غزة:
أواخر سبتمبر من عام 2022 انتشر على مواقع التواصل فيديو لمواطن يتحدث فيه عن تعرضه للملاحقة على خلفية قرض بقيمة 8 ملايين دينار، لا يعلم عنها أي شيء، سوى من توقعيه الممهور على الورقة فعلًا، وكيف وقع ضحية لما يعرف بظاهرة "التكييش".
ويعرف "التكييش" الذي انتشر في قطاع غزة منذ عام 2017 بأنه قيام من يبيع بالقسط ببيع سلطة للمواطن بملغ مرتفع دون أن يستلمها المشتري، ومن ثم يقوم البائع نفسه بشراء السلعة في ذات اللحظة أو عبر طرف يتبع له بمبلغٍ أقل بكثير من سعرها الحقيقي ودفع هذا المبلغ للمواطن الذي يحتاج السيولة النقدية، وبهذا يكون المواطن تعرض للخسارة مرتين، علاوة على ذلك فهو يوقّع غالبًا على ورقة غير مدوّن عليها قيمة "الدَين"، ما يتيح للبائع بوضع الرقم الذي يريده مهما كان كبيرًا.
ويروي المواطن ويدعى سامي الحميدي للإعلامي عبد الحميد عبد العاطي الذي أجرى الحوار معه أصل القصة، أنه لجأ لإحدى الشركات واسمها شركة "هـ" لاستدانة مبلغ قيمته 3362 شيكلًا، على أن يكون قيمة السداد من راتبه 4200 شيكلًا، فوافق كونه محتاج إلى السيولة المفقودة في السوق المحلي، ووقّع على ورقة غير مكتوب فيها المبلغ، ليُفاجأ بملاحقته على خلفية مبلغ ضخم يبلغ 8 مليون دينار لا يعلم عنهم شيئًا.
وبينما ناشد الحميدي حينها الوزارات المختصة بالعمل على إنقاذه من هذه الورطة، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي في الحديث عن ظاهرة التكييش التي غزت السوق المحلي في قطاع غزة، نتيجة شحّ السيولة النقدية في قطاع غزة، واستغلال تجار لحاجات المواطنين للمال بإقراضهم المبلغ مقابل توقيعهم على أوراق بشراء بضاعة منهم بمبالغ باهظة دون ان يستلمها المواطن فعليًا.
وزارة الاقتصاد بدورها تنبّهت أخيرًا إلى الظاهرة التي تسببت في حبس الكثير من المواطنين على خلفية ديون لا طاقة لهم بها، وأصدرت العام الماضي قانونًا بحظر البيع بالتكييش، ومن ثم أصدرت قانونًا للبيع بالتقسيط ينظم هذه العملية.
يوم أمس عقدت الوزارة ورشة عمل في مقر الغرفة التجارية والصناعية بمدينة غزة، ناقشت خلالها القانون بحضور مجموعة من الاقتصاديين وأصحاب الشركات.
وقال محمد مقداد رئيس نقابة الاقتصاديين في قطاع غزة، إننا في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة في قطاع غزة لا نجد من يداين، بالتالي يلجأ الناس إلى شركات البيع بالتقسيط التي تبدأ بعملية بيع ومن ثم تصل إلى "التكييش" كي يحصلوا على سيولة مالية لتلبية احتياجاتهم، مؤكدًا إن لهذه العملية انعكاسات خطيرة على المواطنين والتجار والحالة الاقتصادية عمومًا.
وشدد مقداد على أن ما يجري هو استغلال لحاجة المواطنين بطريقة غير أخلاقية، فمسألة التقسيط ولو بملغ أكبر من الأصلي هي عملية سليمة طالما أنها ضمن الحدود المنطقية، لكن الأرقام التي بتنا نسمعها كبيرة وصادمة وغير منطقية، لهذا تداعت وزارة الاقتصاد لهذه الورشة.
ويؤكد مقداد إن هذه العملية تنعكس سلبًا على المواطن الذي يجد نفسه متورطًا في ديون لا طاقة له بها ولم يستلمها أصلًا، وكذلك تنعكس على التجار، فالتاجر الذي يستورد سلعة ليبيعها بسعر معقول، سيجدها في السوق بأسعار زهيدة جدًا نتيجة عملية التكييش التي يشتري فيها مواطنون هذه الأجهزة ويبيعوها في ذات اللحظة بمبالغ زهيدة للحصول على سيولة مالية.
