شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الثلاثاء 16 ابريل 2024م17:59 بتوقيت القدس

أيقونة عهدها الجميل

غزة تحلم بعودة قطارها الوحيد لنفث دخانه

18 فبراير 2023 - 13:05
صورة قديمة لمحطة القطار في مدينة القدس عام 1900
صورة قديمة لمحطة القطار في مدينة القدس عام 1900

غزة - شبكة نوى

لم يعد للقطار الوحيد الذي مرّ من قطاع غزة من معالمٍ سوى قضبان حديدية صدئة، تذكّر المسنين الفلسطينيين الذين عايشوه بتجاربهم الفريدة في السفر بواسطته إلى مصر، أو لزيارة بلداتهم وقراهم التي أخرجتهم منها "إسرائيل" عام 1948م، بينما يعيشون حاليًا في حصارٍ مستمر منذ عام 2007م، يمنعهم من التنقّل خارج القطاع.

في شارع "السكة" وسط مدينة غزة، الذي سمّى بهذا الاسم نسبة للقطار، لا يزال المقيمون من كبار السن يسمعون صفيره وصرير عجلاته كلما خطّت أقدامهم آثار قضبانه المتبقية.

عطية أبو عيطة (68 عامًا)، سافر عدّة مرات بواسطة القطار إلى الإسكندرية، خلال فترة تولّي الحكومة المصرية مسؤولية قطاع غزة (1948-1967).

صورة قديمة لمحطة القطار في غزة

يروي لـ"نوى" كيف أنه كلما مر بجوار محطة القطار في مدينة خان يونس جنوبي القطاع، التي باتت اليوم مهجورة ومتهالكة الجدران، تبادَر إلى مسامعه صوت جلبة المسافرين، الذين كانوا ينتظرون توقفه لركوبه قبل نحو خمسين عامًا.

ويستذكر أبو صابر: "هذه المحطة تروي أفضل أيامنا. خلال طفولتي كنت أركض مع أصدقائي خلف القطار لدى مروره فرحًا به حتى يتوارى عن الأنظار".

وأوضح أن سكان قطاع غزة كانوا يسافرون بالقطار إلى القاهرة دون قيود، في رحلة تستغرق نحو 8 ساعات للعمل، أو الزيارة، أو السياحة والترفيه، بينما يشعر بحسرة لما آلت إليه الأوضاع في القطاع، حيث بات السفر صعبًا من معبر رفح، أو عبر حاجز بيت حانون الذي يسيطر عليه الاحتلال.

أُنشِئ خط السكة الحديد خلال العهد العثماني عام 1892م؛ لتسهيل التواصل بين البلاد العربية في آسيا وإفريقيا، ينطلق من دمشق ويتفرع إلى خطين، أحدهما إلى الأردن والآخر إلى لبنان وفلسطين، وصولًا إلى عكا وحيفا والقدس وقطاع غزة ومصر، يقول أستاذ التاريخ ناصر الدين اليافاوي.

محطة القطار في حيفا 

ويضيف د.اليافاوي: "إن السكة تعرضت للتخريب خلال الثورة العربية الكبرى، وسقوط الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى، وبعد سيطرة بريطانيا على القطاع، شغلت السكة مجددًا حتى عام 1948، فكانت تمتد من القنطرة في مصر حتى غزة وصولًا لمدن الضفة ثم حيفا في الداخل ومنها إلى بيروت، وأدت لازدهار مدن وقرى فلسطينية بأكملها بسبب التبادل التجاري.

أدارت مصر السكة حتى عام 1967، وكانت تربط القاهرة بالقطاع، وتستخدم للتبادل التجاري والسفر، حسب اليافاوي، الذي يضيف: "بعد النكسة عام 1967 كانت إحدى نتائجها سيطرة الاحتلال على الضفة والقطاع وسيناء، استولت "دولة الاحتلال على السكة، وغيرت مسارها بدءًا من ميناء السويس المصري وحتى حيفا، واستخدمته لأغراض عسكرية، وعام 1927 سمحت باستخدامه لنقل العمال الفلسطينيين إلى الداخل".

بعثة نسائية تغادر إلى القاهرة بالقطار عام 1938

وتابع: "بعد أقلّ من عام على اندلاع حرب أكتوبر عام 1973، توقف هذا القطار نهائيًا عن العمل بعدما دارت عجلاته آخر مرة عائدًا من غزة إلى (تل أبيب)".

