غزة:
أوصى التقرير السنوي لائتلاف النزاهة ومكافحة الفساد "أمان"، بضرورة تبني استراتيجية إصلاحية لتعزيز النزاهة السياسية كمدخل مهم لمكافحة الفساد، من خلال الإعلان عن موعد إجراء الانتخابات العامة، وتشكيل حكومة وطنية تمثل لبنة لحياة ديمقراطية جديدة على أرض فلسطين.
ودعا تقرير واقع النزاهة في فلسطين لعام 2022م، الذي عُرضت نتائجه في المؤتمر السنوي للائتلاف، بمدينة غزة، إلى أهمية السعي الجدي لإنهاء الانقسام، وتجفيف البيئة المعززة للفساد السياسي، ودعوة مؤسسات المجتمع المدني بكافة أشكالها؛ لتشكيل تحالف وطني ضاغط، وتقديم مقترحات لتذليل التحديات، وحشد المجتمع الدولي بهدف إلزام الاحتلال ببرتوكول الانتخابات المتفق عليه مع السلطة الوطنية، وضمان إجرائها في القدس.
وانعقد المؤتمر هذه المرة تحت شعار "الاحتلال والانقسام والفساد السياسي حلقةٌ مغلقة يغذي كلٌّ منها الآخر"، ليأتي التقرير -وهو الخامس عشر ضمن تقارير أمان السنوية- لرصد الجهود المجتمعية والرسمية المبذولة لمكافحة الفساد، والتحدّيات المتعلقة بنزاهة الحكم في إدارة المال والشأن العام، والمتغيرات التي حدثت على واقع النزاهة، وملاحقة وتجريم الفاسدين، وتتبع التطورات الحكومية في إدارة المال العام، وتسليط الضوء على بعض القضايا المؤسساتية وحالات الفساد، لوضعها على أجندة الرأي العام والمسؤولين.
لتعزيز النزاهة السياسية
في الجلسة الأولى للمؤتمر، قالت هداية شمعون، منسقة الرصد والأبحاث في "أمان": "إن عقد هذا المؤتمر يأتي في سياق إدراك الائتلاف، أن دعم المشروع الوطني الفلسطيني المتمثل بإنهاء الاحتلال، وممارسة حق تقرير المصير، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، لا يتعارض مع هدف تعزيز النزاهة السياسية ومكافحة الفساد".
على العكس -تتابع- فإن النجاح في هذه الخطوة يصلّب الجبهة الداخلية، ويعزز من ثقة المواطنين بالدولة التي يتحملون من أجلها الأعباء الناجمة عن وجود الاحتلال الإسرائيلي وسياساته العنصرية.
وتحدثت شمعون عن منهجية الرصد التي اعتمدها التقرير، التي تستند إلى المعطيات والمعلومات التي يتم رصدها وتوثيقها، واستخلاصات أوراق العمل التي يعدّها الائتلاف، وأعمال المنتديات والشبكات التشاركية والقضايا المثبتة، التي تكشفها بعض تقارير الصحافة الاستقصائية.
وتحدّث د.كمال الشرافي، عضو مجلس إدارة الائتلاف، بدوره، عن أن هذا التقرير يركّز على الفساد السياسي الناتج عن البيئة التي يوفرها النظام السياسي، التي تتيح لكبار المسؤولين التنصل من الواجبات الرسمية، واستغلال السلطة الممنوحة لهم.
وحسب الشرافي، فإن التقرير خلُص إلى أن الاحتلال والانقسام والفساد السياسي، يشكلون حلقة يغذي كل منها الآخر، متقدمًا بتوصيات على عدّة مستويات "تشكّل -إذا ما أُخذ بها- درعًا واقيًا من مخاطر الفساد السياسي، وعلاجًا مبكرًا له"، وبالتالي تنكسر الدائرة المغلقة التي تبقينا عاجزين عن تغيير الوضع القائم، الذي يمنعنا من تحقيق طموحنا الوطني.
وتابع: "الاحتلال الإسرائيلي أدرك مبكرًا أن الشعب الفلسطيني وديمقراطيته عقبة أمام مخططاته، لذا عمل على ضرب مناعته ووحدته سياسيًا وجغرافيًا، وتعطيل أدوات الديمقراطية التي تمنحه الشرعية"، مردفًا بالقول: "بالفعل مرّ وقت طويل لم تنجح خلالها الأطراف السياسية بإنهاء الانقسام ولا إجراء انتخابات، وفتحت الباب أمام إضعاف الدور الرقابي للسلطة التشريعية، والهيمنة على السلطة القضائية لطيفٍ واسع من المصالح الحزبية والشخصية والمناطقية، وهذا هو الفساد السياسي".
من جانبه، قال وائل بعلوشة، مدير المكتب الإقليمي لـ"أمان" في غزة: "إن التقرير يخرج بمجموعةٍ من التوصيات التي يُفترض العمل بها لتجويد الأداء العام، ويرصد قضايا تتم معالجتها بشكلٍ إيجابي، وأخرى تنتقل معنا من عام لآخر".
