شبكة نوى، فلسطينيات
اليوم الثلاثاء 06 يونيو 2023م20:14 بتوقيت القدس

انتفاضة السجون..

تجارب أسيرات محررات في مواجهة السجان

07 مارس 2023 - 11:48

غزة :

تتابع الأسيرة الفلسطينية المحررة وفاء البس باهتمام، انتفاضة الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، المتصاعدة للأسبوع الثالث، ضمن برنامجٍ نضالي أقرّته لجنة الطوارئ العليا للحركة الأسيرة؛ لمواجهة إجراءاتٍ عقابيّة يشرعها ما يسمى وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير.

ومنذ 20 يومًا يُنفّذُ الأسرى برنامجًا نضاليًا تصاعديًا، ويلوّحون بمواجهةٍ واسعة وإضرابٍ مفتوحٍ عن الطعام بداية شهر رمضان المقبل، ما لم تتراجع مصلحة السجون عن إجراءات تضييقية اتخذتها ضدهم بتعليمات بن غفير، تزيد من واقعهم سوءًا، وأبرزها: سحب الأجهزة الكهربائية، والتنقلات بين السجون، وتردّي نوعية الطعام، والحرمان من العلاج، ومضاعفة العزل الانفرادي، وآخرها وأخطرها مصادقة الكنيست بالقراءة التمهيدية على قانون إعدام أسرى نفذوا عمليات فدائية.

ورغم قساوة هذه الإجراءات، إلا أن وفاء تؤمن بقدرة الحركة الوطنية الأسيرة على إسقاطها، والحفاظ على مكتسبات انتزعها الأسرى بفضل مواجهات سابقة دفعوا ثمنها من أرواحهم وصحتهم.

عايشت وفاء ظروفًا مشابهة خلال سنوات اعتقالها، ولا تزال ذاكرتها حية تختزن ذكريات مؤلمة بدأت من خضوعها لتحقيقٍ قاس لنحو ثلاثة شهور، تعرّضت خلالها لصنوفٍ شتّى من التعذيب جسديًا ومعنويًا، كان أحد فصوله القاسية في قاعة المحكمة، عندما انهال عليها جنود الاحتلال بالضرب حتى فقدت الوعي.

وفي سجن الرملة، تقول وفاء: "ذكرياتي هناك لم تمحُها السنين، ففي قسمِ العزل الانفرادي قضيت عامين من الألم والمعاناة.. زنزانة ضيقة ذات جدران سوداء اللون، تفتقر لأبسط مقومات الحياة، زاحمتني الإقامة فيها قوارض وحشرات، أصابتني بأمراض عمقت من آلام جروحي وحروقي".

وعندما بحثت وفاء عن سبيل يخرجها من هذه العزلة القاسية، لم تجد إلا معدتها، فقررت الإضراب عن الطعام، وكانت هذه هي تجربتها الأولى في خوض غمار الإضراب كمواجهة مطلبية مع السجان، وهي الورقة الأخيرة التي يلوح بها الأسيرات والأسرى حاليًا لإسقاط الإجراءات العنصرية ضدهم.

سنوات مرت منذ معانقتها الحرية من جديد، تزوجت وفاء وأنجبت أطفالًا، غير أن حياتها الشخصية لم تنسِها زميلات لها "تحترق سنوات أعمارهن في الزنازين، وخلف قضبان السجون"، وتقول: "الأسيرات والأسرى هم شهداء أحياء، يعيشون في قبور فوق الأرض".

اختارت وفاء التحدي منذ البداية، عندما قالتها مدوية في وجه القاضي في قاعة المحكمة العسكرية الإسرائيلية: "لن أعتذر عن إيذاء إسرائيل وتهديد أمنها"، قبل أن يطلق حكمه على هذه الثائرة الفلسطينية بالسجن 12 عامًا، فجاءه الرد مدويًا: "على حذائي".

أدركَت مبكرًا ومنذ وقوعها في الأسر عام 2005م، أن معركَتَها لم تنتِه، وأن السجن سيكون "ساحة مواجهة" مع السجان، وقد اعتقلت قبيل تنفيذها عملية فدائية ضد احتلاله، لكن القدر لم يشأ أن تنجح عمليّتها، فوقعت أسيرة مصابة بحروق شديدة.

