شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 29 مارس 2024م15:34 بتوقيت القدس

"تقنين الإنجاب" وسيلة الأزواج الجدد لمواجهة شظف العيش

03 يونيو 2023 - 18:44

غزة :

تخوض الشابة مرام عمار (27 عامًا) صراعًا مع والدة زوجها التي تُلح عليها لإنجاب المزيد من الأبناء، بعد أن رزقها الله ثلاثة أطفال (بنتين وولد)، إلا أن مرام ترفض الخضوع لهذا الإلحاح بشكل قاطع، نظرًا لظروف معيشية واعتبارات حياتية تمر أسرتها بها.

تقول مرام لـ"نوى": "وضعنا المعيشي صعب. زوجي يعمل محاسبًا في شركةٍ تجارية، ولا يتجاوز راتبه 1100 شيكل شهريًا (350 دولارًا)".

وترى مرام أن (العزوة) وكثرة الإنجاب لم تعد تجذب اهتمام الأزواج الشابة، إذ بات التوجه نحو خفض مستوى الإنجاب وعدم تقبل فكرة إنجاب "دستة" من الأبناء، نظرًا للأزمات الاقتصادية المتراكمة في غزة، الناجمة عن الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ عام 2007م، وأبرزها ازدياد معدلات الفقر والبطالة، بالإضافة إلى الكثافة السكانية المخيفة.

وبلغ معدل البطالة بين السكان في قطاع غزة 45%، بحسب آخر إحصاءات صدرت عن جهاز الإحصاء الفلسطيني في الثلاثين من إبريل 2023م، فيما أفاد تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في 22 فبراير 2023م، بأن أكثر من 60% من الفلسطينيين في قطاع غزة بحاجة إلى المساعدات الإنسانية، كما بلغ معدل انعدام الأمن الغذائي 65%، ووصل معدل الفقر إلى 65%.

فيما يعدُّ قطاع غزة أحد أكثر أماكن العالم اكتظاظًا من حيث الكثافة السكانية، التي تبلغ فيه 5936 نسمة/ كم2، وهي 10 أضعاف الكثافة في الضفة الغربية التي تبلغ 563 نسمة/ كم2. ويشكل اللاجئون ما نسبته 68% من سكان القطاع.

ورغم أن المجتمع الفلسطيني من أكثر المجتمعات العربية محافظةً على العادات والتقاليد، إلا أن عادة إنجاب الأبناء "دون حساب" لم تعد ظاهرة بين الأجيال الشابة، بسبب زيادة الوعي وانخفاض فرص توفير الأمان الوظيفي والمعيشي.

بالعودة إلى مرام فتقول: "أعتقد أنني وزوجي سنتوقف عند ثلاثة أطفال، فليس من المنطق إنجاب المزيد دون القدرة على توفير احتياجاتهم".

وبيّنت مرام أن كثرة الإنجاب دون الأخذ بعين الاعتبار ظروف الحياة المعيشية، يضع رب الأسرة أمام خيارات صعبة، من بينها دفع الأبناء للخروج المبكر من المدارس لأجل العمل.

أما الشاب محمود رشيد (26 عامًا) ويعمل في تجارة المواد الغذائية، يرى أن الظروف الراهنة التي يعيشها الفلسطينيون لا تمنح الأجيال الحديثة فرصةً لإنجاب أكثر من ثلاثة أو أربعة أطفال.

تخرّج رشيد من الجامعة قبل نحو ثلاث سنوات بتخصص الهندسة، ولم يحصل على وظيفةٍ بشهادته، فعمل أجيرًا لدى إحدى المحلات التجارية مقابل راتب شهري لا يتعدّى 900 شيكلًا.

يقول رشيد: "تزوجت على نفقة والدي، واستأجرت منزلًا على نفقته أيضًا. أنجبتُ طفلين بالكاد أستطيع الإنفاق عليهما، وتوفير الحليب والحفاظات وغير ذلك من متطلباتهما التي لا تنتهي".

