شبكة نوى، فلسطينيات: شاعرةٌ فلسطينيةٌ شابة، وُلدت تجربتها من سنابل اللغة في أربعة مواسم. لم تسمح للريح أن تتغوّل فتصد رغبتها عن مواصلة مشوارها الأدبي، والغوص في خزائن معرفته، فرفعَت اسمها على علم الطموح، وحصلت على جوائز عديدة، محلية ودولية، آخرها كانت جائزة أنطوان سعادة للآداب، عن مخطوطةٍ شعرية بعنوان "انتماءً للنهار".. إنها مريم قوّش.
تعرف نفسها بابنة المخيم، ببرتقاله، وزيتونه، وأحلامه المؤجلة. كتبت لفلسطين، وعنها، ولأجلها، ودرست في مدارس النصيرات، وتخصصت في الأدب العربي. فتاةٌ يانعةٌ تهتم بالفنون التشكيلية والأدب والنقد.
كان لنشأتها في قطاع غزة دورًا كبيرًا في بناء شخصيتها الأدبية وبناء هويتها الثقافية، "فأن تعيش في هذه المدينة بكل تناقضاتها، ومفارقاتها، يؤثر في الشخصية ولا بد. ليس فقط في الشخصية، بل بالبنية الأدبية والفكرية والكتابية، وهو ما جعل الكتابة كلها من أجل فلسطين ولها" تقول لـ"نوى".
وترى قوّش أن قضية حصد الجوائز في مجال الشعر، من داخل هذه البقعة المحاصرة، يضعها أمام تحديات كثيرة. تضيف: "في كل مرة أحصد جائزة أجد نفسي أمام تحدٍ جديد، بأن أقدم شيئًا جديدًا مختلفًا في المرة القادمة، لغة أخرى، قصيدة متفردة، وهو ما لا يأتي من فراغ، وإنما يتأتى عبر قراءةٍ واعيةٍ مكثفة للقصيدة العربية، والغوص في أعماق الأدب العربي. أمرٌ يضعني أمام مسؤولية أكبر بالحفاظ على هذا المستوى".
وتزيد: "نيل ثقة القارئ ليس بالأمر السهل. أن تقدم ما يليق بالثقافة الفلسطينية والعربية يتطلب جهدًا إضافيًا من المبدع ليثبت بأنه يستحق أن يكون حاضرًا بفكرته وقصيدته، ليس فقط على المستوى المحلي ولكن العربي والإقليمي"
في عام 2019م حصلت مريم قوّش على جائزة البحر المتوسط للشعر من روما، التي سبقها لها محمود درويش وفدوى طوقان، وفي العام 2021م حصلت على جائزة دولة فلسطين التشجيعية عن ديوانها "كما يمشي القطا"، وفي العام نفسه حصلت على جائزة مؤسسة فلسطين الدولية في عمان عن ديوان (رسائل إلى البرتقال)، وفي العام 2019م حصلت على جائزة "جابوتش" وترجمت قصائدها الفائزة للغة اليابانية، كما تم اختيارها ضمن أكثر من 28 شخصًا أكثر تأثيرًا في فلسطين.
وتصف قوش القصيدة بأنها قراءة واعية للمستقبل. الشاعر يقرأ الكون ببصيرته ويكتبه بإحساسه، إذ يفرض الشعر نفسه بجلاله وسلطانه وتجليه، حسب الموقف الذي يمر به على الشاعر، فنجد القصيدة تتنوع بين الوطني والسياسي والأسطوري والرمزي والرومانسي.
أما تعريف القصيدة فهو كما تقول: "نتاج تجارب ذاتية في مخمل الذاكرة، تختلط بما أعيشه من ظروف في هذا المجتمع، فالشاعر شخص من المجتمع يتأثر ويؤثر به، فتأتي القصيدة كتلاقح فكري بين الذات المفردة والمجتمع الذي نعيش به، فتخرج متنوعة ومشكلة".
تؤمن قوش أن القصيدة الأعمق هي "ذات المرايا المتباينة"، تلك التي تُقرأ من عدة زوايا، وهو ما يميز القصيدة العربية، وتفردت به القصيدة الفلسطينية المعاصرة على وجه التحديد، حين خرجت من عباءة الذاتية إلى عباءة الموضوعات العامة بحنكة وريادة وفلسفة جميلة في الكتابة والتنقل من موضوعٍ لآخر بحرفيةٍ كبيرة، وقدرة على الدمج بين الذات والوطن.
تفضل قوش الكتابة في أجواء هادئة حدَّ الصمت، فتجدها في وقت الصبح بأصوات عصافيره، ورائحة الفجر، قادرة على فتح سراديب الكتابة ودروبها المبهرة. بوسعها أن تجعل الكتابة أكثر إشراقًا، وأن تمنح القصيدة عبق اللغة فتنضجها على نار هادئة لتعطي أجمل النتائج.
وعن ديوانها رسائل البرتقال تخبرنا: "هو مجموعة رسائل للمدن الفلسطينية التي لم أرها أو أسمع عنها إلا في الأخبار العاجلة. كانت رسائل من القلب بعطر البرتقال والليمون، فنحن نسمع أسماء مدن بلادنا في الأخبار ولا نعرف عنها شيئًا".
وفي تفصيل عنوان ديوانها: (كما تمشي القطا) الذي حصل على جائزة فلسطين التشجيعية، تقول: "كانت فلسطين جوهر الفكرة في هذه القصيدة، فقد شبهت حركة الفلسطيني المغترب بالقطا، وهو طائر الشنار المعروف بمشيته الحذرة المترقبة القلقلة، وكلها يعيشها الفلسطيني المشتت في بقاع الأرض منذ أكثر من سبعة عقود".
ورغم أن قوّش حصدت العديد من الجوائز الدولية، إلا أنها لم تحظ حتى اليوم بأي مشاركة خارجية تمثل من خلالها فلسطين، وهو ما تتمنى أن يتحقق قريبًا، ففلسطين كما تراها تستحق أن تحمل أحلامها للعالم، وأن تمثلها في المحافل الدولية ذات الشأن الثقافي.