المستشار القانوني لوزارة الاقتصاد في قطاع غزة يعقوب الغندور، أكد أن الوزارة حظرت بشكل كامل عملية البيع بالتكييش ضمن ما يعرف بالقانون رقم 64 لعام 2022، مثلما حظرت التسويق الهرمي والشبكي وتداول العملات الرقمية وكذلك تابعت عمل مكاتب الصرافة التي تصرف الحوالات المالية بعملات غير التي وصلت بها.
وتابع إن الوزارة تلقت العديد من الشكاوى الصادمة المتعلقة بـ"التكييش"، وتداعت لضبط هذه العملية عبر ضبط عملية البيع بالتقسيط ضمن القانون 37 لعام 2022 وهو موضع النقاش، فقضية التكييش كان لها تداعيات خطيرة وتم تداول أرقام كبيرة جدًا وصادمة، ومع الأسف فالمواطن الذي يقبل التوقيع على كمبيالة بلا مبلغ محدد شريك في هذه العملية.
مثال على ذلك، فإن أحد المواطنين اشتكى من أنه اشتري جهازي تكييف لم يستلمهم أصلًا نظير حصوله على مبلغ 2500 شيكلًا، لكنه فوجىء بصاحب المحل يسلمه كمبيالة بملغ 10 آلاف شيكل، ولدى مراجعة الوزارة لصاحب الشركة أخرج ورقة كاملة تضم مشتريات ادّعى أن المواطن اشتراها، وهو ما أنكره المواطن، فتم تحويل القضية للنيابة كما يروي الغندور.
وقضية أخرى لصاحب شركة لديه قائمة بأسماء نحو 20 دائنًا مجموع ديونهم يزيد على 70 مليون شيكلًا، وبمراجعة صاحب الشركة ادعى أنه اضطر لرفع قيمة المبالغ أكثر من الأصلية ليضمن حصول على حقه في حال تقدم بشكوى وكان هناك دائنين آخرين.
العديد من الأمثلة الصادمة ذكرها الغندور في معرض حديثه عن متابعة الوزارة لقضايا وشكاوى وصلتها تم تحويل بعضها إلى النيابة العامة للمتابعة، لدرجة أن أحد الموظفين منح بطاقة الصراف الآلي الخاصة براتبه لصاحب شركة تقسيط كي يستلم راتبه كاملًا نيابة عنه، وبهذا لا يبقى للموظف سوى ما يعطيه إياه صاحب الشركة.
وتابع الغندور إن أهداف قانون البيع والتقسيط الذي تناقشه الوزارة هو وقف استغلال التجار لحاجة المواطنين وضبط هذه العملية بالكامل، كما وضع من بين شروطه أن تتم عملية التقسيط عبر شركة مرخصة، ويكون عقد البيع محررًا من نسختين يمنح المشتري نسخة منها ويتضمن مواصفات السلعة التي تم استلامها، وأن يكون العقد محدد المبلغ، مع منح موظفي الوزارة صفة الضبطية القضائية يحق لهم الاطلاع على بيانات الشركات بهذا الخصوص وفي أي وقت.
وأوصى الحضور وغالبيتهم من المحللين الاقتصاديين بضرورة عقد جلسات أخرى بحضور سلطة النقد كونها المسؤولة عن إدخال السيولة إلى قطاع غزة، والتي يجب أن تعمل على إدخالها، وكذلك ضرورة وجود جهة قضائية تتحدث حول كيفية متابعة هذه القضايا.
وأوصى الحضور أيضًا بضرورة العمل على إيجاد بدائل مصرفية أمام المواطنين، ورفع العقوبات المفروضة على قطاع غزة لما كان لها من انعكاسات أوصلتنا إلى هذه المرحلة، والعمل على حرية الحركة للتجار، وتشديد الرقابة على شركات التقسيط والعمل على تقنينها ونشر منشورات توعية للمواطنين كي لا يقعوا ضحية لهذه العمليات.