شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الخميس 02 مايو 2024م16:36 بتوقيت القدس

من ذوات الإعاقة و"ملهمة" من نوعٍ مختلف

"أحلام بشارات".. اتّكَاءة "الأمل" على كتف "المستحيل"

12 يونيو 2023 - 15:11

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

 "العالم مليءٌ بالمعاناة، ومليءٌ أيضًا بقصص النجاح"، تُذكّر أحلام بشارات نفسها كل صباحٍ بهذه العبارة، وتنطلق نحو يومٍ جديد، تعاهد فيها نفسها ألا يمرُّ إلا ولها فيه أثر.

تترك سريرها، وتتكئ على عكّازيها لتبدأ روتينها اليومي: تنظّف البيت، وتعد وجبة الفطور، وتغسل الصحون، وتجهّز أطفالها للذهاب إلى مدارسهم، ثم تقود السيارة لتوصل زوجها وأطفالهم إلى وجهاتهم، وتسير نحو هدفٍ جديد، ونشاطٍ مجتمعيٍ تحقق من خلاله إنجازًا جديدًا مثل أن تقف بشموخً في جلسات التنمية البشرية، وتحكي قصتها وهي تضحك.

الملهمة أحلام بشارات (36 عامًا) من "طمرة" بالجليل الأعلى الفلسطيني المحتل، هي زوجة وأم لثلاثة أطفال، وتعاني من إعاقةٍ بدأت تظهر على جسدها منذ كانت بعمر 3 سنوات. اكتشفها الأطباء بعدما تعرّضت لحادث، فتمَّ تشخيص حالتها بهشاشة العظام المفضية إلى الحرمان من المشي فيما بعد.

تروي حكايتها بالقول: "بقيت مقعدةً تمامًا ملازمةً للكرسي المتحرك حتى أصبح عمري 15 سنة، وهذا تسبب لي بضعفٍ في نمو الجسم (..) كان أهلي في البداية يتعاملون معي مثلما يتعاملون مع الزجاج. يخافون عليّ من أي حركة خطأ، ولهذا منعوني من الذهاب إلى المدرسة في البداية كنوعٍ من الحرص لا غير".

هذا تسبب في وضعٍ نفسيٍ صعبٍ للفتاة التي كانت وقتها رافضةً لفكرة الحبس داخل جسدٍ عليل. بدأت أول مراحل التحدي لديها عندما أصرّت على العودة إلى المدرسة، والتعالي على كل محاولات التنمّر من قبل الطلبة هناك. تضيف: "منهم من كان يخاف الاقتراب مني أواللعب معي، ومنهم من كان يرميني بالكلام الجارح على الدوام، لكن حبي للتعلم، ودعم المدرسين كان يعطيني القوة كي أستمر".

بعد وصول أحلام للثانوية العامة، قررَت التحرر من الكرسي والانطلاق لعالمٍ كبير قوامه الاندماج، فبدأت بإثبات نفسها، ونهضت واستندت إلى عكازين رغم رفض أهلها والطبيب لذلك. "قال لي الطبيب حينها، أحلام إنتي مستحيل تمشي" تعقب، لكنها مشت وصنعت المعجزة بإرادتها القوة، ويقينها بأن الإرادة تصنع المستحيل.

وتكمل: "من هنا بدأت انطلاقتي. التحقتُ بالجامعة، وبدأت بدراسة تخصص السكرتاريا الطبية، وانخرطتُ في العديد من تدريبات التنمية البشرية لأكون نموذجًا يُحتذى به، ولأحفّز  أقراني، وأُغيّر الصورة النمطية عن المجتمع الذي يرى ذوي الإعاقة محدودي القدرات".

لا تتوقف الفتاة عن تقديم الدعم والمشورة لأقرانها من ذوي وذوات الإعاقة من أجل تصدير الطاقة الإيجابية لهم، وإثبات أن الإعاقة هي إعاقة الفكر وليست الجسد، وهذا ما شجع الناس على التقرب منها وكان من بينهم زوجها الحالي رمزي.

 قرار أحلام بقبول الزواج من الشاب الذي أحبها فتح عليها نار جهنم. أهلها وأهله لم يتقبلوا الفكرة، بحجة أنها لن تستطيع القيام بواجباتها كزوجة وأم، وتحمل مسؤولية عائلة وبيت. تزيد: "البعض قالوا لي، وهل يعقل أن تنجبي أصلا؟ إذا أنجبتِ سيكون أولادك من ذوي الإعاقة. في الحقيقة هذا الأمر كان يوجعني كثيرًا. مجرد سماع هذا الكلام، أو التفكير به كان يقهرني كثيرًا".

تقول: "لم نستسلم للإحباط. تزوجنا وكثيرون أتوا لتهنئتنا، وبعضهم قادهم الفضول للمجيء، والتعرف إلى الفتاة التي لا يزيد طولها على 112 سم، وكيف شكل الفستان عليها؟ والكثير من التفاصيل".

التحديات الصعبة جزء لم يتجزأ من حياة أحلام، وتخوفات زرعها المجتمع، أهمها الخوف من عدم تقبل أبنائها لها عندما تنجب، وكيف ستتعامل معهم، لكن بعد 13 عامًا من تكوين أسرة، ها هي أحلام تقف ضاحكةً قرب أكبر أبنائها (10 أعوام) ومعها أصغرها (5 سنوات)، لتخبر العالم كله بأنها أسعد أم وزوجة في هذا العالم.

وتذكر بعض التفاصيل التي مرّت بها مع طفلها الصغير، عندما كانت ذات مرة تلعب معه لعبة قياس الطول "فلما أكتشف أنه أطول مني شعر بالحزن وبدأ يبكي، ثم تساءل: "ليه يماما إنتي صغيرة؟ يعني ما بتقدري تلعبي معي كرة السلة؟ كانت أسئلته طبيعية لكنني تداركت الأمر بسرعة، وأخبرته بأنني إن لم أستطع لعب السلة، فأستطيع لعب الكثير من الألعاب الأخرى معه".

ثم همست في أذنه: "وانت صغير هيك ما راح أعرف ألعب معك، بس لما تكبر راح تحملني وتركض فيا ونلعب سوا كرة السلة كمان"، فضحك كثيرًا وهو يتخيل الموقف وهزّ رأسه بفرح.

وفي زاوية بمنزلها يلتف أطفالها حولها يوميًا بينما هي تمارس العزف على آلتها المفضلة "الدرامز"، وتعلم أبناءها الموسيقى كنوع من التفريغ النفسي. تقول: "هذا هو علاجي، وغسولي من حجم الضغوطات النفسية التي أتعرض لها. أشعر بروحي تحلق وأنا أضرب الطبول، وأجد نفسي تعافيت تمامًا بعد الانتهاء".

تُنهي أحلام قصتها بالقول: "لا نحتاج للشفقة، بل نحتاج لتمكين اقتصادي واجتماعي، وتغيير مفهوم المجتمع. لسنا مختلفين عن الناس، فمن حقنا الزواج والمشاركة في الحياة والعمل والإنجاب لأننا نستطيع".

كاريكاتـــــير