شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الخميس 28 مارس 2024م10:59 بتوقيت القدس

محتوى رقمي حول التوحّد.. نيفين وطفلها أبطاله

15 فبراير 2023 - 12:48

غزة :

ما إن ثبّتت الشابة نيفين عرفات هاتفها الذكي للبدء بتسجيل محتواها الرقمي الذي حضّرته، حتى أجهشت بالبكاء عدّة مرات، فقد كانت تظنّ الأمر طبيعيًا عند الحديث عن تجربتها في تأهيل ابنها البكر عماد المصاب بالتوحّد، عبر نصوص فيديو مرفقة بصور تختصر مراحل علاجه.

نيفين هي شابة فلسطينية من قطاع غزة، عاشت صدمة اكتشاف إصابة طفلها البكر بمرض التوحّد، لكنها سرعان ما قررت تجاوز الأزمة ومساعدة طفلها على أن يحيا بشكل أفضل، وبدأت رحلة البحث المطوّل عن أفضل طرق لعلاجه وتأهيله، نجحت خلالها في تخطي مراحل مختلفة، وصممت على مشاركة تجربتها مع نساء لديهن نفس التجربة.

تقول نيفين لنوى: "لم أكن يومًا صانعة محتوى، لكن شعرت أن لديّ قصة أريد مشاركتها عبر الاستعانة بمواقع التواصل الاجتماعي، كي أساعد العديد من الأمهات اللواتي ربما سيطر عليهن اليأس، فقررت مشاركة بعض التفاصيل عن طبيعة المرض وصعوبات الرحلة مستخدمة اللهجة العامية".

خلافًا لتوقّعها، حقق الفيديو الأول على صفحتها الشخصية آلاف المشاهدات، وتواصلت معها عشرات الأمهات، طالبات منها معلومات تسهم في التخفيف من حركة أطفالهن مثل العناد والصراخ الدائم الذي يكاد يفقدهن صوابهن.

" كان السبب الأساسي الذي دفعني للعمل على الفكرة هو كيفية تأقلم عماد مع أخيه الأصغر"، تقول نيفين، فقد كان عماد أولى عطايا الحياة لها، وعندما أنجبت طفلها الثاني زيد، لم يتقبل وجوده بفعل طبيعة مرضه فحاول إبعاده بشتى الطرق.

بالرجوع إلى رحلة نيفين مع طفلها عماد منذ البداية، تقول: "لم يظهر عليه شيء عندما كان صغيرًا، لكن بعد عام ونصف، بدأت ألحظ أنه لا يستجيب، اعتقدت أنها مشكلة في السمع، لكنه كان يستجيب لبعض الأصوات حين كان أصغر، ومن طبيب إلى طبيب حتى اكتشفت أنه مصاب بالتوحّد".

تكمل: "كنت أعلم أنني المسؤولة عن انتزاع طفلي من هذه الحالة، حيث أنه كان مصابًا بفرط الحركة، وبسبب ضعف الإمكانيات لعلاج مرضى التوحّد هنا، تواصلت مع خبير عراقي عبر الإنترنت نجح في علاج حالات مشابهة، وقد سمح بمتابعة عماد لمرتين فقط".

في المرة الأولى تم تشخيص الطفل والاتفاق على حمية غذائية صارمة متمثلة بمنع المصادر التي تزوّد الجسم بالطاقة، واستبدالها بأخرى أقل ضررًا كالخبز الذي صنعته بيديها والحلوى وغيرها، مما فرض على الأم انعزالًا تامًا عن حياتها الاجتماعية، واتبّاع نظام رياضي يومي متمثل بساعة ركض على الشاطئ لتفريغ الطاقة المختزنة.

نظرًا لعدم إمكانية التواصل مع المختص مجددًا، لجأت لأخصائيين في غزة، لكنها لم تكن تطمئن للكثير من الوصفات الطبية التي يخطّها أطباء، ففور رجوعها للمنزل تشرع بعملية بحث على الإنترنت عن الأدوية المكتوبة وآثارها الجابية، وفوجئت بأن من بينها علاج للصرع وأخرى للكهرباء، لذلك اكتفت بجرعات الفيتامينات.

