شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الثلاثاء 16 ابريل 2024م13:32 بتوقيت القدس

مرضى غزة.. طوابير "ع الدور" والأجهزة معطّلة!

11 يناير 2023 - 14:50

غزة:

لا تنسى المواطنة رويدة مفيد كيف تأخرت عملية طفلها الجراحية قبل أقل من عامين، عندما تعرّض لحادث سيرٍ، أدخله في حالةٍ خطيرة.

تقول: "ما زلت أذكر كيف حمل زوجي طفلنا حسن من طابق الطوارئ بمستشفى الشفاء، وأسرع به نحو طابقٍ سفلي من أجل صور الأشعة، ثم اضطر للصعود به إلى الطابق الثالث مرة أخرى من أجل التشخيص".

كان الزوجان في حالة انهيارٍ نفسي، بينما الطفل الذي لم يتوقف عن الصراخ، انتفخت قدمه واسودّت نتيجة صعوبة الحادث.

تكمل: "الأقسى من هذا كله، أننا اضطررنا للانتظار أكثر من ساعتين من أجل إدخاله لغرفة العمليات، بسبب وجود حالة خطيرة أخرى، بينما طفلي في حالة سيئة وكل دقيقة تمرّ تشكّل خطورة أكبر على قدمه التي أنقذها الأطباء بصعوبة".

معاناة أخرى تتحدث عنها الشابة ولاء محمد من مدينة خانيونس، جنوب قطاع غزة، حين احتاج شقيقها إلى صورة رنين مغناطيسي، فاضطر للانتظار "على الدور"، "وهذا يحتاج وقتًا طويلًا، بينما شقيقي في حال الخطر".

تقول لـ"نوى": "شقيقي تُوفّي لاحقًا، لكن لا أنسى معاناتنا ونحن بانتظار إجراء صورة رنين مغناطيسي له. لقد اضطررنا آنذاك لاستدانة مبلغٍ دفعناه لمركزٍ طبيٍ خاص من أجل الصورة، كان كبيرًا جدًا بالنسبة لإمكانياتنا".

ما حدث مع الشابتين، نموذجٌ لما يعانيه آلاف المرضى في قطاع غزة، نتيجة نقص الأجهزة الطبية في مستشفيات قطاع غزة، وتعطّل الكثير منها بسبب منع الاحتلال الإسرائيلي إدخال قطع الغيار اللازمة لها، ما يجعلها خارج الخدمة، ويتسبب في حرمان المرضى من الحصول على الرعاية الصحية المناسبة.

ووفقًا لتصريحٍ أصدرته وزارة الصحة، هناك 350 جهازًا متعطلًا داخل مستشفيات قطاع غزة، بينما حذرت الوزارة خلال مسيٍر لسيارات الإسعاف قبل عدة أيام من خطورة ما يمارسه الاحتلال على حياة آلاف المرضى.

وأوضحت الوزارة أن الاحتلال يمنع إدخال جهاز القسطرة التداخلية اللازم لإنقاذ مرضى الجلطات من الموت والشلل، وأربعة أجهزة أشعة سينية، تتيح تشخيص حالات العظام والكسور داخل غرف العمليات، وثلاث أجهزة أخرى تتيح تشخيص المئات من الحالات المرضية، وأجهزة أشعة متحركة لتصوير وتشخيص مرضى العناية المركزة، وقطع غيار الأجهزة الطبية والتشخيصية المتعطلة.

وبينما اكتظت قاعات الانتظار في مستشفى الشفاء بمئات المرضى الذين ينتظرون دورهم للحصول على صور أشعة قد لا يتمكنوا من إجرائها بسبب تعطّل غالبية أجهزة المستشفى، يخبرنا د.محمد مطر مدير دائرة الأشعة في مجمع الشفاء الطبي لـ"نوى"، أن المشكلة كبيرة، ومستشفى الشفاء يعاني من ضغط كبير، إذ يستقبل يوميًا 90-100 حالة أشعة مقطعية، و40-45 حالة رنين مغناطيسي، و150 حالة تصوير تلفزيوني وما يقارب 1000 حالة أشعة عادية.

ويقول: "هذا العدد الكبير يسبب مع الوقت مشاكل في الأجهزة الطبية التي تحتاج إلى صيانة، وأي خلل في الصيانة يسبب خللًا في الخدمة".

مثلًا إذا توقف جهاز الرنين المغناطيسي بسبب مشكلة صغيرة، يمكن أن يعود للعمل خلال ساعات في أي دولة، لكنه في قطاع غزة، يتطلب 9 شهور! "وهذا ما حدث في الشفاء، عندما توقفت الخدمة تمامًا بسبب عدم دخول القطعة اللازمة، حيث لا يوجد جهاز غيره سوى في المستشفى الأوروبي، وهو نصف جهاز كونه قديم" يضيف.

ويكمل: "توقف جهاز الشفاء يعني اضطرار أهل المريض للتصوير في المراكز الخاصة، وهذا مرتفع التكلفة".

