شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 29 مارس 2024م10:16 بتوقيت القدس

يد الأعراف فوق يد القانون

"مطبات" تسحب شكاوى النساء من الشرطة

26 اكتوبر 2022 - 10:28

شبكة نوى، فلسطينيات: غزة:

"قول لأمك تحضّر كفنها"، كانت هذه الجملة التي حملها الطفل يزن )12 عامًا( لأمه عائشة (45 عامًا)، كفيلة بأن تحرمها النوم عدة ليالٍ، فهذا التهديد وصلها من ابن زوجها الذي نقم عليها إثر إبلاغها الشرطة عنه، بسبب اعتدائه عليها.

الغزية "عائشة" نموذج لما تتعرض له النساء المعنّفات حال تجرّأن وأبلغن الشرطة عن تعرضهن للعنف، فمجرد أن تقدّم الشكوى تبدأ سلسلة ضغوط مجتمعية لإجبارهن على التنازل عن حقوقهن، سواءً كانت ضغوط من المعتدي نفسه، أو من مخاتير، أو من طرف الزوج الذي يهدد بالطلاق لردّ كرامته، أو تهان في منزل والدها إن تعرضت لعنف من الأب أو الأخ، وتفقد البيئة الآمنة.

قبل نحو شهر، حدثت مشادّة عادية بين ابن عائشة الطفل "يزن" وأخيه من أبيه الثلاثيني "حسن"، تطورّت إلى اعتداء الأخير على زوجه أبيه "عائشة" لفظيًا، ثم جسديًا. تقول عائشة: "بعد دقائق من انتهاء المشكلة، غافلني بالهجوم عليّ بعصا غليظة تسببت بكسر في يدي اليسرى".

حصلت عائشة على تقرير طبي بحالتها بعد ذهابها للمستشفى، ثم اتجهت لتحرير بلاغ ضد المعتدي لدى مركز الشرطة، لكن سرعان ما هرّبته عائلته وبقي مختفٍ لعدّة أيام مورست خلالها ضغوط على عائشة لتتنازل عن الشكوى، دون حتى ضمانات بمنع تكرار الاعتداء.

تكمل: "أنا مريضة سرطان، زاد الاعتداء من آلامي، وكل ما أريده ضمان عدم الاعتداء مجددًا، طالبت بأن يتم فصل باب منزله عن باب بيتي بحائط مقابل التنازل، لكن لم يقبلوا"، بل إنه تم طرد عائشة إلى بيت أبيها، حيث واصلت عائلة المعتدي الضغوط كي تتنازل، خاصة بعد أن تم اعتقاله.

تتحسس عائشة جبيرة يدها وهي تقول: "الآن يهددني زوجي بالطلاق والحرمان من أطفالي، ويرى إصراري على موقفي عدم احترام لعائلته، رغم أني أعاونهم منذ 15 عامًا بعد وفاة أمهم".

وبينما ما زال ملف عائشة عالقًا، اضطرت نداء "33 عامًا" للتنازل عن شكوى تعرضها لعنف بعد أسبوعين من تقديمها.

في التفاصيل، بينما كانت نداء تحاول اقتناص بعض الوقت بعيدًا عن ضجيج المشاكل حولها، لمتابعة دروس أطفالها الثلاثة، فوجئت بأشقاء زوجها يطرقون الباب ويتوعدونه بعقاب شديد.

تقول نداء: "حين طالبتهم بالكف عن تهديد زوجي وسبابه أمام أبنائه، انهالوا عليّ بالسباب والقذف".

تصمت، ثم تتنهد وتكمل: "كان الهجوم قاسٍ، لم أتخيل سماع مثل هذه الكلمات من قبل لمجرد خلافهم مع زوجي واثنين من أشقائه في مسائل عائلية".

تمالكت نداء نفسها، وذهبت إلى مركز الشرطة للإبلاغ عما تعرضت له، وتكمل: "أثبتّ الاعتداء اللفظي عليّ بالشهود، وانتظرت بضعة أيام لتبدأ الإجراءات".

