شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 29 مارس 2024م03:39 بتوقيت القدس

هل يوجد حب بدون تضحية؟ (الحب من منظور الفلاسفة)

15 اعسطس 2022 - 10:26
محمد الهلالي

الحب مفهوم غامض نظرا لتعدد مجالاته وأنواعه. فمعناه يتأرجح بين التأثر والرغبة والإحساس والانشغال بالآخر والهوى والانفعال والفعل ومُسبب الفعل والحالة النفسية والاستعداد للذهاب نحو الآخر والعلاقة مع الآخر. وقد يكون عند البعض مُجرد "حيلة من حيل الطبيعة من أجل تحقيق التوالد والعناية بالرضّع غير المستقلين بذاتهم".
كما يتأرجحُ معناه أيضا بين كونه قدرا لأننا نعجز عن التخلص منه رغم علمنا بمساوئ المحبوب، ووهما لأن خيالنا يحجب عنا الشخص الذي نحبه برداء الوهم (ستاندال) ولأننا لا نحب الشخص الذي نصرح بأننا نحبه وإنما نحب ميزاته (باسكال)، ووعدا لأنه يطلق العنان للأمل في حياة مليئة بالحيوية وكثافة المشاعر تتجاوز الحاضر، وخلاصا لأنه ينقلنا من الملل والسطحية إلى عمق الحياة وكثافتها، ويُمَكنُ المُحبَ من أن يولد من ذاته وأن يُصبحَ الآخرُ نِصفَهُ المُقدّر له وأن يُحبّ نفسَه فيه.
يمكن تقريب معنى الحب من خلال مؤشراته من قبيل: أ) تركيز الانتباه على الشخص المحبوب، بحيث أن حضوره يُنسي المُحبَ جميع الأشياء الأخرى تعبيرا عن الرغبة في الاندماج معه ب) لما يغيب الشخص المحبوب يحضر بقوة في ذهن المحب من خلال أفكار تغزوه بدون إذنه ولا يستطيع مقاومتها ج) المحب يمجد المحبوب د) تحويل المحبوب إلى كائن مثالي بحيث يبدو بدون عيوب هـ) في حالة غياب المحبوب يشعر المحب بنقص في كيانه و) ينتابُ المحبَ قلق وغيرة تجاه المحبوب كما يتقصى كل العلامات التي قد تدل على أنه يحبه.
ويتمنى المحب أن يدوم حبه طيلة حياته وهو الأمر الذي يكذبه واقع تجارب المحبين. فأساس الحب هو هشاشة المشاعر. والحالات التي يدوم فيها الحب بين المحبين نادرة واستثنائية. وهناك من يتحدث عن "دورة طبيعية للحب" تدوم مدة لا تتجاوز أربع سنوات (الأنثروبولوجية الأمريكية هيلين فيشر). بل يوجد "مختبر لدراسة الحب" (Love lab) بجامعة "سياتل" بولاية واشنطن يدرس العلامات والمؤشرات الدالة على دوام علاقة حب معينة. ويقوم رائز آخر بتصوير الحياة اليومية لطرفي العلاقة لمدة أربعة وعشرين ساعة، وقياس وتيرة تبادل الكلام بينهما، ومضمون ذلك التبادل، وعدد المرات التي يلمس فيها احدهما الآخر، وردود فعل كل منهما على مطالب الآخر (جون غوتمان). علما بعدم وجود مساواة في الحب، فهذا الأخير هو شأنُ نخبة محظوظة، لأن أغلب العلاقات تتم من خلال "اختيار الشريك المتوفر في المكان والزمان المفروضين".
سبق لليونانيين القدماء أن صنفوا الحب إلى عدة أنواع: أ) حب يرمز له إيروس أي يقوم على علاقة شهوانية بدنية جنسية إضافة إلى عاطفة وتعلق شديدين بالمحبوب ب) الصداقة ج) الرقة، حب الآخر د) حب الإنسانية. وتصنف هيلين فيشر الحب إلى ثلاثة أنواع: أ) الرغبة الجنسية ب) التعلق الشديد ج) الحب بالمعنى الحقيقي للكلمة. وتشير إلى أن معظم الناس يُولّونَ أهمية كبرى للإحساس بأنهم محبوبين من طرف من يجبونهم أكثر من اهتمامهم بالمعاشرة الجنسية.
ليس الحب نقصا عند سبينوزا. بل هو رغبة، أي قوة وقدرة على الاستمتاع. الحب فرحٌ مصاحب بفكرة عن سبب خارجي. فلما يشعر شخص ما بفرح لما يفكر في شخص آخر فهو يتمثل هذا الشخص الآخر كسبب في فرحه، فيستنتج أنه يحبه. كما أنه مصدر طاقة خلاقة للخلق والإبداع في نظر نيتشه. أما شوبنهاور فيرى أن الحب نقص لذلك "يتعذب المرء لأنه لا يملك ما ينقصه، ويصيبه الملل لما يحصل على ما لا يستطيع الرغبة فيه بعد الحصول عليه"، فالحب في نظره "ليس إلا مجموعة إيماءات تافهة يقوم بها غبيان".
وليس الحب عند إريك فروم إحساسا أو حالة نفسية تفرض علينا، وإنما هو فن، وموضوع الحب ليس هو المحبوب وإنما هو علاقة الحب. لذلك ينبغي على المحبين أن يتعلموا كيف يحبون. ويحذر أندريه كونت سبونفيل من خطر الرغبة على الحب فهي "تجبرنا على تدنيس كرامة الآخر بإذلاله وتحويله إلى موضوع جنسي ونسيانه بعد إشباع الرغبة الجنسية". وهو في نظر ألان باديو "قوة ثورية تمكن المحب من الحلم بغد مُضيء".
لكن ما قيمة الحب بدون التزام تجاه المحبوب بعدم تحويله إلى مجرد وسيلة؟ المحبوب غاية في ذاته. فنحن نحب من أجل الحب لأنه لا يوجد ما هو أهم من الحب. هناك نوع من القداسة في الحب تصل حد التضحية من أجل المحبوب. إن الحب "إنفاق بدون حساب"، وبدون انتظار مقابل لذلك. ففي الإنفاق يرغب المحب في أن يدرك المحبوب قيمة ما يخسره من أجله. لكن أكبر إنفاق هو إنفاق المشاعر. فالحب يعبر عن نفسه من خلال التضحية بشيء ما أو بشخص ما، وليس الهدف من تلك التضحية هو التعبير للمحبوب عن حبنا له. فالحب مشروط بالتضحية بغض النظر عن الشخص المحبوب.

منقول من بوابة الهدف الإخبارية

كاريكاتـــــير