أما أجهزة الأشعة المقطعية -حسب مطر- فخلال السنوات الخمس الماضية، كانت تمر فترات تتوقف فيها كليًا، وذات المشكلة في قسم الطوارئ، فيضطر أهل المريض إلى حمله من طابق لآخر من أجل صورة أشعة، وهذا عبء نفسي كبير على المريض وأهله، كما أنه يُعرض المريض للخطر في حال وجود كسور" يعقب.

وأقسى ما يعانيه الأطباء هو غياب بعض الأجهزة اللازمة لغرف العمليات مثل الأشعة المتنقلة، فلم يكن يعمل بمستشفى الشفاء سوى جهاز واحد، فيضطر الأطباء إلى تبديله بين غرف العمليات أثناء العملية، كي يتدبروا أمورهم، لكن هذا عبء نفسي كبير على الأطباء، فهم يحتاجونه طوال الوقت.

وتُعَدُّ مشكلة قطع الغيار "شبحًا" بالنسبة للأطباء، فتعطّل أي جهاز يعني الانتظار لفترة طويلة كي تدخل القطعة اللازمة، بينما المشكلة في أي بلد آخر لا تتطلب أكثر من 48 ساعة لتُحَل، على أبعد تقدير.

بدوره، قال إبراهيم عباس مدير وحدة التصوير الطبي بوزارة الصحة: "إن قطاع غزة يعاني نقصًا حادًا في عدد أجهزة الأشعة المُستَخدمة في المستشفيات وأقسام الرعاية الأولية، فنحو 50% من الأجهزة الثابتة والمتحركة قديمة ومُتهالكة، وهناك أجهزة مرّ عليها أكثر من 20 عامًا، وهي ضعيفة، ما يؤدي إلى ضعف جودة الصورة، وهناك أجهزة متوقفة عن العمل، ونحن ننتظر دخول أجهزة جديدة لاستبدال القديمة".

وأوضح إننا بحاجة إلى عدد كبير من الأجهزة كي نفي بخدمات تصوير الأشعة في كل مراكز الوزارة التي يتردد عليها أكثر من 600 ألف حالة سنويًا، ونقص الأجهزة يلقي بظلاله السلبية على المرضى الذين ينتظرون لفترات طويلة من أجل الفحص، وأحيانًا تحدث أخطاء نتيجة ضعف جودة الصور بسبب تقادم الأجهزة.

وتابع: "الأطباء يحتاجون هذه الأجهزة أيضًا في غرف العمليات، فالأشعة هي عين الطبيب، ولا يمكن أن يتحرك دونها، وغياب هذه الأجهزة يسبب إرباكًا لكل المنظومة الصحية، والوزارة تناشد منذ مدة من أجل إدخال هذه الأجهزة التي يمنعها الاحتلال".

"قبل نحو عام ونصف، أُدخلت أربعة أجهزة تحت ضغط الإعلام والمؤسسات الحقوقية، لكن الاحتلال عاد للمماطلة من جديد، وهذا الواقع يعرقل 50% من حالات الطوارئ" يتابع.

ويقول المحامي في مركز "الميزان" لحقوق الإنسان سمير المناعمة: "الجهاز الطبي في القطاع يشهد نقصًا على مستوى المعدّات والأجهزة الطبية التي تمنع سلطات الاحتلال إدخالها، وهذا يتسبب في نقص الخدمة العلاجية للمرضى في المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، بالإضافة إلى تهالك الأجهزة الطبية الموجودة التي تمنع سلطات الاحتلال إصلاحها".

هذه المشكلة -حسب المناعمة- انعكسَت على حياة المواطنين وعلى الجهاز الطبي، "وهو انتهاك جسيم يمس الحق في العلاج باعتباره أحد الحقوق الأساسية، كما أنه أضعف قدرة المنظومة الصحية على تقديم العلاج بالشكل المناسب" يزيد.

وكانت مؤسسات حقوق الإنسان، ومنها الميزان، تقدمت بشكاوى لدى محاكم الاحتلال الإسرائيلي والنيابة، لكن الاستجابة لم تكن بالمستوى المطلوب، وأيضًا هم توجهوا إلى المقررين الخاصين بالصحة في الأمم المتحدة من أجل فضح هذه الممارسات، للضغط على سلطات الاحتلال التي يتوجّب عليها الالتزام بالرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية عام 2004م، الذي يفرض على الاحتلال توفير الرعاية الصحية.

ويردف المناعمة: "لا يوجد أسباب واضحة لدى الاحتلال لمنع إدخال الأجهزة وقطع الغيار، لكنه يدعي ازدواجية استخدامها دون تقديم دليل على ذلك، وبالتالي الألوية للمرضى، وهذه التكهنات الإسرائيلية تمس أحاكم القانون الدولي الإنساني، والخطط العلاجية للمرضى".

وتابع: "مؤسسات حقوق الإنسان جميعًا تتقدم بشكل دوري بشكاوى قانونية ترسل منها نسخًا لمحاكم الاحتلال، كما أنها توجه نداءات ورسائل عاجلة للمقررين الخاصين بالصحة في الأمم المتحدة، من أجل تمكين المرضى من العلاج، وإدخال المعدات الطبية إلى قطاع غزة خاصة بالنسبة للأمراض الخطرة".

صور لأجهزة متعطلة عن العمل 

كاريكاتـــــير