قطاع غزة:
منع أمني لطفلٍ لم يتجاوز السادسة! "ما هذا الهراء؟" تتساءل جدة الطفل فاروق أبو النجا باكية. لقد لفظ فاروق آخر أنفاسه أمام والده الذي وقف عاجزًا إلا من النحيب على حال أطفال القطاع الذين يسقطون تباعًا ضحايا لحصارٍ ثقيل.
"هكذا حياتنا. الأمهات يرقبن موت أطفالهن، والآباء لا خيار أمامهم سوى التسليم بالقدر" تكمل، وهي التي تعرف تمامًا الجهد الذي بذله ابنها في طوابير انتظار "تصاريح الدخول" للعلاج في مستشفيات الضفة الغربية والقدس، "ومن دون جدوى".
للموت هنا أشكال عديدة، وهذا واحد منها! أن تموت بين أهلك "مريضًا" دون أن تسير في أي خط علاج. على الرغم من بشاعة أشكال الموت هنا بالصواريخ والقذائف، إلا أنه يعد "أرحم" من موتٍ بطيء تذوب فيه أرواح الأمهات في اللحظة مئة مرة، وهم يرقبن أجساد أبنائهن ينخر بها المرض. "الرفض حاضر، والموافقة حسب مزاج الاحتلال".
في الرابع والعشرين من آب/أغسطس الجاري، أعلنت وزارة الصحة وفاة الطفل فاروق أبو النجا، بعدما كان يعاني من ضمور في الخلايا العصبية للدماغ.
ونظرًا لعدم توفر العلاج اللازم في مستشفيات قطاع غزة، حصل على تحويلة طبية من وزارة الصحة الفلسطينية للعلاج في مستشفى "هداسا عين كارم" في القدس.
تعقب جدته: "محاولاتنا لإخراجه من القطاع بدأت منذ يناير/كانون الثاني للعام 2022م، إلا أن صدمة رفضه من قبل الاحتلال أثقلت صدورنا همًا وألمًا تحت حجج غريبة آخرها المنع الأمني"، متساءلة بانفعال: "أي منع أمني هذا الذي يفرض على طفل لم يتجاوز السادسة من عمره؟".
وعن تفاصيل مرضه، تخبرنا أن ولادته كانت طبيعية، ولم يظهر عليه أي أعراض حتى بلوغه عامه الثالث. "هنا بدأنا نلحظ الضعف على جسده، ثم اشتد المرض عليه فلجأنا إلى مستشفيات القطاع التي أقر فيها الأطباء ضرورة تحويله للعلاج بالخارج" تزيد.
فاروق هو وحيد والديه. "كان روح المنزل وصديق العائلة المحبّب". رفضَه الاحتلال مرّة فتقدمت العائلة مرة أخرى ليتم رفض طلبها مجددًا، وتزامنًا مع هذا وبينما اشتد المرض على الطفل، لجأت عائلته إلى مركز الميزان لحقوق الإنسان من أجل مساعدته في الحصول على تحويلة لعلاجه.
"لماذا يرفض الاحتلال علاجه تحت ذريعة الرفض الأمني؟ وإلى متى سيكتب هذا الأسى على أطفال غزة؟ ما الخطر الذي يمكن أن يشكله طفل مريض على هؤلاء الجنود؟" تعود الجدة للتساؤل بينما تضرب أخماسًا بأسداس.
يمرّ شريط آلام الطفل بذاكرة جدته، فتروي قصّة هزل جسده وضعف التنفس لديه، وكيف كان يشير بأصابعه نحو أمه وكأنه يودعها، وكيف لفظ نفَسَه الأخير تحت جهاز الأكسجين، الذي كان مسعفًا له في غزة.
يُشار إلى أنه منذ بداية العام الحالي، تُوفّي أربعة من المرضى بينهم ثلاثة أطفال بسبب عدم منحهم التصاريح اللازمة للعلاج في مستشفيات خارج قطاع غزة من قبل قوات الاحتلال، وفق مركز الميزان لحقوق الإنسان.