كانت سكة القطار سببًا رئيسًا في انتعاش اقتصاد قطاع غزة، حيث كان منطقة تجارية حرّة لتجار مصر والسودان والضفة وعكا وحيفا، أي منطقة تبادل تجاري يعود بفوائده الاقتصادية على السكان المحللين.

"كنت أبلغ 14 عامًا، والدي تاجر أقمشة يصحبني كل خميس أسبوعيًا إلى المحطة للقاء التجار المصريين الذين يعرضون بضائعهم، فكان يشتري منهم ويبيع في السوق المحلي"، يقول المسن رائد العشي (76 عامًا).

تتكون السكّة حسب العشي من أربعة خطوط، خطان للمسافرين واثنان للتجار والبضائع، لكن عندما بدأ الاحتلال الإسرائيلي للقطاع عام 1967، لم يعد القطار يقلّ تجارًا ولا مسافرين، ولم يسمح للفلسطينيين بالسفر من خلاله.

عودة إلى اليافاوي، الذي يوضح أن الفلسطينيين عاشوا تجربة جديدة مع القطار، عندما انتقل لسيطرة الاحتلال، إذ اختفت ملامحه المدنية وبات يستخدم لنقل الجنود الإسرائيليين من وإلى سيناء.

يعقّب اليافاوي :"رغم عسكرة القطار لكن التجارة لم تغب عنه، فكان جنود إسرائيليين يشترون من التجار الفلسطينيين قطع أثاث خيزراني، حيث كانت غزة تشتهر بصناعة الخيزران".

يضيف: "لاحقًا سمح الاحتلال للفلسطينيين بالسفر من خلاله إلى الضفة و(إسرائيل) شريطة عدم المبيت، ويذهبون للصلاة في القدس، ثم يعرجون إلى المدن التي احتلها (إسرائيل) عام 1948 للبحث عن أطلال منازلهم وأراضيهم التي هجرتها العصابات الصهيونية".

رائد السدودي (78 عامًا)، كان واحدًا من العمال الذين تنقّلوا عبر القطار إلى الداخل للعمل، يقول إن حكايته مع القطار تتعلق بكونها تجربته الحياتية الوحيدة في ركوب القطارات.

يكمل: "كنت ألتقي بمجموعة من العمال يوميًا في المحطة في الرابعة فجرًا، ننتظر مروره لينقلنا إلى مدينة تل أبيب للعمل في البناء، وبعد الانتهاء من العمل نزور قرانا المهجّرة، كانت الحياة حرّة ومريحة أكثر من اليوم".

ويوضح أن العمال الفلسطينيين كانوا يضطروا للعمل في (إسرائيل) بسبب ندرة العثور على العمل في غزة، فضلًا عن الأجور الكبيرة التي يتقاضوها.

اليوم لم يعد يُرى من السكة سوى قضبانها الحديدة، إذ رصفت السكة بالرمال والقار، لتتحول إلى شارع أسفلتي، وتحوّلت المحطة إلى سوق الشجاعية الشعبي، ومع مرور سنين شهدت انتفاضتين (1987-1993) و(2000-20005)، لم يعد ممكنًا لدى الفلسطينيين في القطاع الذهاب إلى الضفة الغربية أو (إسرائيل).

تقول جمعية "مسلك" الإسرائيلية في تقرير نشرته على موقعها الإلكتروني إنه "ابتداءً من 1991 صار على سكان قطاع غزة الحصول على تصاريح شخصية لدخول (إسرائيل)، تناقصت عامًا بعد عام".

ويأمل المسنون الذين شهدوا قطار غزة الوحيد، أن يُكتب لأحفادهم ذات يوم أن يشهدوا مرور قطار آخر، ينهي سنوات الحصار الإسرائيلي ويمنحهم فسحة أمل بحرية الحركة والتنقّل.

بقايا محطة القطار في خانيونس

آثار قضبان السكة في شوارع غزة 

صورة أثناء مرور القطار بغزة عام 1965

صورة للقطار وهو متوقّف في السكة بمدينة غزة عام 1930

شارع صلاح الدين قرب محطة القطار - الشجاعية عام 1969

صورة محطة القطار أوائل الستينات- الشجاعية- سوق البسطات حاليًا 

مرور قطار غزة عبر دير البلح عام 1914

محطة قطار غزة عام 1962

 

كاريكاتـــــير