وأضاف: "استحدث أمان خلال السنوات الماضية مصطلحًا جديدًا هو النزاهة السياسية، وتم تطوير مجموعة من المؤشرات أهمها الوصول للسلطة، وهي مسألة تحتاج إلى تفكيرٍ عميق، خاصةً في قطاع غزة، حيث يأتي الحكم عبر أداتين، الأولى التعيين، والثانية الانتخابات".
وأما التعيين، خاصة في الفئات العليا، فيتم على أساس الانتماء كما يوضح بعلوشة، وليس وفق مبدأ تكافؤ الفرص، "أما موضوع الانتخابات، فإن كانت الانتخابات الرئاسية والتشريعية تعاني معوقات تمنع إجراءها، فإن هذا لا ينطبق على 25 هيئة محلية في القطاع، من حق المواطنين فيها اختيار ممثليهم" يزيد.
مضمون التقرير
وضمن ما جاء في التقرير، فقد أصدر الرئيس محمود عباس مرسوم تشكيل المجلس الأعلى للهيئات القضائية برئاسته، بما يمثل انقلابًا على أحكام القانون الأساسي الفلسطيني، وإدارة الظهر للمبادئ التي تضمّنتها وثيقة إعلان الاستقلال، وعلى صعيد الحياة الديمقراطية، فإن تعطيل الانتخابات للعام 13 على التوالي، عطّل حق المواطنين في اختيار ممثليهم.
واستمرت مخالفة أحكام القانون الأساسي في حق المواطنين في شغل الوظائف التمثيلية العامة واحترام مبدأ تكافؤ الفرص للوصول إلى مراكز الحكم السياسية، إضافة لاستمرار السلطة القائمة في قطاع غزة بالتفرد في إدارة الشأن والمال العام، بإدارة حركة "حماس" ولمصلحة استقرار سلطتها، وحافظت على بقاء مجلس تشريعي انتهت مدته الدستورية، وتحكمت في تشكيل مجلس قضاء.
كما امتنعت حماس عن إجراء انتخابات المجالس المحلية، وأبقت على وسيلة التعيين لاختيار أعضاء المجالس البلدية، واستمرت باحتكار سلطة مجلس الوزراء بالتحكم في تعيين الجسم الإداري المسؤول عن إدارة الشأن والمال العام.
ووفق التقرير، فإن هناك استثناءات لأعضاء السلطة السياسية، تعكس ضعفًا في مستوى الامتثال لضوابط وأخلاقيات الوظيفة العامة، وأنظمة تجنب تضارب المصالح وسجل الهدايا، إضافة إلى دعم متنفذين لسياسة بناء منظومة صحية موازية من القطاع الخاص للاستفادة من التحويلات الطبية، ما كلف الموازنة نحو مليار شيكل عام 2022م، وحال دون إقرار نظام تأمين صحي عادل، تحت ضغط مصالح الجهات المستفيدة من التحويلات الطبية.
كذلك تبنّت الحكومة سياسة ترحيل الأزمات المالية، ولم تلتزم بسياسة ترشيد النفقات، الأمر الذي راكم الديون والمتأخرات، وساهم في تأجيج الأزمات المالية وتصاعد المطالب النقابية، ذلك بالتزامن مع استمرار سياسة الانغلاق، وتجاهل أهمية المشاركة المجتمعية، ما زاد فجوة الثقة بين المواطنين ومؤسسات الدولة.
تقرير الائتلاف شدد على أهمية إنشاء لجنة مستقلة للرقابة على تعيينات المرشحين للوظائف العليا في القطاع العام، وتشكيل لجنة وطنية للإشراف على عملية الإصلاح، وضرورة تبني سياسة الإفصاح من قبل كبار المسؤولين عن ممتلكاتهم وإعمال حق المواطنين في الاطلاع على المعلومات، وإصدار قانون منح الامتياز، وقانون المنافسة ومنع الاحتكار، وتعزيز فاعلية واستقلالية الرقابة الرسمية والمجتمعية وتحرر النيابة العامة من تدخل السلطة السياسية في أعمالها.
في الوقت الذي أوصى فيه مشاركون وحضور بضرورة تضمين تقارير الائتلاف السنوية واقع الفساد البيئي، وممارسات المؤسسات الدولية التي تمس بشريحة الفقراء المستفيدين من برامج الإغاثة.
وطالبوا بتوسيع دائرة الرصد لتشمل أداء الجامعات على مستوى الرسوم والمنح، والتعيينات، والمناهج الدراسية، ومخرجات العملية التعليمية، منادين بأهمية تضمن المناهج الدراسية مقررات تتعلق بمفاهيم الفساد ومكافحته، تأسيًا بمناهج جامعة بيرزيت.