الذي وعدها بأن يصبح مهندسًا للإلكترونيات إذا حصّل معدلًا عاليًا في الثانوية العامة يمكث هنا، في قبرٍ لا تصدق أمه -حتى اليوم- أنه صار بيته ومآله.

غسلت أم مجدي قلبها قبل الفجر، وبكت كثيرًا، فاليوم كان يفترض أن تكون في بيتها سيدة الفرح، وهي تستقبل المهنّئين بنجاح ابنها وتفوقه في الثانوية العامة- الفرع الصناعي.. تمامًا كما عوّدها في كل عام! اليوم بحثت عنه في زوايا البيت فلم تجد إلا بعضًا من ذكرياته، وضحكاته البريئة التي ربّتت على قلبها وهمست: "اطمئني.. سأرفع رأسك حتى وأنا تحت الثرى". لم تجد نفسها إلا وهي عند قبره تراقب هاتفها، ومن حولها إخوته وأهلها يمسحون رأسها، ويطبطبون على الوجع. لحظاتٌ فقط ورنت نغمة رسالة: (ناجح: 90.4).

لا يمكن وصف المشهد وقتها. حول القبر كان الكل يتمتم "الله يرحمه، رافع راسنا حي وشهيد" بينما أنّاتها هي تعصر القلب قهرًا. تبكي وتصرخ "حبيبي يما، يا روحي يا حبيبي". على ظهر القبر صورته، وعلب حلوى، وزهور ملونة، ودعوات أمٍ لم تعرف كيف باغتها هذا الألم كله.. في لحظةٍ واحدةٍ فقدت الشعور بكل شيء، حتى بالفرح، عندما غادرها مجدي ورحل.

مجدي عرعراوي، ابن مخيم جنين، شهيد الثانوية العامة الذي وزّعت محلات الحلوى في مسقط رأسه عن روحه "حلاوة الفرح"، وزغردت النساء لأمه عندما اعتلى مرتبة التفوق "شهيدًا" وفق ما شاء له القدر. حصل على معدل امتياز، وأثبت أن سيرة الشهيد لا تموت بانقضاء عمره على أرض فلسطين.

في غرفته البسيطة، وعلى مفرش الطاولة المزخرف، لا يزال خط يده يحكي كيف تعب لأجل نيل الشهادة، فهنا دعاء "تسهيل الصعب"، وهناك عبارات تحفيزية كمثل (من جد وجد)، وعلى الحائط جدول الامتحانات، وخطة الدراسة.

تقول أمه: "كان يخطط لهذا اليوم حبيبي. كيف سيكون شكل الفرحة؟ كيف سيعانقني، وكيف سيدعو أصدقاءه إلى وليمة؟ من أين سيشتري الحلوى؟ وكيف سيفاجئنا بالنتيجة؟"، مردفةً بالقول: "كان يحلم بدراسة هندسة الإلكترونيات، ويسعى لأن يتميز فيها، لكن الاحتلال أجهز على كل شيء.. قتله وقتل حلمه معه".

تصمتُ قليلًا ثم تواصل الحديث بغصة: "لا يسعني إلا أن أقول له اليوم: ألف مبروك يا حبيبي، فزت بشهادة الدنيا والآخرة، وإن شاء الله بنجتمع في جنان النعيم يا عمري.. آمين".

بدا مجدي كمن يمضي في حياةٍ جديدةٍ يوم انتهى من تقديم آخر امتحانات الثانوية العامة. "لقد تعب كثيرًا" تضيف أمه التي ذكرت أنه عاش حياته "مسؤولًا" منذ وفاة والده بسبب مرض السرطان عندما كان عمره 11 عامًا، "لكنني أبدًا لم أتخيل أنه سيتركني هو أيضًا" تستدرك.

"كان نور أيامي" تضيف، "وكان يطمح للتفوق كي يوفر مصاريف الجامعة، ولا يكلفني فوق طاقتي فيما يتعلق بدراسته. كان يقضي أكثر من 10 ساعات في اليوم بغرفته يدرس.. كنتُ أعرف ذلك، ولطالما أخبرته أن لا يضغط على نفسه كثيرًا، وأن الله سيُقدر الخير" تتابع.

استشهد مجدي مع بدء العدوان الإسرائيلي الأخير على مخيم جنين، فجر الثالث من تموز/ يوليو الجاري، عندما ترك منزله في "حارة الدمج"؛ ليراقب الأحداث في الخارج.

حاول إنقاذ صديقه فأصابته ثلاث رصاصات واحدة في الصدر والأخرى في الرقبة والثالثة في الفخذ.. وسقط شهيدًا

لم يكن وجود القناصة واضحًا على أسطح المنازل آنذاك، فكانت الرصاصات تتساقط فوق رؤوس الشبان والفتية في مثل عمره كما المطر. فجأةً أصابت رصاصةً زميله علي الغول، فلم يستطع تركه في الشارع ينزف، سحبه رغم الخطر إلى زاويةٍ آمنة وقدم له الإسعافات الأولية، لكن القدر لم يمهله. ثلاث رصاصاتٍ أصابته تباعًا، الأولى في صدره، والثانية في رقبته، والثالثة في فخذه أردته على الأرض شهيدًا.

هكذا يُعدِم الاحتلال "براءة الطفولة"، و"أحلام الفتية"، و"مستقبل الشباب".. هكذا أُعدم مجدي بدمٍ بارد، وهكذا أُعدمت فرحة أمه اليوم، في عرسٍ زغرد فيه الوطن وفاءً لتفوق الشهيد.

ومن الجدير ذكره، أن مجدي عرعراوي هو أحد ثلاثة طلاب استشهدوا برصاص قوات الاحتلال خلال العدوان على المخيم، إضافةً إلى الطالبين الشهيدين: مصطفى قاسم من مدرسة ذكور فرحات الثانوية، وعبد الرحمن صعابنة من مدرسة ذكور فحمة الثانوية.

كاريكاتـــــير