شبكة نوى، فلسطينيات
اليوم الخميس 08 يونيو 2023م00:31 بتوقيت القدس

مواطنون: "مش حياة"

"المكب" ينفثُ سُمَّه.. حريقٌ جديد في جحر الديك

05 مارس 2023 - 13:47

غزة:

بسرعةٍ هرولت أم محمد أبو عيادة صوب نوافذ بيتها في قرية جحر الديك، شرقيّ مدينة غزة، في محاولة يائسة لمنع وصول دخان حريقٍ غطى سماء القرية فجأة.

في التفاصيل، اندلَع قبل ثلاثة أيام حريقٌ في مكب نفايات جحر الديك الواقع أقصى شرق القرية، متسببًا في كتم أنفاس نحو 5000 مواطنٍ يعيشون على مساحة 6200 دونم في هذه القرية الزراعية.

القرية الخضراء، ذات الطبيعة الخلّابة، يكدّر صفو هوائها مكب نفايات يستقبل يوميًا 1200 طن، قادمة من مدينة غزة ومناطق البريج والشمال، فيما يعاني أهلها على إثر وجوده، العديد من المشكلات الصحية، والبيئية، والاجتماعية منذُ أُنشِئ هناك.

عودة إلى أم محمد، التي تنفست الصعداء ما أن تمت السيطرة على الحريق رغم استمرار انبعاث بعض الدخان. تقول: "ليس هذا الحريق الأول لكنه الأكبر، ما حدث مؤذٍ ويؤثر على صحتنا. لقد اضطررنا إلى إغلاق الشبابيك، وهذا لم يعد غريبًا علينا، فنوافذ بيوتنا مغلقة معظم الوقت بسبب الرائحة المنبعثة من المكب"، متابعةً بانفعال: "مش حياة هادي.. مش حياة".

أم محمد هي أمٌ لسبعة أطفال، تعاني من حساسيّةٍ تنفسية، ويزداد وضعها سوءًا وقت الحرائق التي تندلع بين الحين والآخر في المكب، فتصاب بنوبة سعالٍ شديدة، وضيقٍ في التنفس.

تعقب: "أطفالي الثلاثة يعانون ذات المشكلة. أنا مضطرة لمنعهم من الخروج للشارع أو فتح الشبابيك، رغم علمي ان هذا يحزنهم"، مضيفة: "إن الكثير من نساء القرية ورجالها يعانون ذات المشكلة بسبب المكبّ ورائحته".

زوجها أبو محمد يعي تمامًا ما تعانيه زوجته واطفاله، يقول لـ"نوى" عن النيران التي استمرت لثلاثة أيام: "أخيرًا تمت السيطرة عليها بجهود من الدفاع المدني والشرطة، لكن الدخان ما زال ينبعث من هناك مغطيًا سماء القرية".

ويتابع: "الحريق ودخانه تسبب بحالات اختناقٍ عديدة. خلال السنوات الماضية كانت السيطرة على الحرائق أكبر بكثير، ولكن ها هي تعود مجددًا لتقُضَّ مضاجعنا"، مردفًا: "حتى في ظل عدم وجود حرائق، فالرائحة المنبعثة من المكب تؤثر على السكان الذين يشتكي عدد كبير منهم من مشكلات في الجهاز التنفسي".

يوافقه الرأي جاره المختار أبو لطفي أبو عيسى، الذي يؤكد أن وجود المكبّ بحد ذاته مشكلة، "إذ يوجد في المكان مدرستين للأطفال، يتعرض طلبتها لخطر استنشاق هذه الروائح بشكل دائم، إضافة إلى الانعكاس السلبي على المواطنين في بيوتهم".

ويقول: "يبلغ ارتفاع المكب نحو 30 مترًا، وعادة ما تبدأ الحرائق في منتصفه، ثم تمتد إلى الداخل وهذا يجعل السيطرة عليه صعبةً للغاية".

وتابع: "الزراعة الموسمية المعتمدة في المنطقة المحيطة بالمكبّ تأثرت بشكل واضح، فلم تعد صحية"، موضحًا أن عدة مهندسين زراعيين أجروا دراسةً على المزروعات هنا فلم ينجح معهم أي شي!

