شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الاحد 06 اكتوبر 2024م17:15 بتوقيت القدس

فلسطينيات يتعرضن للابتزاز والتخويف..

 وثيقة الاستقرار الإسرائيلية "تذكرة" في اتجاه واحد

14 مارس 2023 - 08:13

غزة:

"طالبوني بتوقيع وثيقة تقول إنه لا يمكنني العودة إلى الضفة مجددًا. لم أعرف ماذا أفعل، تزوجت شابًا من قطاع غزة، وأردت الانتقال للعيش معه، قالوا إنهم سيسمحون لي بدخول القطاع شرط توقيع الوثيقة، ووقّعت في نهاية الأمر. كان قرارًا قاسيًا، أن أترك كل شيء خلفي، وربما لا ألتقي أهلي مرة أخرى، وعليّ الاختيار وأنا تحت الضغط والتخويف".

سلمى، شابة من طولكرم بالضفة الغربية، وهي أم لخمسة أبناء، تزوجت عام 2012م شابًا من قطاع غزة، ولأن الاحتلال الإسرائيلي لا يسمح لزوجين بممارسة حياة عائلية في الضفة، إذا كان أحدهما من غزة، قررت الانتقال للسكن مع زوجها في غزة.

في حكاية "سلمى"، وهو اسمٌ مستعار اختارته بنفسها تفاديًا لشرور الاحتلال، الكثير من التفاصيل المؤلمة. تقول لـ "نوى": "قدمت طلبًا لتصريح يمكّنني من الدخول إلى غزة، لتكوين أسرتي الجديدة، وقبلت سلطات الاحتلال طلبي، ولكن حين وصلت إلى معبر بيت حانون (إيرز) شمالي القطاع، أبلغوني بأنني لن أستطيع الدخول ما لم أوقع على وثيقة تصريح استقرار في غزة، أي عدم العودة إلى الضفة".

سلمي: التوقيع على وثيقة الاستقرار أجبرتني على الحسم خلال لحظةٍ واحدة

كانت هذه المرة الأولى التي تدخل فيها سلمى غزة، وفي وصف ما تعرضت له في المعبر الذي يسيطر عليه الاحتلال الإسرائيلي، تقول: "إن التوقيع على وثيقة الاستقرار أجبرتني على الحسم خلال لحظةٍ واحدة، بين حياة لم تسنح لي بعد فرصة التعرف عليها، وبين إمكانية العودة إلى عائلتي وبيتي في الضفة".

بعد زوال الصدمة، أدركت سلمى أنها بالتوقيع على هذه الوثيقة أصبحت خيارتها ضيقة للغاية، ولا يمكنها زيارة أهلها إلا بتقديم تصريح زيارة، وبموجب المعايير المعقدة التي يحددها الاحتلال لحركة الغزيين، التي تسمح بلقاءٍ عائليٍ في ظروفٍ محددة: زفاف، مرض يهدد الحياة، أو جنازة، وجميعها فقط لأحد الأقرباء من الدرجة الأولى.

عام 2015م، وبعد عدة طلبات قوبلت برفضٍ إسرائيلي، بادعاء أنها "غير مستوفية لمعايير حركة الفلسطينيين بين الضفة غزة"، حصلت سلمى على تصريح لزيارة أهلها.. زيارة حملت الكثير من الشوق والحنين، وفرحة لم تكتمل، عندما أوقفت سلطات الاحتلال سلمى في معبر (إيرز) في طريق عودتها إلى أسرتها بغزة، واشترطت عليها مجددًا التوقيع على وثيقة الاستقرار، دون مبرر.

 "لماذا أجبروها على التوقيع على هذه الوثيقة مرة أخرى؟!"، تتساءل سلمى، وتصف شعورها في تلك اللحظة: "كان ذلك صعبًا علي.. كنت وحيدة، أولادي وزوجي وحياتي في غزة، لم أعرف ماذا أفعل: هل أعود للضفة؟ هل أترك بيتي في غزة؟، لم يكن لدي الكثير من الوقت للتفكير تحت الضغط، وقررتُ التوقيع مجددًا على الوثيقة، ودخلت غزة".

