شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم السبت 20 ابريل 2024م16:43 بتوقيت القدس

القرار بقانون رقم (7)..

طعنةٌ لـ"معالم الصمود" في مناطق "التّماس"

18 مارس 2021 - 12:31

رام الله/ شبكة نوى- فلسطينيات:

يستذكر المزارع محمد الزبن، أرضه في سهل البقيعة بمنطقة الأغوار الشمالية، قبل أكثر من 15 عامًا، عندما كانت صحراء قاحلة، ويقارنها بحالها اليوم، كواحدةٍ من أهم الأراضي الزراعية، ليس في المنطقة فحسب، بل على مستوى الضفة الغربية ككل.

هذا التحول لم يحدث بسهولة، بل ببذل الكثير من الجهد والوقت والمال، والكثير الكثير من التحدي للاحتلال ومستوطنيه، الذين حاولوا مدَّ جذورهم في المكان، على مدار سنواتٍ طوال. "وهذا ما كان ليتحقق دون ظَهرٍ يعزز صمودنا" يقول.

المؤسسات الأهلية، وعلى رأسها "الإغاثة الزراعية"، بدأت الرحلة مع مزارعي المنطقة منذ سنوات، في ظل إهمالٍ رسميٍ وحكومي.

المؤسسات الأهلية، وعلى رأسها "مؤسسة الإغاثة الزراعية" بدأت الرحلة مع الزبن، وغيره من المزارعين في المنطقة منذ سنوات، تابعتهم دعمًا وإرشادًا في ظل إهمالٍ رسميٍ وحكومي، "وليتَ الأمر إهمالًا وحسب، بل إن الحكومة أحيانًا كانت تعرقل عملنا هنا" يضيف.

و"سهل البقيعة"، هو ثالث أكبر سهول فلسطين من حيث المساحة، يمتد من "طمّون" غربًا حتى نهر الأردن شرقًا، وتبلغ مساحته الممتدة على أراضي بلدتي "طمون" و"طوباس" 275 ألف دونمًا، إلا أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي سيطرت على معظمه لصالح إقامة معسكراتٍ لجيشها، وإنشاء المستوطنات وتوسيعها، فلم يتبقَّ لأصحابه سوى 30 ألف دونمًا، للزراعة والسكن.

ويملك الزبن في المنطقة أرضًا تمتد على مساحة 50 دونمًا، يعمل فيها مع أبنائه الثلاثة الذين تخرجوا من الجامعة ولم يجدوا فرص عمل. "المستوطنات تحيط بنا من كل اتجاه، ولا أحد ينظر إلى حالنا مثلما تفعل بعض المؤسسات الأهلية" يعقّب الرجل.

الإغاثة الزراعية، وفق ما يذكر الرجل، ساهمت في مدّ قنوات نقلٍ للمياه من مصادرها في "طمون" إلى السهل، كما ساعدت في حفر الآبار لصغار المزارعين، وتأمين البيوت البلاستيكية التي يرهق ثمنها كاهلهم، إلى جانب إمدادهم بالأسمدة والبذور.

قبل مد السهل بشبكة نقل المياه، كان المزارعون يعتمدون على شرائها عبر الصهاريج، بتكلفة 40 شيكلً للكوب الواحد.

قبل مد السهل بشبكة نقل المياه، كان المزارعون يعتمدون على شراء المياه عبر الصهاريج التي تصل تكلفة الكوب منها إلى 40 شيكلًا، وأحيانًا أكثر، "أما الآن فتقلص سعر الكوب –واصلًا إلى الأرض- لـ4 شواكل".

ويرى الزبن أن المساس بعمل هذه المؤسسات الداعمة لمزارعي المنطقة، سواءً من قبل السلطة الفلسطينية، أو من خلال استهدافها بالحملات الإسرائيلية ضدّها، سيعود بـ"كارثة" عليهم، وهم الذين يستقوون ببقائهم على أرضهم بها.

و"الإغاثة الزراعية"، التي كان لها كل هذا الأثر على الزبن وغيره من المزارعين في منطقة الأغوار، هي واحدة من نحو (4616) مؤسسة مجتمع مدني فلسطينية، يمكن أن يصيبها الضرر من تطبيق التعديلات الرئاسية على قانون الجمعيات الأهلية، وهو الأمر الذي سيلحق ضررًا مماثلًا بالمستفيدين من خدماتها التي تقدمها، خاصةً في المناطق المصنفة (جيم) حسب اتفاق "أوسلو" 1993م، والمستهدفة بالاستيطان والضم الإسرائيلي.

