شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الخميس 28 مارس 2024م15:57 بتوقيت القدس

"يوم المرأة".. وحقوقٌ على شكل "أُمنية"!

09 مارس 2022 - 22:40

قطاع غزة:

أشرقت شمس الثامن من آذار على وجه هذا الكوكب من جديد. فتحت ياسمين عينيها وحملقت في السقف بضع دقائق قبل أن يقطع الصمت صوت أمها تناديها لتشاركها إعداد طعام الإفطار لعائلتها المكونة من 12 فردًا.

ياسمين كانت تحلم باستكمال دراستها، لولا أن الفقر جثم على قلب عائلتها سنواتٍ طوال، تحديدًا، منذ أغلق الاحتلال أبوابه في وجه عمّال غزة بالتزامن مع اندلاع انتفاضة الأقصى، فلم يعد لوالدها دخلٌ يقيهم ذل السؤال.

ياسمين اليوم بلغت من العمر 28 عامًا، ولم تحظ بفرصة تعليمٍ جامعي، وآخر ما تذكره عن العلم والدراسة هو يوم نتائج التوجيهي! وبينما كان حقّها في التعليم "حلم"، ووضع عائلتها المادي صعب، كان زواجها من ابن عمها "قرار اتخذ بالإجماع" ولم تملك أمامه سوى "السمع والطاعة".

"في بيته عشت المُر أشكالًا وألوانًا" تقول لـ "نوى"، وتكمل: "تدخلات أمه وأخواته، والتزاماتي تجاه الأسرة الممتدة التي لا تنتهي، وفوق هذا كله ضربٌ وشتمٌ وتعنيف"، مردفةً: "كانت الشكوى ممنوعة، فأبي لن ينصرني على عمي، ولن يقاطعه لأجلي. هكذا كان يخبرني".

ولولا أن زوجها قرر الزواج بأخرى بعد تأخرها بالإنجاب لمشكلاتٍ صحية تعاني منها، لما حصلت على الطلاق، "لكن ما لم أتخيّله أنني سأعود إلى دوامةٍ جديدة من الذل، أعيش فيها ملومةً على طلاقي. إخوتي يعاملونني كخادمة لهم ولأبنائهم، وأمي تبحث لي عن عريس، بينما أنا لا خيار أمامي هنا سوى الصبر" تستدرك.

سألنا ياسمين عن أمنيتها في "يوم المرأة العالمي"، فابتسمت ثم سألت بعفوية: "هم ليش اخترعوه؟"، أجبناها: "للتذكير بحقوق المرأة، وتكريمًا لإنجازاتها الاقتصادية، والسياسية والاجتماعية". لم تملك الشابة سوى أن تصمت، وتبتلع غصّتها، ثم تعلّق بصوتٍ خافت: "ما في شيء بيوجع أكثر من أنو تكون حقوقي حلم صعب يتحقق".

بنفس القناعة افتتحت هبة الأحمد حديثها مع "نوى" بمناسبة يوم المرأة العالمي، عندما تساءلت: "هل هناك أكثر بؤسًا من أن تكون أبسط حقوقي أمنية؟".

اليوم العالمي الذي يصادف الثامن من آذار/ مارس من كل عام، اعترفت به الأمم المتحدة في عام 1975، تقديرًا لإنجازات المرأة الاقتصادية، والسياسية والاجتماعية، وهو ذاته الذي يأتي في كل عامٍ ليطرق جدران الخزان وينبّه حول انتهاكات حقوق المرأة، وما تتعرض له من تهميشٍ وعنف.

تقول هبة (22 عامًا): "أستغرب من أننا وصلنا هذا القرن، وما زلنا نتحدث بأمنيات هي حقوق لنا، كأن أتوسل الاحترام في مكان العمل من ناحية الخصوصية، أو أن أجد فرصة تليق بي لأنني أستحقها، لا لأن المدراء يفكّرون هل هي مناسبة لي أم للرجل وفق اعتقاداتٍ اجتماعية، وعاداتٍ بالية، ومتخلفة".

وتضيف: "أحب أن أسمع أن امرأةً أُنصفت وفق قانون استطاع حمايتها، لا أن أستمر في سماع أخبار نساء قُتلن لعدم وجود قانونٍ يحمي النساء".

