غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
لم يخطُر في بال عمّار الحوراني وزوجته عندما اصطحبا طفلهما مراد (6 سنوات)، لإجراء عملية جراحية صُغرى في أحد مستشفيات غزة الحكومية، أنهما سيعودان به مع واقعٍ مختلف، وجرعةٍ زائدةٍ من القهر والمرارة.
غابت ضحكاته البرئية فجأة. لقد ألقت به الفاجعة بعيدًا عن ألعابه، مشلولًا، فاقدًا للسمع، والبصر، والنطق أيضًا!
في تفاصيل ما جرى للطفل مراد ابن الصف الأول الابتدائي، بدأت الحكاية عندما اتصل مدير مدرسته بوالده، يخبره بنتيجة فحصٍ أجرته لجنة طبية زارت المدرسة للطلبة الذكور، مفادها أن هناك مشكلة في خصية الطفل، وعليه التوجه به إلى المستشفى في أسرع وقت.
بالفعل، توجّه الوالد لمستشفى الشفاء، ليتحقق من وجود خصيةٍ معلقة، تحتاج إلى عملية جراحية صغرى، بالعادة لا تستغرق أكثر من 10 دقائق.
وسط شلالٍ من الدموع، تروي والدة الطفل لـ"نوى" ما حدث آنذاك، فتقول: "أجرينا فحوصاتٍ للطفل وكانت ممتازة، أخذناه للمستشفى من أجل العملية دون إخبار العائلة كون الأمر بسيط ولا يستدعي نشر الخبر"، مضيفةً: "بالعادة لا تستغرق العملية من الوقت أكثر من 10 دقائق، لكنها وبشكل غير طبيعي امتدت إلى ساعةٍ ونصف، ونحن لا ندري ما الذي يجري؟".
اشتكت الأم من قسوة المُمرضة التي اصطحبت الطفل إلى الداخل، كونها صرخت في وجهه بتركه إن واصل البكاء، تعقّب: "حين علِمت، ندمتُ أنني تركتُهُ معها. بقيتُ في انتظار خروجه، حتى سبقه الطبيب. توجهنا نحوه لسؤاله فإذا به يخبرنا بأن العملية (تمام)، وأن الطفل عانى من توقف في القلب فجأة، فنقلوه للعناية المركزة".
لم يتضح للوالدين ما حلّ بطفلهما، إلا أن صدمةً كبيرة أصابتهما حين شاهدا الأجهزة الطبية الموصولة بجسده الضئيل. تضيف: "أخبرنا الطبيب أنه سيبقى تحت المراقبة لساعات، لكن الأمر استمرَّ أيامًا".
تعقّب: "شعرت أن شفاه ابني تعفّنت، أخذوه من الغرفة إلى غرفة التصوير أثناء البرد دون تغطية صدره، وأنا طلبت منهم تغطيته فصدره لم يعد يحتمل".
"بعد 9 أيام، تم تحويل الطفل إلى المستشفى الاستشاري بمدينة رام الله، ليعود بعد يومين، مشلولًا فاقدًا للحركة والنطق والبصر والسمع، لا يستجيب، لا يفعل شيئًا سوى البكاء"، هكذا تصف الأم المكلومة المشهد.
عائلة الطفل نظّمت أمس، الأحد، اعتصامًا أمام مقر وزارة الصحة بمدينة غزة، وطالبت بسرعة إنقاذه ونقله للعلاج خارج البلاد، "فكل دقيقة تمرّ تشكل المزيد من الخطر على صحته، وتسهم في إتلاف المزيد من الخلايا" تقول والدته.
عشرات الأفراد من عائلة الحوراني حملوا صور الطفل قبل وبعد ما أصابه، ورفعوا شعارات تطالب بعلاج مراد، ورددوا هتافات مطلبية بالخصوص.
"أخويا راح ماشي على رجليه رجع ما بيشوفني ولا بسمعني، أخويا كنا نروح ع المدرسة سوا ليش عملوا فيه هيك؟"، بهذه الكلمات حدّث الطفل عبد الرحمن الحوراني (8 سنوات)، شقيق مراد، كاميرات الصحافيين. طبع قُبلةً على جبين شقيقه الجالس على كرسيٍ متحرك، لا يفعل شيئًا سوى البكار، ثم واصل كلامه، وهذه المرة نظر في عين أخيه: "رح تطيب يخويا، ونرجع نروح المدرسة سوا، ويا رب ربنا يشفيك قبل رمضان".