حين تأكد أشقاء زوجها جدّيتها في التبليغ، بدأوا حملة ضغوطات كبيرة لإجبارها على التنازل، مع إصرارهم على عدم الاعتذار عن ما بدر منهم. تقول: "مارسوا ضغوطات على أهلي بأنه لا يجوز لسيدة أن تصل مراكز الشرطة وتبلغ عن الاعتداء عليها، باعتبار الأمر وقاحة وتجاوز للتقاليد".

"في مجتمع محافظ ومغلق مثل المجتمع الفلسطيني، عادة يكون هناك انغلاق فقط فيما يتعلق بقضايا النساء وتعرضهن للعنف"، كما تؤكد الباحثة في دائرة المرأة بالمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان ماجدة شحادة.

وتضيف شحادة: "إذا حدث شحار بين ذكور، يتوجهوا فورًا إلى مراكز الشرطة وتؤخذ الإفادات والمقتضى القانوني والقضائي، ولكن حين يتعلق الشجار بامرأة وزوجها أو شقيقها أو أي شخص، سريعًا تتدخل العشائر، والعرف، والعادة، وكثيرًا ما تختصر في كلمة "عيب"، عيب أن تقدم المرأة شكوى في شخص يهددها، ولكن ليس عيبًا أن تبقى وتعنّف في بيتها".

وتابعت شحادة: "إن هناك مشكلة مرتبطة بالجهات المنفذة، فالشرطي الذي خرج من بيئة ذكورية وما زال متأثرًا بهذا النظام، الذي ينظر بدوره بأن شكوى المرأة ضد أحد أفراد العائلة "عيب"، يجعل توجهه سوداوي نحو المرأة".

وشددت شحادة على ضرورة أن تصل المرأة لحل يضمن سلامتها أولًا، وأن يكون من يتعامل مع شكواها مؤمن بقضيتها ويدعمها، وختمت: "في النهاية المرأة تتنازل، لكن من تريد تقديم شكوى ضد من يمارس عليها العنف ويهدد، يجب أن توضع في بيئة آمنة، فلا يجوز عودتها إلى ذات المكان الذي تم تعنيفها فيه، وعادة تسعى المؤسسات الحقوقية إلى أخذ حقوق النساء حتى الرمق الأخير".

بدورها تؤكد الرائد مريم الناعوق، نائبة مدير عام الشرطة النسائية، أن الحلول الودّية هي التي تدفع النساء للتنازل عن الشكوى، وللحفاظ على العلاقات الاجتماعية وعدم الوصول إلى الطلاق أو التفكك الأسري.

وتكمل: "بعد يوم أو أكثر من استقبال الشكوى، تعود المشتكية للتنازل، وتخبرنا أنه حدث اتفاق مع الطرف الثاني لحل المشكلة"، وتؤكد أن كل ما تستطيع الشرطة فعله في حال قرار المرأة، هو التأكد من أنها غير مجبرة على التنازل، أما في حال تكرار التنازل عن قضية الاعتداء، تضطر الشرطة لإخضاع المشتكى عليه للمساءلة القانونية.

في حديثه لـ"نوى"، يأسف رجل الإصلاح محمد أبو العمرين، لكون مصطلح "الكانون" بات يطلق على مقاعد العرف والمخاتير، وهم من تغلب سلطتهم في حل القضايا الاجتماعية، لدرجة أن بإمكانهم إيقاف إجراءات النيابة الجزائية، إلى حين حل الأمور عشائريًا.

ويتابع: "في مراكز الشرطة هناك تعاطف كبير مع النساء اللواتي يتعرضن لعنف، لكن في العرف والإصلاح هناك تغليط عليهن، فرجل الإصلاح يضغط على أهل المرأة من أجل التراجع، ويكررون عبارات مثل "عيب عليكم" البنت ليش تصل مراكز الشرطة؟ وليش ضربها من دون النسوان؟ وفش دخان من غير نار".

ويختم: "العرف قائم على الضغط وليس الحقوق، ورجال الإصلاح يضغطون من باب التنازل بسبب عدم وعيهم تحت شعار "انتي مش راضية تكبري للمختار الفلاني".

كاريكاتـــــير