لم تنس هبة التحدث عن الأمهات العاملات اللاتي يعانين من ساعات العمل الطويلة في مؤسسات خاصة، ثم ضحكت وقالت ساخرة: "أقول قولي هذا وأنا امرأة لم تحصل على إجازة بهذا اليوم على سبيل المثال، وحقًا لقد نسيتُ أنه يوم المرأة لولا تذكيركم لي".

نقاش بسيط دار بين هبة وشقيقتها ولاء (وهي أمٌ لطفلين)، حول ساعات الدوام التي تتجاوز الـ 10 في مكان عملها، ما يدفعها إلى وضع طفليها عند خالتهما، إذ لا توجد حضانة تقبل الطفل لبعد الساعة الرابعة مساءً.

تصف ولاء يوم المرأة بقولها: "وردي ولطيف، لكنه وهم". فواقع النساء الفلسطينيات تحت الاحتلال سيء، وكذلك داخليًا بين قوانين لا تنصفها وفق ما ترى.

وحسب تقرير أصدره مركز الميزان لحقوق الإنسان، فإن 60 امرأة فلسطينية؛ قُتلت على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي بينهن 22 طفلة في قطاع غزة، خلال الفترة الممتدة من 8 آذار/ مارس 2021م، إلى 8 مارس الجاري.

وأوضح المركز الحقوقي أن 4 من النساء قتلن بقذائف مدفعية، و56 أخريات قُتلن بقذائف صاروخية، موضحًا أن 645 سيدة أصبن بجراح مختلفة؛ بينهن 248 طفلة، وذلك خلال العدوان الإسرائيلي الأخير في أيار/ مايو 2021.

تتابع الشابة: "يجب معاقبة المؤسسات أو الشركات التي تداوم فيها النساء لبعد الساعة الثالثة مساء، وليس لديها إجازات سوى الجمعة".

يوم الجمعة الذي تحول بنظر هذه الأم إلى "ساعة مخفية" تطير بسرعة البرق بين التنظيف، والترتيب، وطهو الطعام، وإنجاز كل المهام المنزلية العالقة طول الأسبوع.

لكن ماذا عن ربات المنازل؟، تخبرنا ضحى ماجد وهي أم لطفلين أنها تتمنى أن يحصل زوجها الذي يعمل مهندسًا في شركةٍ خاصة على إجازة رسمية، فتعيش يومًا عائليًا ولو لمرةٍ واحدة.

تزيد: "لا تتجاوز ساعات جلوسه بيننا في المنزل أربع ساعات، فهو يعمل طوال أيام الأسبوع بشكل أنهك قدرته على التحمل من أجل توفير فرصة جيدة للعيش، ففي غزة لا فرصة مع عدم انتظام الرواتب، والاعتماد على نظام السُلف التي بالكاد توفر مصروف المنزل بشكل أسبوعي".

تحب ضحى لو يكمل معها يومًا كاملًا ليشعر بمعاناتها مع الأطفال، فالرجال مع عملهم وغيابهم يظنون أن ربات البيوت يستريحون أكثر منهم! وأن معظم شكواها من الأطفال ومهام المنزل هي "دلع".

لكن لعائشة الجمال وجهة نظر أخرى، فهي تتمنى أن تعيش بمعزلٍ عن زوجها وأطفالها مدة أسبوع واحد فقط. تحب لو تتذكر نفسها أو تتعامل بأنانية، أن تفحص ما هي اهتماماتها لنفسها بعيدًا عن مهام المنزل والأطفال. 

لحظات من الصمت مرّت على عائشة، ثم قالت بتنهّد: "أتمنى أن لا تعود الحرب. ألا أفقد أطفالي ولا زوجي، ولا أي عزيز على قلبي. فهذا حقيقي أكثر ما أتمناه"، ثم تضحك وتكمل: "خلص استغنيت عن أسبوع العيش من دونهم. يكفي أن يسلموا من الحرب وأنا راضية بذلك".

ووفق تقرير "الميزان" فقد بلغ عدد النساء اللواتي فقدن أزواجهن خلال العدوان الإسرائيلي الأخير 99 سيدة، بينما دمرت قوات الاحتلال 742 منزلًا سكنيًا تملكه سيدات، و211.033 مترًا مربعًا من الأراضي الزراعية المملوكة لنساء عدد أفراد أسرهن 329 فردًا، خلال تلك الفترة.

كاريكاتـــــير