شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 29 مارس 2024م15:49 بتوقيت القدس

المرأة العاملة في رمضان.. قمحةٌ بين حجري "رحى"

12 ابريل 2022 - 14:32

شبكة نوى، فلسطينيات: يبدو المشهد أقرب إلى بذرة قمح بين حجري رحى. تستيقظ السيدة علا أبو دان منذ بداية شهر رمضان المبارك تمام الثالثة فجرًا. تحضّر السحور الشرقي الأصيل: البطاطا المقلية، والفول، والحمص، واللبنة، والفلافل، "إذ لا يروق لزوجي السحور الإفرنجي أبدًا، وهكذا اعتاد في بيت أهله" تقول لـ "نوى".

بعد السحور، تبدأ رحلة علا مع غسيل الأطباق، وتنتهي مع أذان الفجر، فتصلي، ثم تشرع بإتمام ما تحتاجه ابنتيها (الكبيرة 9 سنوات، والصغيرة 7 سنوات) قبل الذهاب إلى المدرسة. تنتهي هذه المرحلة مع زامور الباص، لكن الحكاية ما زالت في بدايتها!

تمام السابعة تنطلق السيدة نحو المطبخ، إذ ينتظرها تجهيز المرحلة الأولى من طعام الإفطار "كأن أقطع السلطة، أو أن أسلق الدجاج اختصارًا للوقت، أو أن أفرم الملوخية، أو أقشر الباذنجان وأقليه حسب نوع الأكلة"، ليلحق بها بعد هذا كله إعداد فطور طفلها ابن العام، وصغيرتها ذات الأعوام الثلاثة، هذا كله قبل أن تأخذهما إلى الحضانة، وتستقر على مكتبها (كموظفة في إحدى الوزارات الحكومية) كما يفترض أن يحدث كل يوم تمام التاسعة!

"وفي العمل لا أحد يرحم" تعقب السيدة بأسف، "فالملفات لا تنتظر، والإدارة تطالب بجهدٍ إضافي (..) ينتهي الدوام تمام الثانية، وساعتها بيكون ريقي نشف حرفيًا" تزيد.

تهرع علا بعدها إلى الحضانة، لتأخذ طفليها، ثم تعود بهما وبأغراضهما إلى البيت لتجد طفلتيها في انتظارها عند جدتيهما، بأكوام الواجبات المدرسية، وأنباءٍ عن امتحان لشهر إبريل صبيحة اليوم التالي! تنجز معهما ما تستطيعه، وتترك الباقي إلى ما بعد السحور! وبين بكاء طفلها الرضيع ونداء المطبخ لإتمام إفطار العائلة، يُطحن قلبُها. تضيف: "إشي بيشبه تكسير العظم، بنام مثل القتيلة، وما حدا حاسس في وضعي. كل اللي بيشوفني من صديقات زمان بيحسدني لإني بشتغل".

ترى السيدة أن العمل في ظروفٍ كالتي تعيشها "إعجاز"، لكنها تستدرك: "وضع غزة لا يسمح بالاستقالة إذ بالكاد نتمكن من تلبية احتياجات أسرتنا أنا وزوجي الذي يعمل بعقودٍ متقطعة، كل ما أستطيعه هو تدبير أموري في الإجازة الأسبوعية، وأحيانًا أحضّر طعام عدة أيام خلالها، وأحضّر مع بناتي دروسًا قادمة ما يأخذ اليوم كله وهذا يحرمني متعة الإجازة". لا يتعلق الأمر بشهر رمضان على ما يبدو في بيت علا، فهي تؤكد أن حياتها على هذه الحال مذ أصبحت أمًا، "لكن في شهر رمضان، يزيد التعب مع الصيام، ومحاولة إرضاء كل أفراد العائلة على حساب نفسي" تختم.

وليست علا وحدها الموظفة التي تعاني الأمرّين في شهر الصيام، كي تحافظ على لقمة عيشها، فـ نهى التي اكتفت بذكر اسمها الأول، تبدأ نهارها تمام التاسعة، إذ تعمل في محلٍ لتأجير بدل الزفاف وفساتين الحفلات، وينتهي تمام الخامسة والنصف "أي قبل الإفطار بساعة ونصف فقط" تقول.

وتخبر "نوى" كيف أنها تضطر أن تستيقظ قبيل أذان الفجر بساعة لتبدأ بتجهيز السحور، ولا تعود للنوم بعده أبدًا، إذ تنطلقُ في تحضير ما يمكن تحضيره من طعام الإفطار، ليكون الأمر يسيرًا عليها عند العودة، ورغم أن زوجها الذي يعمل أيضًا في أحد المحال التجارية يعود في ذات الوقت تقريبًا إلا أنه يتجه للنوم في انتظار أذان المغرب، لتبدأ هي سباقًا يوميًا مع الوقت، لتتمكن بالكاد من تجهيز السفرة بالتزامن مع أذان المغرب.

وتكمل: "لا أحد يراعي أنني إنسانة، في العمل أنا مطالبة بأن أبقى طوال الوقت متيقظة وعلى أهبة الاستعداد لاستقبال ومتابعة الزبائن، ولا يمكن أن يتقبل صاحب المحل أي عذر إن شعرت بتعب، أو فكرت في المغادرة قبل الموعد المحدد، أمرٌ يجعلني أفكر كثيرًا في ترك العمل، لكن سوء الأوضاع المادية يجبرني على تحمل كل هذه الضغوط التي تأخذ من صحتي الجسدية والنفسية.

وتعلق منى خضر بالقول: "المرأة العاملة تعاني الأمرّين في شهر رمضان المبارك، لما له من خصوصية دينية واجتماعية، وأعباء تكون مضاعفة خلال الشهر الكريم، الذي تزداد فيه الزيارات العائلية، في ظل أزمة المواصلات التي تشتد"، وهذا -وفقًا لها- يجعل حياة المرأة العاملة رحلة عمل متواصلة، خاصة التي تعمل في محافظة مغايرة لمقر سكنها، فتجد صعوبةً في الذهاب والعودة من العمل.

وتكمل: "من ناحية لديها عمل عليها أن تقوم به على أكمل وجه، وأسرة في المنزل تنتظر منها أن تؤدي دورها الاجتماعي دون أي انتقاص، ما بين تحضير الإفطار والانطلاق للزيارات العائلية، ومتابعة دروس الأبناء، ناهيك عن الاستيقاظ لتجهيز السحور، ما يعرضها لضغوط لن تشعر بها سوى النساء العاملات".

وتدعو منى إدارات المؤسسات الخاصة الأهلية والحكومية، وحتى القطاع الخاص، إلى الانتباه لخصوصية المرأة العاملة في شهر رمضان المبارك، والعمل على تحقيق نوع من التمييز الإيجابي في الشهر الفضيل، من حيث ساعات الدوام.

اخبار ذات صلة
كاريكاتـــــير