سلمى:أي قانون هذا الذي يمنع امرأة من أهلها، ويضعها أمام خيارين: أهلها أو زوجها وأبنائها؟

مرت 8 أعوام على تلك الواقعة، لم تسنح لسلمى الفرصة للقاء عائلتها مرة ثانية. تعيش واقعًا تصفه بـ "حرقة بالقلب"، يزيده الاحتلال برفضه المستمر لطلبات الحصول على تصريح زيارة، وتتساءل: "أي قانون هذا الذي يمنع امرأة من أهلها، ويضعها أمام خيارين: أهلها أو زوجها وأبنائها؟!".

سلمى ليست حالة استثنائية، بل تتشابه حكايتها مع قصص نساء أخريات من الضفة تزوجن وانتقلن للعيش في غزة، ووجدن أنفسهن أمام هذا الاختيار المؤلم، بإجبارهن على توقيع "وثيقة الإبعاد"، كما وصفتها مؤسسة "جيشاه-مسلك" الحقوقية الإسرائيلية، وصنفتها في بيان تفصيلي كجريمة حرب.

مسلك: الفلسطينيات اللواتي وقّعن على تصريح بشأن الاستقرار في غزة يعتبرن بنظر "إسرائيل" من سكان القطاع

ولا يوجد إحصاء دقيق بأعداد النساء اللواتي اضطررن للتوقيع على هذه الوثيقة، غير أن المنظمة الحقوقية الإسرائيلية تقول إنها تعاملت منذ العام 2010 مع ما لا يقل عن 80 ملفًا لحالاتٍ مماثلة، ووصفت الوثيقة بأنها "نظام وحشي" للإبعاد القسري لفلسطينيين غالبيتهم من النساء ساكنات الضفة، ويقيمون في غزة.

وقالت إن "الفلسطينيات اللواتي وقّعن على تصريح بشأن الاستقرار في غزة يعتبرن بنظر "إسرائيل" من سكان القطاع، حتى لو لم تقم "إسرائيل" بتغيير عناوينهن في سجل السكان الفلسطيني، وأبقت تسجيلهن كسكان الضفة، ولهذا، فإذا طلبن العودة للضفة سيكن مضطرات لاستيفاء معايير استقرار سكان غزة في الضفة، وهي معايير ضيقة تمت صياغتها لغرض ضمان أن لا تسري على أي شخص".

وهذه الوثيقة مصاغة بشكل "مبهم"، وتمارس إسرائيل "الخديعة والتخويف" لإجبار النساء على التوقيع عليها، كشرط للعبور، سواء لزيارة عائلاتهن في الضفة أو العودة إلى أسرهن في غزة، ومن ترفض تمنع من الخروج عن طريق إيرز لأي غرض كان، بحسب المنظمة الحقوقية الإسرائيلية.

وتستند "منظمة مسلك" إلى القانون الدولي في عدم مشروعية هذه الوثيقة، الذي يحظر "الترحيل القسري"، وقالت "إن لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان تطرقت إلى إجراءات عدة، تستخدمها (إسرائيل) وتنتج بيئة تفرض ترحيلًا محظورًا لفلسطينيين، من بينها سلب مكان الإقامة من فلسطينيين وفلسطينيات عنوانهم مسجل في الضفة، وممارسة الضغط عليهم من أجل التنازل عن هذه المكانة.

الدنف: للتوقيع على الوثيقة تداعيات نفسية واجتماعية خطيرة على النساء وأسرهن

منسقة "العيادة القانونية" في جميعة "عائشة" لحماية المرأة والطفل، المحامية هبة الدنف، شاركت بالموقف القانوني من هذه الوثيقة في بيان (جيشاه-مسلك)، تقول لـ "نوى": "إن للتوقيع على الوثيقة تداعيات نفسية واجتماعية خطيرة على النساء وأسرهن، والنساء هن الضحية الأكبر لهذا الإجراء الذي يشمل كذلك الرجال.. وهو إجراء تسعفي يرقى لجريمة حرب".

وبدوره، وضع المحامي في مركز الميزان لحقوق الإنسان يحيى محارب هذا الإجراء كابتزاز يندرج في سياق سلوكيات وسياسات إسرائيلية هدفها "سلخ غزة عن الضفة، وقتل الترابط بينهما"، وقال: "لسلطات الاحتلال غايات كثيرة من وراء التوقيع على مثل هذه الوثيقة غير القانونية، ومن حق أي شخص وقع عليها تحت الضغط والتخويف التوجه للمحكمة ومقاضاة مديرية التنسيق والارتباط الإسرائيلية".

كاريكاتـــــير