ويؤكد رشيد أن طفليه كلما كبرا زادت أعباء الحياة عليه، ولكنه يعقّب: "طالما أنا مسؤول عن هذه الأسرة عليّ توفير كل ما يلزم لها، والاكتفاء بهذا القدر من الأبناء حتى يمنّ الله عليّ بوظيفة أفضل".

حسب آخر إحصاءات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فقد انخفض معدّل الخصوبة الكلّية في قطاع غزة خلال الفترة (2017م-2019م) إلى 3.8 فردًا مقارنة بـ4.6 فردًا، خلال الفترة ما بين (1999م و2003م). وأشارت البيانات إلى أن متوسط حجم الأسرة الفلسطينية في قطاع غزة ذاهب نحو الانخفاض المستمر، إذ بلغ (5.6) فردًا عام 2021م مقارنة بـ6.5 فردًا عام 2007م.

المتخصص الاجتماعي والنفسي، إياد الشوربجي، أكد أن هناك عدة عوامل مجتمعية تسببت في اتجاه الأجيال الفلسطينية الحديثة لتخفيض مستوى الإنجاب، وهي عوامل ثقافية واجتماعية واقتصادية وجغرافية أيضًا.

وقال الشوربجي لـ"نوى": "قديمًا كان أجدادنا يملكون الأراضي، وكانت المهنة الشائعة بينهم هي الزراعة، وهي مهنة بحاجة إلى كم كبير من العمال، لذلك كان الرجل ينجب الكثير من الأبناء من أجل مساعدته في العمل في الكروم والأراضي الزراعية، ولكن اليوم هناك زحف سكاني تجاه الأراضي الزراعية ولم تعد الزراعة هي المهنة الأساسية لدى معظم الناس".

وأوضح الشوربجي أن هناك زيادة في الوعي والتحضر في المجتمع الفلسطيني، وهذا تسبب في انخفاض ظاهرة العائلات الممتدة التي تعد أبرز مظاهرها العزوة وكثرة الإنجاب، والتباهي بذلك بين العائلات الأخرى، ولكن اليوم أصبح كل رجل يأخذ حسابات شخصية وحياتية خاصة به عند التفكير بالإنجاب.

وأضاف: "اهتمامات الناس اختلفت، والإطار الاجتماعي والاقتصادي اختلف أيضًا. هناك تكاليف إضافية مثل التعليم والصحة والجامعات في ظل تقلص موارد ومصادر الحياة، وهذا يؤدي إلى تخفيض مستوى الإنجاب أيضًا".

وبيّن أن الفقر والبطالة، كانا غير مهمين جدًا قديمًا، لأن الرجل كان يتزوج ويعيش في منزل العائلة ويأكل ويشرب مع العائلة، لذلك لم يكن هناك أي حسابات أمام الإنجاب، ولكن الأزواج الشباب اليوم يستقلون عن عائلاتهم في بيوت خاصة، وهذا يتطلب توفير الاحتياجات وتولي كافة المسؤوليات. ومن أجل ضمان توفير كافة الاحتياجات، يجب عليهم التخلص من الأعباء الإضافية التي قد تزيد إرهاقهم ماديًا، بحسب رأي الشوربجي.

وتابع: "رغم كافة هذه الحسابات، لا يزال العديد من أرباب الأسر يرغبون بالعيش في جلابيب آبائهم وأجدادهم، ويسعون لإنجاب الكثير من الأبناء، وهذا يرجع إلى توفر القدرة المالية لتربيتهم والإنفاق عليهم، وتوفير أفضل تعليم وصحة لهم، ولكن في حال لم تتوفر هذه القدرة المالية، سيكون هناك عواقب مجتمعية كثيرة تنتظرهم وتنتظر أبناءهم أيضًا".

اخبار ذات صلة
كاريكاتـــــير