مرسوم الرئيس يشترط ضرورة تقديم الجمعيات، خطة عملها السنوية للوزارة المختصة، ووصفًا لأنشطتها وموازنتها.

وكان الرئيس محمود عباس، أصدر مرسومًا وفق "قرار بقانون"، حمل الرقم (7) لعام 2021، بشأن الجمعيات الأهلية، تضمّن ثمانية بنود، أكثرها خطورةً: المادة الثانية، التي تنص على تعديل المادة رقم (13) من القانون الأصلي، وتشترط ضرورة تقديم الجمعيات، خطة عملها السنوية للوزارة المختصة، ووصفًا لأنشطتها وموازنتها.

هذا الأمر وصفته المؤسسات بـ "التدخل السافر" في عملها، كونه يفرض المزيد من الرقابة على مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية، الموزعة: (42% في الضفة- 31% في قطاع غزة، 11% في القدس، 14% خارج فلسطين، و2% في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948).

مساس بصمود الأهالي

منسق "الإغاثة الزراعية" في منطقة الأغوار، عازم الحج محمد، يقول لـ"نوى": "كل الخدمات التي تقدم للمواطنين في مناطق الأغوار، تتم من خلال المؤسسات الأهلية الفلسطينية والمؤسسات الدولية، وأي مساس بها، قد يعني حرمان المواطنين في تلك المناطق من هذه الخدمات، التي تصنف أساسيّة لصمودهم هنا".

وبحسب الحاج محمد، فإن الإغاثة الزراعية وباقي المؤسسات الأهلية، تقدم خدمات تتعلق بمد القنوات المائية، وترميم الآبار الارتوازية، وبناء برك لجمع المياه، وتوفير البنية التحتية الزراعية التي من الصعب استمرار قطاع الزراعة دونها.

تعمل "الإغاثة الزراعية" في الأغوار منذ تأسيسها عام 1982، أي قبل تأسيس السلطة الفلسطينية، وقبل تأسيس وزارة الزراعة.

وتعمل "الإغاثة الزراعية" في منطقة الأغوار منذ تأسيسها عام 1982، أي قبل تأسيس السلطة الفلسطينية، وقبل تأسيس وزارة الزراعة، لسد الفجوة في الخدمات المقدمة للمزارعين، بينما تطور عملها مع الوقت لتتحول إلى أكبر مؤسسة تنموية في هذه المناطق.

ويؤكد الحج محمد على تركيز الأولوية في مشاريعهم، على المناطق الأكثر سخونةً واستهدافًا من قبل الاحتلال وتوسعه الاستيطاني، مثل شق الطرق في هذه المناطق، وترميم الآبار الارتوازية، ومد شبكة مياه، وتأهيل خزان مياه في منطقة "فروش بيت دجن"، الذي يستفيد منه 750 مزارعًا في المنطقة، وتأهيل بئرٍ ارتوازي، يعود بناؤه إلى العام 1952 في بلدة "مرج نعجة" على الحدود الأردنية، التي تحاول السلطات الإسرائيلية السيطرة على أراضيها بالكامل وتهجير سكانها.

وآخر مشاريع الإغاثية في المنطقة يتم بتمويل مؤسسة التعاون، ويستهدف الخريجين الجامعيين، بمِنَحٍ لتنفيذ أفكارٍ ريادية لمساعدة العاطلين عن العمل منهم.

خدمات بملايين الدولارات

وفي منطقة سلفيت شمال الضفة الغربية، تلقت بلدة "ياسوف" بداية العام الحالي، إخطارات بهدم عشرة منازل، ووقف شق طريق، ووقف بناء ملعب في منطقة النصبة وسط القرية، بحجة البناء على أراضٍ واقعة ضمن تصنيف (جيم).

وبلدة ياسوف محاطة بأربع مستوطنات تزحف كل عام نحو أراضي البلدة بشكلٍ حدد إمكانية التمدد الطبيعي لسكانها، وحاصرها، وهو ما جعل الأهالي يهربون للبناء في هذه المناطق (جيم).

وتمتد أراضي القرية على مساحة 6600 دونمًا، منها فقط 1500 داخل المخطط الهيكلي الذي ترفض "إسرائيل" أي طلبات لتوسعته منذ العام 1996.

نشأت عبد الفتاح: وقف متابعة هذه القضايا عبر المؤسسات الأهلية، ومراكز المساعدات القانونية، يعني ضياع حقوق أصحابها.

