بيت لحم:
"أنا كان نِفسي أشياء كتيرة أعملها، بس إحنا ببلد مستحيل تحقق حلمك فيها، وأنا مبسوط كتير إنه ربنا حقق لي حلم من أحلامي وهو الشهادة".
بهذه الكلمات خطّ الفتى الفلسطيني آدم عياد "15 عامًا" وصيته التي كتبها بخط يده وأبقاها في جيبه، ولأن عُمر الطفولة في بلادنا قصير جدًا، فقد ارتقى هذا الفتى وحيد والديه شهيدًا صباح اليوم.
آدم كان فتى في الصف العاشر، ينشغل حاليًا إلى جانب عمله في مخبز، في متابعة الامتحانات المدرسية، حلم كما غيره بحياة آمنة، لكن كيف لفتى نشأ في مخيم لا تزيد مساحته عن كيلومترٍ ويعيش فيه آلاف اللاجئين، يتعرضون يوميًا لاعتداءات الاحتلال وضيق العيش، أن يكمل حياته بشكل طبيعي.
وفي تفاصيل استشهاده، فقد اقتحمت قوات الاحتلال صباحًا مخيم الدهيشة في مدينة بيت لحم بالضفة الغربية، وسط إطلاق نار كثيف، أصيب خلاله الفتى آدم برصاصة في الصدر ووصل إلى المستشفى جثة هامدة، وأصيب فتى آخر، بينما اعتقلت قوات الاحتلال اثنين من المواطنين.
في مخيم الدهيشة الذي ودّع قبل أقل من شهر، صانع خبزه عمر منّاع، وبذات الطريقة، أي أثناء محاولتهم اعتقال مواطنين، يستفيق اليوم على جريمة جديدة وهذه المرة بحق الطفل آدم الذي حُرم من الذهاب إلى المدرسة من أجل متابعة امتحاناته في الصف العاشر، ويا للدهشة، فإن آدم أيضًا يعمل في مخبز أيضًا تمامًا مثل عمر.
في تكملة وصية آدم كتب: "الشهادة م بس موت، الشهادة فخر لنفسك ولكل العالم، أنا بدي أوجّه نفس الرسالة اللي وجهها النابلسي، نفسي الناس كلها تصحصح".
وختم: "بدي أقول لكم بوصلتكم الاحتلال، وبتمنى ربنا يتقبلني، وبتمنى نقضي على كل الجواسيس، وما تنسوني، بدي أقولكم لقاءنا الجنة".
أمّه التي انهالت على وجهه تقبيلًا وبكاء وهي تقول: "الله يرحمك يما ع الجنة يا حبيبي".
ومن وسط جموع المعزّيات وضعت يدها على قلبها، بصعوبة تمالكت نفسها وهي تروي تفاصيل ليلته الأخيرة في حضنها: "رجع الساعة 11 بالليل، وكان سعيد جدًا، قال لي المعلّم مبسوط مني".
أخبرها آدم أنه سيتناول العشاء مع صاحبه، ومع ذلك طلب منها أن تعدّ العشاء أيضًا لأنه سيتناوله مرة أخرى معها، ثم طلب منها طبخ كوسا باللبن في اليوم التالي، لكنه استشهد قبل أن يتناول أكلته المفضلة.
تبكي الأم وهي تحكي: "كتب وصيته على ورقة، وحين رأيتها مزقتها، وقلت له أنت وحيدي وليس لي سواك، فقال إن كتير عائلات استشهد ابنهم الوحيد، والشهادة حلوة"، ولم تعلم الأم حينها أن آدم كتب وصية أخرى ووضعها في جيبه، كما لم تتوقع أن تفقد ابنها الوحيد في غمضة عين، لمجرد أن جندي إسرائيلي قرر ذلك دون رحمة.
وتكمل: "كان ابني سعيد جدًا، وأخبرني أنه احتفظ في الحصالة بمبلغ من المال، وطلب مني أن آخذ منها ما أريد، فقلت له لا أريد سوى سلامتك"، لكن آدم رحل مبكرًا وترك أمه التي لطالما خشيت فقدانه كلما سمعت بخبر استشهاد طفل، كيف لا وهي تعيش في بلد يطبق عليه الاحتلال بالحديد والنار.
وحول ما حدث قال مراسل تلفزيون فلسطين هاني فنون في مداخلة للتلفزيون، إن وحدات من المستعربين اقتحموا المخيم لاعتقال أحد الشبان، كما داهمت عناصر من جيش الاحتلال المخيم وانتشرت القناصة فيه أزقته، حيث أطلقوا الرصاص صوب المواطنين العزّل الذين واجهوا اقتحامهم، فاستشهد آدم وأصيب طفل آخر بينما تم اعتقال شاب من المنطقة.
يذكر أن 224 شهيدا ارتقوا برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي، العام الماضي 2022، بينهم 59 شهيدا من محافظة جنين.