شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الثلاثاء 16 ابريل 2024م11:25 بتوقيت القدس

للمخرج عامر أبو عمرو..

"حلم مبتور" ينتصرُ لـ"علاء" في مهرجان دولي

23 مايو 2023 - 11:59

غزة:

"فعلْتَها يا علاء. لقد فُزت، سافرتَ وإن لم يكن بجسدِك. سافر حلمك أخيرًا يا صديقي"، بهذه الكلمات علا صوت المخرج الفلسطيني عامر أبو عمرو مخاطبًا الشاب علاء الدالي.

"لقد حدثت المعجزة" يقول عبر سماعة الهاتف بعنفوان، فقد تلقّى لتوّه اتصالًا يفيد بفوز فيلمه "حلم مبتور" بجائزةٍ دولية.

الشاب علاء الدالي (26 عامًا) هو بطل الفيلم الفائز. عندما سمعَ الخبر لم يتمكّن من لجم دموعه، وبدأ يهتف على الخط: "والله مش مصدق، الأرض مش سايعاني من الفرحة. حاسس حالي بحلم".

في التفاصيل، فاز فيلم "حلم مبتور" بجائزة أفضل فيلم وثائقي خلال مهرجان "Dxbsif" العالمي للأفلام القصيرة، الذي أقيم في دولة الإمارات، بعد مسابقةٍ تنافس فيها 173 فيلمًا من 21 دولة، فيما رُشح للجائزة 39 فيلمًا غيره، لكن الفوز كان من نصيب "هذا الحلم بغزة.. وإن كان مبتورًا".

يدور الفيلم حول قصة الشاب علاء، بطل قطاع غزة في قيادة الدراجات الهوائية، وعلى مدار أربع دقائق و20 ثانية -هي مدة الفيلم- يحكي الشاب وهو يقود الدراجة معاناته مع الحصار، لتمثّل الثواني الأخيرة من الفيلم المعضلة الأصعب، والأقسى!

عن بدايته مع الفيلم، يروي عامر أنه وفي ختام دراسته الجامعية كان عليه إعداد مشروع فيلمٍ وثائقي ضمن مساق "الإخراج الصحفي"، أثناء مسيرات العودة عام 2018م، ووقَع خياره مع زملائه على قصة المصاب "مبتور القدم"، الشاب علاء الدالي، الذي تواصلوا معه مباشرة، فوافق بعد تردد.

يعمل عامر مصورًا صحفيًا منذ 17 عامًا، ويحمل شهادة الدبلوم في هذا المجال، لكنه أراد تطوير ذاته بشهادة البكالوريوس. ورغم أنه عايش خلال سنوات عمله الكثير من القصص، إلا أنه حينما زار علاء في بيته بمدينة رفح جنوبي قطاع غزة، وجد قصته مختلفةً عمّا توقع.

يقول عامر لـ"نوى": "علاء ليس جريحًا مبتور القدم فقط؛ بل كان بطل قطاع غزة في رياضة الدراجات الهوائية. تلقى قبل إصابته العديد من الدعوات لتمثيل فلسطين خارجيًا، وقد حال الحصار دون تمكّنه من تلبيتها (..) إن أكثر ما يمكن أن يؤلمك وأنت تتجول في أروقة بيته، دروع التكريم، وميداليات الفوز، التي حصل عليها قبل إصابته وبتر قدمه. إنها كثيرة، ويمكنك أن تلمح لمعة عينيه وهو ينظر إليها حزينًا".

لم يكن علاء من المشاركين الدائمين في مسيرات العودة، بل إنه وحين شارك أول مرة ركب دراجته الهوائية، وخوذته، وسار بها نحو الجهة الغربية، أي نحو أبعد نقطة عن مكان المسيرات، ومثلما يعقّب علاء مازحًا: "كنت حينها أول واحد، من الخلف طبعًا"، ولكن رصاصة قنّاص أصابته فسقط مغشيًا عليه، واستيقظ ليجد نفسه على سرير المستشفى، فاقدًا قدمه اليمنى.

حين بدأ عامر تصوير الفيلم، طلب من علاء ارتداء بنطلون بشكل عادي وإخفاء الطرف الصناعي. فوجئ علاء في البداية ولكن فعلَها وركب الدراجة أيضًا.

يقول عامر: "أصعب لحظة مرّت عليّ حين ركب الدراجة الهوائية واختل توازنه وكاد أن يسقط، لم تكن التجربة سهلة، ولكن كان لديه إصرار على المواصلة. كنت حزينًا جدًا، وشعرتُ كم هو قاسٍ بالنسبة لشاب أن يفقد طرفه، فما بالكم ونحن نتحدث عن شاب رياضي فقد حلمه أيضًا".

هذا المشهد زاد عامر إصرارًا على أن يفعل أي شيء من أجل أن يصل حلم علاء إلى خارج قطاع غزة. أصبحت القضية مسألة تحدٍ بالنسبة لعامر الذي أصرّ على البحث عن مشاركاتٍ خارجية للفيلم، لأنه كان يريد لحلم علاء أن يطير خارج أسوار الحصار.

يكمل: "بالفعل انتظرت اللحظة المناسبة وشاركت، وعندما تلقيت خبر الفوز طرتُ من الفرحة، هذا الفوز ليس لي، هذا الفوز لعلاء. بعد أن أنهت منسقة المهرجان نرجس الشافعي اتصالها، وقبل أن أخبر حتى أمي وزوجتي، اتصلت بعلاء الذي لم يصدق الخبر، لكن السعادة كانت تقفز من صوته. شعر أخيرًا بأن حلمه رأى النور".

"هل حقًا شاهدني الناس؟ هل حقًا عرف الجميع أنني رياضي فقدت ساقي برصاصة جنديٍ أطلقها قرب الحدود وهو يضحك؟ هل فعلًا آمنوا بأن في قطاع غزة مواهب دفنها الظلم والقهر والحصار؟"، هكذا علّق علاء والدهشة تكسو وجهه.

يكمل عامر: "مع كل فرحتي بحلم علاء الذي تحقق جانب منه بتحليقه خارج قطاع غزة، لكن قصته ليست فردية، هي قصة كل شخص كانت لديه موهبة دمرها الاحتلال بالرصاص أو القصف أو القتل. هي حكاية جيل بأكمله يريد أن يرى النور ويحلّق في الفضاء الرحب".

يوجه عامر رسالة لزملائه من المخرجين في قطاع غزة، بألا يجعلوا من نقص الإمكانات المادية، أو نقص المعدات التي يمنع الاحتلال دخولها إلى قطاع غزة، عائقًا أمام تحقيق أحلامهم بالمشاركات الخارجية.

ويضيف: "ليس لدينا وحدات إنتاج متطورة، ولا كاميرات من تلك المنتشرة في كل العالم، ولكن عبر الهاتف المحمول بوسعنا إنتاج قصص يمكن أن تحملنا خارج القطاع. المهم أن يظل صوتنا مسموعًا".

ولأن الشعب الفلسطيني يحب الحياة ولا يوقفه شيء، فإن علاء الدالي عاد مؤخرًا لممارسة رياضة قيادة الدراجات الهوائية وهو مبتور الساق، بل شكّل فريقًا من مبتوري الأطراف يعمل على تدريبهم، ويسعى جادًا للمشاركات الخارجية معهم، ومن أجلهم، وينتظر فقط من يدعم فكرته بقوة القول والفعل معًا على حد تعبيره.

اخبار ذات صلة
كاريكاتـــــير