خلال سنوات اعتقالها السبع، قاومت وفاء بشراسة محاولات الاحتلال لابتزازها ومساومتها مقابل العلاج، لكنها قاومت بصلابة. تقول لـ"نوى": "كان الإهمال الطبي العقاب الأشد، وهو سياسة إسرائيلية ممنهجة، وبسببها استشهد عشرات الأسرى والمحررين جراء ما علق بأجسادهم من أمراض خطرة ومزمنة".

12 عامًا مرت على تحررها ضمن صفقة وفاء الأحرار عام 2011م. تقول وفاء (39 عامًا): "غادرت السجن ولم يغادرني، فقد تركنا وراءنا مناضلات ومناضلون يكابدون الآلام وعنصرية حكومة نتنياهو وبن غفير".

دعاء الجيوسي أسيرة محررة مبعدة إلى غزة، فهي أصلًا من الضفة الغربية، رافقت وفاء في السجن، تقول لـ "نوى": "المحتل لا يفرق بين رجل وامرأة، وجميعنا نواجه التعذيب والظلم بأشكاله المختلفة".

وتتفق دعاء التي قضت 10 سنوات من حكمها بالسجن لـ (329 عامًا) مع وفاء، على أن تجربة العزل هي "الأصعب والأشد"، وقد خاضَت هذه التجربة المريرة لنحو شهرين.

ليست التجارب وحدها ما يتشابه، وإنما المشاعر أيضًا، وكما وفاء فقد تزوجت دعاء وأنجبت أطفالًا، غير أنها تحافظ على تواصلها مع الأسيرات والأسرى، ومتابعة تطورات الأحداث الحالية، وتثق بقدرة الحركة الأسيرة على إلحاق الهزيمة ببن غفير وٍإسقاط إجراءاته.

ورغم خصوصية واقع الأسيرات، إلا أنهن يرفضن الاستثناء من مواجهة السجان والمشاركة في الفعاليات الاحتجاجية، وقد شهدت دعاء خلال سنوات اعتقالها مواجهات وإضرابات، كانت الأسيرات جزءًا أصيلًا منها، وقد تعالينَ على مطالب الأسرى لهن بإعفائهن من المشاركة.

ومن بين نحو 4700 أسيرًا لدى الاحتلال، تقبع 28 أسيرة في سجون الدامون، من بينهن فتيات قاصرات تقل أعمارهن عن 18 عامًا، بحسب إفادة مدير الدراسات والتوثيق في هيئة شؤون الأسرى والمحررين عبد الناصر فروانة.

وقال فروانة لـ "نوى": "إن الأسيرات يواجهن ذات الظروف الاعتقالية القهرية، وربما أشد قسوة، فالاحتلال لا يحترم خصوصية الأسيرة، وإنما يتعمد إهانتها بإجراءات تخدش أنوثتها، كالتحقيق العنيف والتعذيب بأبشع صورة، وإجراءات التفتيش العاري".

ورغم بشاعة ذلك، إلا أن الأسيرات يتمتعن بإرادة قوية، ولهن مواقف مشرفة مسجلة في سجلات المعارك التي لا تنتهي مع السجان.

ويستذكر القرار الشجاع لأسيراتٍ كن ضمن الصفقة السياسية للمفرج عنهم من الأسرى والأسيرات عام 1996م، ورفضن مغادرة السجن، واشترطن تبييض السجون من الأسيرات كافة، وقد تحقق لهن بعد أكثر من عام، وهو حدث لم تشهده السجون من قبل أو بعد.

وكانت الأسيرات سبّاقات أيضًا في خوض الإضرابات عن الطعام منذ العام 1969م، سواء إضرابات فردية خاصة بهن، أو جماعية مع الأسرى كافة، بحسب فروانة، وقال: "أسيراتنا مناضلات من أجل الحرية، وهن جزء أصيل من الحركة الوطنية الأسيرة".

اخبار ذات صلة
كاريكاتـــــير