تكمل والدموع تكاد تنفجر من عينيها: "حين كنت أعترض كانوا يبررون الأمر بأنهم يريدون منحي قسطًا من الراحة عبر إدخاله في سبات، مما أثار غضبي. أنا أريد لطفلي حياة طبيعية، لا أريد أن أراه كالجثة طوال الوقت".

استجمعت قواها وتابعت: "مشكلة مريض التوحّد تكمن في الطاقة الزائدة، ورغبته في تفريغها، لذلك أطلقت على ابني لقب "الدينامو"، لاستطاعته المشي قاطعًا عدة محافظات دون تعب، وما يعزز ذلك امتلاكه ذاكرة بصرية مميزة، فيكفي أن يزور المكان مرة واحدة، حتى يرجع إليه وحده دون إرشاد".

تضيف: "من الصعب إعطاء أوامر لمريض التوحّد، فغالبًا يستقبلها بنوبة بكاء وغضاب ينتهي بكارثة، لكني تسلحت بكل قوتي، وأصبحت أعطي عماد كل يوم عشرة أوامر، كأن يفتح الباب، واضعة يده على المقود وسط صرخات لا تتوقف، حتى يستجيب بالنهاية".

الوقت هو الكنز المفقود في رحلة علاج مرضى التوحد، فحسب عرفات كلما بدأت مبكرًا كان الأمر أسهل، وقد شرعت مع طفلها عماد منذ اللحظات الأولى لاكتشاف المرض. اليوم أصبح عمره 7 سنوات وهو يستعد لدخول المدرسة مجتازًا اختبارات الصف الأول بنجاح.

لعلك تتساءل: ما وسيلة التخاطب بين عماد وأمه، حسنًا، كان الطفل يستطيع تكوين جملة من كلمتين يعبّر بها عن احتياجاته، لكنه لاحقًا فقد تلك القدرة التي استطاعت أمه إرجاعها والتطوير عليها، بالتدريب المستمر.

أما عن الغضب الزائد، تشيرإلى أنه "من السهل الرضوخ لموجة الغضب وإعطائه ما يريد، لكن ما أفعله هو أنه يصبح لديه إدراك ووعي مفاده: حينما يخطئ سوف يعاقب عبر حرمانه من لعبته التي يحبها أو نزهة قصيرة، ورغم أن هذه الخطوة كادت أن تودي بي لحافة الجنون، لكنها باتت اليوم أكثر فائدة في تهدئة عماد".

تقضي نيفين مع طفلها 16 ساعة يوميًا في محاولة تعديل سلوكه، بتغيير طبيعة عماد الروتينية التي تمقت أي إضافات، لينتقل من مرحلة فكرة القضاء على أخيه، إلى اعتباره شريك يومه، ومساعِده الأمثل في إنجاز أي عمل يرغبه.

حين بدأت الشابة بتجهيز محتواها للنشر على منصات التواصل الاجتماعي، كانت تتزاحم الأفكار في رأسها بأي منها تبدأ، هل تستقر على ذات الطريق؟ أن ستظهر هي أو النصوص فقط، لكنها وبينما تؤكد أن ما ستبثه، سيفيد حالات مشابهة لحالة طفلها فقط، ما زالت تطمح لأن تشكّل مستقبلًا انطلاقة جديدة تساعد أمهات الأطفال المصابين بالتوحد.

تستعد نيفين حاليًا للتجهيز لفيديوهات أخرى، تشرح فيها بشكل بسيط كيف تعطي مريض التوحّد عشرة أوامر في اليوم الواحد، وكيف تمارس الرياضة معه، والحمية الغذائية، وغيرها، فاستجابة الأمهات كان حافزًا إضافيًا لها شجعتها على المضي قدمًا.

اخبار ذات صلة
كاريكاتـــــير