شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 19 ابريل 2024م19:22 بتوقيت القدس

غزة.. ليس أدفأ من "ضحكة" على البحر بعد "منخفض"

22 فبراير 2023 - 11:28
الصور بعدسة/ عطية درويش
الصور بعدسة/ عطية درويش

قطاع غزة:

بمناقيش زعتر صنعتها صباحًا، و"تيرمس" شاي بالميرمية، والكثير من الحب، تجهّزت سمر داوود للانطلاق نحو البحر برفقة خطيبها أدهم.

أسبوعان من البرد القارس، كانا سببًا في فراقٍ قسريٍ بينهما، لم يتمكن خلالهما الشاب الذي يعمل باليومية من اصطحابها إلى مطعمٍ دافئ بسبب قلة مدخوله، أو حتى إلى مقهى يمكن أن يكلّفه كوب القهوة فيه تسعة شواقل على أقل تقدير!

تتفهم سمر ذلك الوضع، وقد جاءت رحلة البحر هذه بعد وقتٍ تغلغل فيه البرد داخل عظامها، تحت سقف بيتها البارد، حيث الكهرباء مقطوعة، "والغاز المتوفر بالكاد يكفي للطبخ بدلًا من التدفئة".

تقول مبتسمةً بانفعال: "طلعت الشمس وأخيرًا، أكيد الحل في جلسة أمام البحر".

تبلغ سمر من العمر (26 عامًا)، وهي خريجة تخصص المواد الاجتماعية، وقد عملت بالتدريس مرتين لفترات مؤقتة "بطالة"، وتحاول الآن مساعدة نفسها بالدروس الخصوصية، التي تعطيها للطلبة في منطقة سكنها شرقي غزة.

تحدث الشابة "نوى" بأنها لا تخرج من بيتها لعدم وجود عمل، "وأما أوقات التنزه فهي مرتبطة بالجو. غالبًا المكان الذي يمكن أن أرفه عن نفسي فيه، وبإمكانيات محدودة داخل غزة هو البحر. حبيبي الوفي الذي يحتضن أسراري ومشاعري، وينتزع كل المشاعر السلبية في قلبي، ويمدني بالحب، ومثلي هنا كثُر يتبادلون همومهم ويضحكون" تزيد.

وبحر غزة ليس كأي بحر آخر، ممتلئٌ بالقصص! تتبدّل أمواجه وكأنها تبتلع غصّة أبنائه ولو بشكلٍ مؤقت، لكن دويّها يُسمع! 

كريم حمدان (19 عامًا) أيضًا، وهو شخص من ذوي الإعاقة الحركية، كان طوال فترة المنخفض يتابع أخبار الطقس، فالأمطار تخنقه بين جدران البيت، ولا يستطيع دفع الكرسي تحت المطر ولو بمساعدة الأهل، أما البحر فهو جليسه وأنيسه، كاتم أسراره، وحضن أحزانه، عندما استيقظ ورأى الشمس تطل من نافذة غرفته صرخ ينادي والده: "الله الله، الجو مشمس إلى آخر الشهر، سنذهب إلى الميناء يوميًا".

الذهاب إلى البحر، أكثر ما يحب كريم فعله بحياته بعد إنهاء دراسته بالثانوية العامة، إذ لم يتمكن من الالتحاق بالجامعة نظرًا للظروف الاقتصادية التي تمر بها عائلته، ومعظم المحاصرين في القطاع منذ 17 عامًا. 

يقول: "من حظّي أن منزلنا قريب من البحر، لا يحتاج الموضوع لمواصلات، نكتفي بكوبٍ من القهوة يصنع أحد الباعة في الميناء بشيقل واحد، وبعض المسليات الخفيفة. أشعر كأنني أمتلك العالم هنا".

هناك لا يتحدث كريم معظم الوقت، يظل يتأمل البحر، ويبحر مع المراكب الصغيرة بمخيلته، يُنعِش قلبه بالهواء، ويُغنّي "هدّي يا بحر هدّي، طولنا في غيبتنا" وهي أحد أشهر الأغاني للفنان الفلسطيني "أبو عرب".

الفرح ذاته ينعش قلوب أسرة عبد الرحمن أبو عصر، "فالبحر لا يحتاج الكثير من المال يا بابا!" يقنعه أحد أطفاله باصطحابه إلى الشاطئ، وهو هنا لا يملك خيارًا، فمع طفله حق! ليس عليه سوى حمل "شرشف" للجلوس عليه، و"تيرمس القهوة والشاي" تصنعه زوجته في المنزل، وبعض قطع الحلوى البيتية.

يخبرنا: "لو نذهب يوميًا إلى هناك لا يمل الأولاد، حتى بعز المنخفضات، يطلبون المجيء، ويقولون إن الجو بالخارج أكثر دفئًا من المنازل".

ويرى الرجل أن زيارة البحر بغزة لا تأتي من باب الرفاهية، بل من باب الحاجة، لأن المنازل حقيقة تحوّلت إلى ثلاجات بفعل انقطاع الكهرباء المتواصل، وطبيعة البناء في غزة الذي يفتقر إلى العازل، "غير أن مكوثنا في البيوت، يدفعنا لمتابعة الأخبار التي هي بمعظمها مأساوية، ونحن تشبّعنا بالهم والحزن والبكاء" على حد تعبيره.

من الجدير ذكره، أن الراصد الجوي قصي الحلايقة توقع بأن تتأثر فلسطين بموجة دافئة غير معتادة لمثل هذا الوقت من العام، وتستمر لمدة أسبوع إذ يتسارع ارتفاع درجات الحرارة حتى نهايته.

كاريكاتـــــير