يقول رئيس المجلس القروي في "ياسوف" نشأت عبد الفتاح: "إن وقف متابعة هذه القضايا عبر المؤسسات الأهلية، وعلى رأسها مركز القدس للمساعدة القانونية، يعني ضياع حقوق أصحابها"، منبهًا إلى أن المواطنين، لا يستطيعون متابعة هذه القضايا وحدهم في ظل ارتفاع تكلفتها من جهة، وعدم معرفتهم بالإجراءات القانونية لهذه المتابعة من جهةٍ ثانية".

أحد أصحاب المنازل في البلدة، وهو متضرر من الإخطارات التي وصلته بالهدم، فضّل عدم ذكر اسمه في سياق التقرير، لكنه قال لـ"نوى": "بدأتُ ببناء منزلي منذ أربع سنوات، وخلال البناء لم أتلقَّ أي إخطار بوقف البناء، لكنني الآن أتابع قضيتي من خلال مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان".

يؤكد الرجل أنه، ولولا المركز، لما كان قادرًا على المتابعة القانونية في المحاكم الإسرائيلية، وهو الذي يحمل الهوية الفلسطينية، معقبًا: "هي قصة معقدة ومكلفة ماليًا، ليس بمقدور أيٍ من المتضررين القيام بها بدون مساعدة المؤسسات القانونية والحقوقية".

وإخطارات منازل بلدة "ياسوف"، هي واحدة من ضمن 2800 قضية تهجير قسري، وأوامر هدم، ووقف بناء، يتابعها مركز القدس، وفقًا لمديره عصام العاروري، الذي أوضح لـ "نوى"، أن المركز يقدم 40% من خدماته في المناطق المصنفة "جيم" المهددة بالاستيطان والضم بشكل مباشر، بينما تذهب 40% أخرى، لمتابعة قضايا الفلسطينيين في مدينة القدس المحتلة، داخل الجدار وخارجه، و20% في مناطق الضفة الغربية الأخرى.

في مناطق وسط وشمال الضفة والأغوار، يغطي مركز القدس 90% من الاحتياجات القانونية للمواطنين الواقعة أراضيهم ضمن التصنيف (جيم).

وفي مناطق وسط وشمال الضفة والأغوار، يغطي المركز 90% من الاحتياجات القانونية للمواطنين الواقعة أراضيهم ضمن التصنيف (جيم).

وخلال 20 عامًا من عمله، تمكّن المركز من حماية 3500 بيتًا ومنشأةً فلسطينيةً من الهدم، واستعادة مئات الدونمات من الأراضي المعلن عنها كـ"أراضي دولة"، إلى جانب العمل لرفع الوعي بالحقوق، ومرافقة وفودٍ برلمانيين، ودبلوماسيين، وصحافيين، ومعدي أفلام وثائقية، إلى هذه المناطق، لتسليط الضوء عليها.

وفي القدس وضواحيها، يعمل المركز على ثلاثة محاور: الأول على صعيد هدم المنازل؛ حيث يتابع حاليًا 100 قضية، أما الثاني فيتعلق بتقديم خدماتٍ في الحقوق الاقتصادية، التي تشمل تخفيضاتٍ في ضريبة "الأرنونا" المرهقة للمقدسيين، فيما يرتبط المحور الثالث، بموضوع الحقوق الاجتماعية، ذلك من خلال متابعة قضايا سحب الهويات المقدسية، وتسجيل الأطفال، وقضايا تتعلق بحق الفلسطيني في العيش ضمن عائلة موحدة، في ظل القوانين الإسرائيلية التي تعيق لم الشمل للعائلات الفلسطينية.

العاروري: ما يقدمه المركز، يصعب على المواطنين وحدهم تحقيقه، فمتابعة بعض قضايا الهدم تكلف 10 آلاف دولار

يوضح العاروري أن ما يقدمه المركز، يصعب على المواطنين وحدهم تحقيقه، فمتابعة بعض قضايا الهدم تكلف 10 آلاف دولار، ذلك في حال لجأ المتضرر للقطاع الخاص، "أي أن 2800 قضية يتابعها المركز، يمكن أن تصل تكلفتها بالنسبة  للمواطنين إلى ثلاثة ملايين دولار، هذا إلى جانب أن بعض أنواع القضايا يبتعد محامو القطاع الخاص من المرافعة فيها، بدعوى أنها قد تستغرق سنوات، وبالتالي فهي غير مجدية بالنسبة لهم" يختم.

كاريكاتـــــير