انخرط عبد الرحمن بالبكاء، ومعه أيضًا والده عمار، الذي كفكف دموعه بصعوبة وهو يتمتم: "أنا الذي أخذته للمستشفى، وأقنعته أن العملية من أجل مصلحته. ذهب معي على قدميه، واشترينا سويًا علبة حلوى لتوزيعها بعد خروجه بالسلامة، لكنني لم أتوقع أبدًا ما حدث".
يتابع: "مراد أمامكم، وكما ترون لا يصدر أي حركة، ابني راح مني في غمضة عين، عملية صغرى انتهت بهذه الكارثة"، محملًا مسؤولية ما جرى للطاقم الطبي الذي أجرى العملية.
وناشد الأب وزيرة الصحة، والرئيس محمود عباس، بسرعة الاستجابة لسفر ابنه للعلاج بالخارج، "فكل دقيقة تمرّ، ثقيلة على قلوبهم، وتزيد وضع ابنهم سوءًا" يضيف.
عودة إلى والدة الطفل، ومن وسط جموع النساء اللواتي وقفن معها في الاعتصام، تقول: "هو أوسط أبنائي الثلاثة. كان ذكيًا جدًا ونشيطًا ومُحبًّا للحياة كأي طفل. أنا أمّ ومطلبي بسيط، عالجوا ابني، أريده أن يعود كما كان، أريد لابني أن يجري ويلعب ويضحك كما كان قبل العملية بلحظات".
أمام ضغط وسائل الإعلام التي كانت تغطي الاعتصام، ومناشدة والد الطفل لهم ألا يغادروا إلا بعد الاطمئنان إلى مصير ابنه، التقى وفد من العائلة ومحامٍ متطوع معهم، وممثلين عن مؤسسات حقوقية بوكيل وزارة الصحة في مكتبه.
وعقب الاجتماع، تحدث والد الطفل مراد عن اتفاقٍ لتسريع سفر طفله للعلاج بالخارج، مؤكدًا تلقيه اتصالًا من وزيرة الصحة د.مي الكيلة التي وعدت بذلك.
كما اتفق الحضور على تشكيل لجنة تحقيق، واطلاع العائلة على كل مجرياتها أولًا بأول، حتى عودة حق مراد كاملًا.
المحامي محمد ريحان، الذي أكد أن مطالب العائلة العاجلة هي سرعة تحويل الطفل للعلاج، وتشكيل لجنة تحقيق تقف على أسباب ما حدث وتحدد العقوبة اللازمة والرادعة، مضيفًا: "الأمر لم يعُد يتعلق بمراد، فأروقة المحاكم مليئة بقضايا سببتها الأخطاء الطبية، والعلاج حق لكل إنسان أن يتلقاه بثقة، ودون خوف".
وزارة الصحة التي أبدت تعاطفًا كبيرًا مع العائلة، أكدت على لسان د.منير البرش، مدير عام الإدارة العامة للصيدلة أن ما حدث مع مراد هو انعكاس لأزمة الحصار التي يعانيها القطاع الصحي.
وشدد البرش على أن الوزارة تتحمل كامل المسؤولية المهنية والأخلاقية عن ما حدث، مبديًا الاستعداد للتعامل مع أي طبيب، ترى العائلة أن من مصلحة الطفل التعامل معه، توازيًا مع إجراءات سفره للخارج.
قضية الطفل مراد، حظيت بتعاطف كبير من قِبَل الفلسطينيين على مواقع التواصل الاجتماعي، فلماذا يدفع طفل ثمن خطأ طبي لا طاقة لسنّه به؟ كلُّ شخصٍ رأى في مراد ابنه أو ابنته، وبات على يقينٍ أن أبسط حق يمكن أن يؤدَّى إليه هو أن يخرج للعلاج في مكانٍ يستطيع أن يضع حدًا لتدهور حالته على الأقل.