وختم بالقول: "جحر الديك ما زال يحافظ على وضعه كمنطقة زراعية، والمساحة التي يشغلها المكب واسعة، وبالإمكان الاستفادة منها بشكل أفضل لصالح كل غزة خاصة وأن جحر الديك تعد السلة الغذائية للمدينة.

المواطنة حليمة أبو عطيوي، من جانبها تحدث "نوى" عن معاناتها الطويلة بسبب الحرائق من ناحية، وبسبب الروائح السيئة التي تنبعث من المكب بشكل يومي.

تقول: "جحر الديك تعدّ من أجمل مناطق قطاع غزة، لا يلوث هواءها سوى المكب. لدي أحفاد لا أسمح لهم بفتح الشبابيك او حتى اللعب بالشارع. الوضع هنا مخيف، خاصة مع حدوث عدة حالات وفاة داخل المكب نفسه".

وتابعت: "يعاني الكثيرون من مشاكل صحية، وصعوبة في التنفس، بسبب ما ينتجه المكب من دخان وروائح، فما بالكم عندما تحدث حرائق؟!".

بدوره يقول عبد الحليم أبو القمبز، مشرف المكب في بلدية غزة: "إن أسباب حريق المكبّ بشكل عام هي ارتفاع درجات الحرارة، أو إشعال نار من قبل النباشين، أو بسبب وصول نفايات غير مرئية، فيها آثار حريق، أو بسبب إطلاق نار من الجانب الإسرائيلي نحو المكب، أو صوب رعاة الأغنام".

وتابع أبو القمبز في تصريحاتٍ صحفية: "عند اشتعال المكب، نواجه صعوبةً كبيرة في إطفاء النار بسبب عدم وجود المعدات المخصصة لذلك"، مشيرًا إلى أن أفضل طريقة لإخماد النار هناك هي "الطمر بالرمال والطين"، "ولكن هذا غير ممكن في ظل مساحة المكب الكبيرة، والحاجة إلى إمكانيات كبيرة لا تتوفر لدى بلدية غزة" يستدرك.

ويستقبل يوميًا 1200 طن من النفايات -وفقًا لأبو القمبز- إضافة إلى الحمولة التي تصل من محطات المعالجة بقدر 200 طن، ما يعني أن المكب يستقبل 1400 طن من النفايات، وهذه أكبر كمية تصل الى مكب نفايات في فلسطين.

في مقابلة سابقة لـ"نوى" مع الخبير البيئي د.أحمد حلس، قال: "إن مكبات النفايات تتعرض للاحتراق لأن 65% من محتوياتها مواد عضوية، تتحلل نتيجة الضغط والحرارة، مما ينتج غاز الميثان القابل للاشتعال نتيجة الحرارة، ناهيكم عن إلقاء أعقاب السجائر من قبل النباشين، وأحيانًا ممن يجمعون القمامة في سيارات النقل".

وأضاف: "مشكلة النباشين واحدة من أعقد المشكلات التي لم يتم إيجاد أي حلول لها حتى الآن، رغم الكثير من المحاولات، فهؤلاء كثيرًا ما يلقون أعقاب السجائر في المكب، وحين تندلع النيران تكون هناك صعوبة شديدة في السيطرة عليها، إذ يتحول المكبّ إلى ما يشبه بئر النفط"، "ويا للأسف فإن هذه النيران في وقت الصيف لا تتوقف أبدًا، بل وفي عدة مكبات على مستوى مساحة القطاع".

ويحذر الخبير البيئي من خطورة الحرائق الناتجة عن النفايات، "فهي محمّلة بالمواد السامة والمسرطنة، فالنفايات تحتوي كميات هائلة من البلاستيك بكل أنواعه، وهي مجموعة من المواد المسرطنة، التي تنتج أكاسيد الكربون، وكلها مواد سامة لا رائحة لها، لكنها تُستنشق وتختلط بالدم، وتتسبب حدوث تخلّف عقلي".

ويكمل: "كل هذا بسبب أن النفايات تحتوي على مواد مختلفة من مخلفات المنازل، ما بين مواد عضوية وأجهزة هواتف وغيرها، يتسبب حرقها في إنتاج عناصر ثقيلة، تهبط بفعل الهواء إلى التربة، وتدخل المزروعات عن طريق عملية الري، ثم نجد لدينا الأعداد الهائلة من مصابات ومصابي السرطان".

كاريكاتـــــير